ثلاث مسائل:
وصف الله بالعلو على العرش.
ومسألة القرآن.
ومسألة تأويل الصفات.
فقلت له: نبدأ بالكلام على مسألة تأويل الصفات، فإنها الأم والباقي من المسائل فرع عليها، وقلت له: مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف: أن هذه الأحاديث تمر كما جاءت. ويؤمن بها وتصدق، وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل.
وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف منهم الخطابي مذهب السلف: أنها تجري على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها، وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى حذوه ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فنقول: إن له يدًا وسمعًا، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ومعنى السمع: العلم.
فقلت له: وبعض الناس يقول: مذهب السلف: أن الظاهر غير مراد، ويقول: أجمعنا على أن الظاهر غير مراد، وهذه العبارة خطأ، إما لفظًا ومعنى، أو لفظًا لا معنى؛ لأن الظاهر قد صار مشتركًا بين شيئين:
أحدهما: أن يقال: إن اليد جارحة مثل جوارح العباد، وظاهر الغضب غليان القلب لطلب الانتقام، وظاهر كونه في السماء أن يكون مثل الماء في الظرف، فلا شك أن من قال: إن هذه المعاني وشبهها من صفات المخلوقين ونعوت المحدثين غير مراد من الآيات والأحاديث. فقد صدق وأحسن؛ إذ لا يختلف أهل السنة أن الله تعالى ليس كمثله شىء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة.
لكن هذا القائل أخطأ، حيث ظن أن هذا المعنى هو الظاهر من هذه الآيات والأحاديث، وحيث حكى عن السلف ما لم يقولوه، فإن ظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع وقد يكون بسياق الكلام، وليست هذه المعاني المحدثة المستحيلة على الله تعالى هي السابقة إلى عقل المؤمنين، بل اليد عندهم كالعلم والقدرة والذات، فكما كان علمنا وقدرتنا وحياتنا وكلامنا ونحوها من الصفات أعراضًا تدل على
1 / 4