فما ينتظر العالم بإظهار ما عنده، والناشر للحق من القيام بما يلزمه. فقد أمكن القول وصلح الدهر، وخوى نجم التقية، وهبت ريح العلماء، وكسد الجهل والعي وقلعت سوق العلم والبيان.
وهذا الكتاب - أرشك الله - وإن حسن في عيني، وحلا في صدري، فلست آمن أن يعتريني فيه من الغلط ما يعتري الأب في ابنه، والشاعر في قريضه.
والذي دعاني إلى وضعه مع إشفاقي منه، وهيبتي لتصفحك له، أني حين علمت أن الغالب على إرادتك، والمستولي على مذهبك، تقريب العالم وإقصاء الجاهل، وأنك متى قرأت كتابا أو سمعت كلاما، كنت من وراء ما فيه من نقص أو فضل، باتساع الفهم، وصحة العلم؛ وأنك متى رأيت زللا غفرته وقومت صاحبه، ولم تقرعه به، ولم تخرمه له. ومتى رأيت صوابا أعلنته ورعيته، فدعوت إليه وأثبت عليه. ولأني حين أمنت عقاب الإساءة، ووثقت بثواب الإحسان، كان ذلك موجبا لنظمه وموحيا للتقرب به. والسبب أحق بالتفضيل من المسبب؛ لأن الفعل محمول على سببه، ومضاف إليه، وعيال عليه، ومضمن به.
Bogga 317