بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي أنار درب المتقين، وهدانا إلى سواء السبيل؛ {يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي}.
Bogga 1
وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين، أخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور اليقين، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه الحافظين للحق، السالكين نهجه إلى يوم الدين.
كثيرا ما يقف الطالب حائرا في اختيار بحث، يفيد به الآخرين، ويحيي به تراث الأولين؛ مترددا أياما وشهورا، في ضبط موضوع البحث وعنوانه لأسباب وعوامل عدة:
إما أن اختصاصه لا يتيح له سعة الاختيار، لأن علماء ذلك الفن قد ملؤوا بطون الكتب بما فيه الغنية. أو أن النفس لا تطمئن إلى بحث بعينه، خوفا من ندرة المراجع، أو سعة الموضوع... وهناك أسباب كثيرة تشابهها.
لكن إذا وجد الطالب مشرفا مقتدرا في معرفة ميوله واكتشاف قدراته، فإنهما يوفقان جميعا في بلوغ الهدف، ولقد اخترت وخيرت في مواضيع عدة، فوقعت عيني واطمأن قلبي ونشط عقلي في تحقيق رسالة طال عهدها، وصفا نبعها، تمتاز بقيمتها التاريخية، ومنحاها الشرعي.
دوافع وأسباب اختيار الموضوع
مما دفع بي إلى اختيار هذا المخطوط ما يلي:
كثيرا ما كنت أقرأ وأسمع أن للإباضية تراثا ضخما وتآليف كثيرة، تفوق تآليف المذاهب الأخرى بالنسبة لعددهم؛ فبدأت أتطلع إلى ذلك من خلال الفهارس والمكتبات المتوفرة هنا وهناك، وأخيرا توصلت إلى أن المكتبة الإباضية من أزخر المكتبات، وأغزرها مادة، لكن - وللأسف الشديد - لم تجد من يتناولها بعناية الحفظ، ولا بعناية التحقيق الجاد، إلى أن قيض الله لها شابا طموحا من أكبر رواد التحقيق العلمي المنهجي في التراث الإباضي المعاصر، ألا وهو الدكتور: عمرو خليفة النامي.
ولقد قطع شوطا كبيرا في التحقيق، وكان ضمن رسالته للدكتوراه في جامعة كمبريدج تحقيق ثلاثة نصوص من أهم نتاج التراث الإباضي:
1- جزء من قواعد الإسلام للجيطالي: كتاب الولاية والبراءة.
2- كتاب أصول الدين لتبغورين بن داود بن عيسى الملشوطي.
Bogga 2
3- أجوبة ابن خلفون في الفقه المقارن.
وواصل على ذلك النهج إلى أن فقدته الأمة الإسلامية، إذ غاب عن الأسماع سنة 1986م، فتأثرت به الأثر البليغ، ودعوت الله أن يوفقني لأنهج نهجه السديد.
ولقد تناول تحقيق التراث الإباضي من غير الإباضية كثير، لكن ما يلاحظ عليهم - غالبا - حمل أفكار مسبقة، لا تخلو من النزعة الانتمائية، مما ينقص من نزاهة تلك التحقيقات، لذلك قال الحكماء:
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك
فكان لزاما على الإباضية اليوم - وعلى غيرهم - أن يحققوا تراثهم بأنفسهم حتى يرفعوا اللوم عن غيرهم؛ وأرى ضرورة توجه طلبة المعاهد والجامعات إلى هذا المنحا لإحياء تراث الأولين جهابذة العقول، مع دراسة جدية تعضدها.
ومن الأسباب التي دفعت بي إلى اختيار هذا المخطوط:
أولا: أسفي على بعض المخطوطات التي تطبع اليوم دون مراجعة ولا تحقيق، وما يكثر فيها من أخطاء، ويعتريها من غموض يفسد من قيمتها العلمية والتاريخية.
