المبحث الثاني الناحية الاجتماعية
لا شك أن ضعف الناحية السياسية، وضعف سيطرة السلطة الحاكمة - كما رأينا - سيؤثر تأثيرًا مباشرًا على الناحية الاجتماعية لما بينهما من ارتباط وثيق، فالتمزق الذي ظهر في الدولة والحروب التي وقعت فيها أنهكت البلاد والعباد، وظهر نتيجة لذلك الفقر والضيق وانتشر المرض والفزع والرعب وعدم الاستقرار، كما جاء ذلك في كتب التاريخ.
فمثلًا في العام الذي ولد فيه الأشعري (٢٦٠هـ) يحدثنا ابن كثير فيقول: "وقع غلاء شديد ببلاد الإسلام كلها حتى أجلي أكثر أهل البلدان منها إلى غيرها، ولم يبق بمكة أحد من المجاورين حتى ارتحلوا إلى المدينة وغيرها من البلاد، وخرج نائب مكة منها، وبلغ كر١ الشعير ببغداد مائة وعشرين دينارًا"٢.
وفي العام الذي توفي فيه الأشعري (٣٢٤هـ) اشتد الجوع وكثر الموت لدرجة أنه مات بأصبهان وحدها نحو مائتي ألف٣، وكما كان الفقر شائعًا وظاهرًا، كانت الأمراض كذلك.
وهكذا كان الأمر لحال الناس الأمنية، فقد أصاب الناس الفزع والرعب لكثرة الحوادث والحروب ولضيق الحال المادية، ولم يعد أحد يأمن على نفسه وماله وأهله من عبث المجرمين الفاسدين الذين كانوا ينهبون المال والنساء والبيوت٤.
_________
١ الكر عند أهل العراق: ستون قفيزًا وهو يساوي اثني عشر وسقًا كل وسق ستون صاعًا. وعند أهل مصر أربعون أردبًا. (انظر: لسان العرب ٥/١٣٧) .
٢ انظر: البداية والنهاية ١١/٣١، وشذرات الذهب ٢/١٤٠.
٣ انظر: شذرات الذهب ٢/٣٠٠.
٤ انظر: البداية والنهاية ١١/٨٣، وشذرات الذهب ٢/١٩٠.
1 / 13