Risālah Ila Ahl al-Thughur
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
Baare
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
Daabacaha
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Lambarka Daabacaadda
١٤١٣هـ
Goobta Daabacaadda
المملكة العربية السعودية
Noocyada
Caqiidada iyo Mad-habada
على ذلك، وهم متفقون لا يختلفون في حدوثهم١ ولا في٢ توحيد المحدث لهم وأسمائه وصفاته، وتسليم جميع المقادير إليه والرضا فيها بأقسامه٣، لما قد ثلجت به صدورهم، وتبينوا وجوه الأدلة التي نبههم ﵇ (عليها) ٤ عند دعائه لهم إليها. وعرفوا بها صدقه في جميع ما أخبرهم به، وإنما تكلفوا البحث والنظر فيما كلفوه٥ من الاجتهاد في حوادث الأحكام عند نزولها بهم، وحدوثها٦ فيهم، وردها إلى معاني الأصول التي وقفهم عليها، ونبههم بالإشارة على ما فيها، فكان منهم - رحمة الله عليهم - في ذلك ما نقل إلينا من طريق الاجتهاد التي اتفقوا عليها، والطرق التي اختلفوا فيها٧.
ولم يقلد بعضهم بعضًا فيما صاروا إليه من جميع ذلك، لما كلفوه من الاجتهاد وأمروا به٨.
_________
١ في الأصل، و(ع): "حدثهم" ولعل الصواب ما أثبته.
٢ ساقطة من (ت) .
٣ هذا أمر مقطوع به عن الصحابة ﵃ والأقوال عنهم في ذلك ثابتة ومتوافرة، وقد جمع بعضها ابن أبي عاصم في كتابه السنة، والبخاري في الصحيح، والذهبي في كتابه العلو، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية،
وسيأتي ذكر ما أجمع عليه السلف في أصول الدين فيما بعد إن شاء الله تعالى.
٤ في الأصل، و(ت): "عليه"، وما أثبته من نسخة ابن تيمية.
٥ في (ت): "كلفوا".
٦ في الأصل: "وحدثوها"، والتصحيح من (ت) ونسخة ابن تيمية.
٧ الاجتهاد: عبارة عن بذل المجهود، واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال. (انظر: المستصفى للغزالي ٢/٣٥٢) .
ويعرفه الدكتور محمد مدكور بقوله: "هو بذل الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها بالنظر المؤدي إليها". (انظر: كتابه أصول الفقه الإسلامي ص٣٤٣) .
أما مجال الاجتهاد فهو في الأحكام الشرعية التي لم يرد بشأنها نص قطعي أو إجماع، فالعقائد وغيرها من الأحكام المنصوص عليها لا مجال فيها لرأي أو اجتهاد، فإن الحق فيها واحد، والمصيب واحد، والمخطئ آثم معاقب. وهذا معنى كلام الأشعري أعلاه، بل إنه ينص على أنه ينبغي على المجتهد أن يرد الأحكام الجديدة التي تنزل به إلى أصولها في الشريعة الإسلامية، ولا يحكم عليها برأيه، أو هواه، وهذا ما قرره علماء الأصول.
ويقول الدكتور محمد مدكور: "ينبغي للمجتهد أن ينظر أولًا في النصوص من كتاب الله وسنة رسوله، فإن لم يجد في نصوصهما حكم مسألته، أخذ بالظواهر منهما، وما يستفاد من منطوقهما ومفهومهما، فإن لم يجد نظر في أفعال النبي ﷺ وتقريراته لبعض أفراد أمته، ثم في الإجماع، ثم في القياس على ما يقتضيه اجتهاده من العمل بمسالك العلة ملاحظًا القواعد الكلية. والاجتهاد بالرأي لا يكون صحيحًا إلا إذا كان منضبطًا بعدم مخالفته للنص". (المرجع السابق ص٣٤٨) .
٨ التقليد: هو أخذ قول الغير بغير حجة شرعية كأخذ العامي عن عامي مثله وأخذ المجتهد عن مجتهد مثله دون نظر في الدليل، وهذا هو الذي لم يقع في الصحابة كما ذكر الأشعري، فلم يقلد بعضهم بعضًا في مسائل الاجتهاد، بخلاف العامة فإنهم يقلدون المجتهدين، وقد ذكر القرافي أن مذهب مالك وجمهور العلماء إبطال التقليد، واستثنى مالك من ذلك مسائل منها: تقليد العوام المجتهدين في الأحكام. (انظر: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول ص ٤٣٠) .
وقال ابن تيمية: "... وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور". (انظر: مجموع الفتاوى ١٩/٢٦٢) .
ويفهم مما ذكر أن أخذ قول الغير بدليل شرعي ليس من باب التقليد ولذلك قال صاحب فواتح الرحموت بعد تعريفه للتقليد: "... فالرجوع إلى النبي- ﵊ أو إلى الإجماع ليس منه، فإنه رجوع إلى الدليل، وكذا رجوع العامي إلى المفتي، والقاضي إلى العدول ليس هذا الرجوع نفسه تقليدًا". (انظر: فواتح الرحموت بشرح مُسَلَّم الثبوت في أصول الفقه بذيل المستصفى ٢/٤٠٠) .
وأحب أن أؤكد على أنه لا يجوز للعامي أن يتخذ آراء الرجال دينًا ومذهبًا، ولكن يجب عليه إذا نزلت به النازلة أن يذهب إلى عالم بالكتاب والسنة فيسأله عن حكم الله تعالى ورسوله في هذه النازلة.
ولقد فصل القول في هذه المسألة الفلاتي (ت/ ١٢١٨هـ) في كتابه إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار.
1 / 102