ثانيا: قدم الرسالة، وأهميتها التاريخية، إذ تعتبر كنزا مفقودا من العهد الأول، حيث يرجع تاريخها إلى الرعيل الأول من أيمة المذهب المجتهدين.
ثالثا: أهميتها في إبراز جهود العلماء في إحياء السنة، روايتها، والتشدد في الحق ضد كل من خرج عن ظاهر النص القطعي، إلى استعمال القياس دون دليل، حتى ولو كان من مذهبهم.
رابعا: اختفاء نص الرسالة - مع أهميتها - من كتب السير والروايات، ما عدا الشماخي الذي أورد جزءا منها مبثورا.
خامسا: قيمة الوثيقة من حيث تحديدها للعلاقة بين إباضية المشرق وإباضية المغرب، وضبطها لأماكن تمركز بعض الأعلام والحركات، والتحقيق في أسمائهم وفي فترة حياتهم، مما قد نفقده في كتب التراجم والسير.
نبذة عن تاريخ المذهب:
Bogga 3
ولقد كنت آمل أن أكتب مقدمة ضافية في التعريف بالمذهب ونشأته وتطوره وعن وأيمته وأعلامه، والأماكن التي تمركزوا فيها، لكون الوثيقة التي بين أيدينا لا يمكن أن تفهم إلا على ضوء ظروف نشأة المذهب، ومعرفة أعلامه الأوائل معرفة متمكنة. لكن وفرة المصادر في هذا الموضوع، وضيق الوقت في إعداد النص، ألزمني العدول عن ذلك إلى الإحالة إلى أهم المصادر التي بسطت القول فيه. ومن بينها (¬1) :
1. علي يحي معمر: نشأة المذهب الإباضي، الحلقة الأولى، (مط .).
2. عوض خلفات: نشأة الحركة الإباضية، (مط.).
3. عمرو خليفة النامي: دراسات إباضية، رسالة دكتوراه، بالإنجليزية، (مرقونة).
4. مهدي طالب هاشم: الحركة الإباضية في المشرق العربي: نشأتها وتطورها إلى نهاية ق3 ه.، رسالة ماجستير، (مط.).
5. محمد رجب عبد الحليم: الإباضية في مصر والمغرب وعلاقتهم بإباضية عمان والبصرة، (مط.).
المصادر المعتمدة في ضبط النص
1. الدرجيني، أبو العباس أحمد بن سعيد (ت: 620ه): طبقات المشايخ في المغرب. وهو من أمتع ما ألف في السير، و أهم مصدر اعتمدته في مقارنة الحوادث، ومعرفة تراجم أصحابها.
وتكاد لا تخلو صفحة - من هذه الرسالة - من الإحالة إليه.
غير أنه لم ينقل نص الرسالة، ولا جزءا منها، مكتفيا بذكر نسبتها إلى الربيع.
2. جماعة من العلماء (ق 6ه): السير والجوابات. اعتمدناه كثيرا في نسبة المذهب، وتحديد مفهوم بعض المصطلحات في ذلك الوقت، خاصة ما يتعلق منها بأسماء الحركات والفرق، ورجعنا إليه - كذلك - في المسائل التي تناولتها رسالتنا هذه.
3. الشماخي، أبو العباس أحمد (ق10ه): كتاب السير. وهو أهم مصدر اعتمدناه، إذ انفرد بإيراد جزء من الرسالة، وقال: «ولقد عثرت على نسخة منها من جملة ما يتضمنه...: [النص]».
¬__________
(¬1) - وانظر فهرس المصادر في آخر هذه الرسالة. وفهرس مصادر معجم أعلام الإباضية إنجاز جمعية التراث.
Bogga 4
واعتدنا كتاب السير كذلك في توضيح بعض الأفكار التي تضمنتها الرسالة، وتصحيح بعض الأخطاء، وملء بعض الفراغات ومواطن الشطب...
4. أبو عمار، عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتي الوارجلاني (ت: 570ه): كتاب الموجز - في العقيدة وعلم الكلام -. اعتمدته كثيرا في تحليل المسائل الاعتقادية التي وردت في نص الرسالة، وقد فصل القول في مسألتي: المشبهة، والمرأة المأتية دون فرجها.
5. ابن الصغير المالكي (ت: 281ه): أخبار الأيمة الرستميين. اعتمدته في معرفة أخبار الدولة الرستمية، ومقارنتها بما ورد في الوثيقة.
هذه أهم المراجع المعتمدة، ورجعت إلى غيرها في تراجم الأعلام، وفي الإحالة إلى بعض المعلومات، وهي في مجملها مما غلب على ظني علاقتها بالموضوع، وقد يوجد غيرها مما لم أتمكن من الوصول إليه، خاصة من مؤلفات المشارقة.
إضافة إلى مصادر السنة النبوية والفقه التي ساعدتني في تخريج الأحاديث، والتحقيق في أحكام بعض المسائل.
نسبة الرسالة في المصادر ولمن أرسلت:
لم يرد ذكر هذه الرسالة في غير المصادر الإباضية، وفي كل هذه المصادر اتفاق على ورودها - فقط - في خلاف يزيد بن فندين للإمام عبد الوهاب، ولم يشر إليها أي منها في خلاف أصحاب الربيع بن حبيب، ولا أدري كيف غفل الشماخي عن الإشارة إليها - رغم تصريحه بالعثور على نسخة منها - في هذا الخلاف.
ويحتمل له سببان: إما أنه لم يعثر إلا على جزء المغرب، أو أنه تغاضى عن ذكرها لكون أصحابها خالفوا في مسائل اجتهادية فقط، ولم يخرجوا بها من المذهب.
المصادر تشير إلى الرسالة بعد ذكر خلاف ابن فندين، وذهاب الرسولان إلى مكة، مع إخبار شعيب بما وقع، وخروجه إلى تيهرت طمعا في الإمامة، ومساندة النكار في تمردهم.
Bogga 5
ولما وصل الرسولان إلى مكة وجدا فيها الربيع بن حبيب - كما تذكر المصادر - وجماعة من أصحابنا منهم مخلد بن العمرد - كما ذكر أبو زكرياء -، وزاد الشماخي وائل بن أيوب الحضرمي وغيره من المشايخ، فأخبرهم الرسولان فيما قدما فيه، من إرسال أصحابهم، في أمر ابن فندين، فدفعا إليهم كتبهم، فقرؤوها وفهموا ما فيها؛ ثم اجتمعوا ليجيبوهم عنها، واجتهدوا في النظر لله ولدينه ولأهل دينه، ولم يألوا جهدا في النصح. فكتبوا إليهم:
«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا إخواننا، قد بلغنا ما كان من قبلكم، وفهمنا ما كتبتمونا من أمر الشرط في الإمامة، ألا يقضى أمر دون جماعة معلومة، فالإمامة صحيحة، والشرط باطل...» (¬1) .
قال الشماخي وتبعه الباروني: «كتبها مخلد وألقاها إلى عبد الرحمن بن محمد بن مسلمة، وأمره بنسخها، لتكون حجة للمسلمين بعدهم في مثل هذه الحادثة». وانفرد الشماخي بقوله: «من جملة ما يتضمنه:...» ثم نقله لجزء من الرسالة نقلا حرفيا في خلاف المغرب. وقد أشرت إلى ذلك الجزء في الهامش.
وبهذا العرض يظهر أن كتاب السير الأوائل - كأبي زكرياء والدرجيني - أشاروا إلى رسالة خلاف المغرب الأولى، ونقلوها بنصها، ولم يهتدوا إلى هذه الرسالة الثانية. لأسباب هي - في نظرنا -:
إما أنهم لم يسمعوا عنها، أو سمعوا عنها ولم يجدوا إلا نص رسالة المغرب فتوهموا أنها هي نفسها، والأرجح أنهم لم يسمعوا بها ولا بخلاف تلامذة أبي عبيدة في هذه المسائل.
¬__________
(¬1) - أبو زكرياء: سير الأيمة، ص91-92 ... *الدرجيني: طبقات المشايخ، ج1/ص49-50
*الشماخي: كتاب السير، ج1/ص131 *الباروني: الأزهار الرياضية، ج2/ص157-158.
... ... ... مع اختلافات طفيفة فيما بينها.
Bogga 6
وأما الشماخي فيذكر شيئا جديدا لم يذكره غيره من كتاب السير، إلا أبا عمار في موجزه، وهو خلاف التلامذة الأربعة لشيخهم - في المسائل الثلاث المذكورة في الرسالة -، وهم: عبد الله بن عبد العزيز، وأبو المؤرج، وشعيب بن المعروف، وسهل بن صالح. غير أنه لم يشر إلى هذه الرسالة أصلا.
عنوان الرسالة:
لا نجد عنوانا لهذه الرسالة، عند الشماخي في إحالته إليها، ولا نجده كذلك في استهلال هذه المخطوطة، ولا في آخرها.
واخترنا لها عنوان: «الرسالة الحجة»، للعبارة الواردة في مقدمتها إذ يقول: «... لتكون حجة للمسلمين بعدهم وليفتدوا بها...» (¬1) .
مؤلفوا الرسالة وناسخها:
نستخرج من نص الرسالة الحجة، ومن المصادر المعتمدة في ضبط النص، أن مؤلفوا الرسالة: الربيع بن حبيب، ووائل بن أيوب، ومخلد بن العمرد (¬2) .
أما ناسخها فهو عبد الرحمن بن محمد بن مسلمة، لصريح عبارة الرسالة: «...جاء بها مخلد بن العمرد إلى عبد الرحمن بن محمد بن مسلمة، ودفعها إليه، وأمره بنسخها، لتكون حجة للمسلمين» (¬3) .
فحوى الرسالة
يتبين من مقدمة الرسالة ونصها ما يلي:
1. أنها كتبت بمكة، مما يدل على اجتماع الأيمة في مسائل معينة، ويعتبر الحكم الصادر عنهم إجماعا لأهل المذهب: المشارقة والمغاربة.
2. اعتبار الرسالة حجة للمسلمين، ليتعرفوا على فتيا الأيمة الأوائل في تلك المسائل، وفي حكم من خرج على إمامه دون علة أو سبب.
3. استهلت الرسالة بالعصمة من الشبهة، والتزام التقوى.
4. ثم سرد المنطق الذي تكلم به شعيب وأصحابه، في عهد أبي عبيدة، ثم في عهد الربيع.
5. الإجماع في الرد على هذه البدع، والبراءة ممن يقول بها.
¬__________
(¬1) - انظر متن الرسالة، ص3.
(¬2) - انظر ملحق 1: التراجم، ص29. للتوسع في معرفة رجال هذه الرسالة
(¬3) - متن الرسالة، ص3.
Bogga 7
6. المسألة الأولى: الرد على من يرى الجمعة وراء أيمة المخالفين للمذهب. مع بيان فرضيتها وسرد أحكامها، وما مضى عليه المسلمون في ذلك، بلا اختلاف ولا منازعة.
7. المسألة الثانية: الرد على من لا يرى تكفير المرأة الموطوءة ما دون فرجها، إذا كانت طائعة غير مكرهة.
8. المسألة الثالثة: الرد على الذين يحكمون بشرك المتأولين لآيات التشبيه من أهل القبلة، من فرق الخوارج وغيرها.
9. هروب شعيب من البصرة إلى أهله بمصر، ثم انتقاله إلى تيهرت لمؤازرة يزيد بن فندين في ثورة النكار، ثم هروبه إلى طرابلس بعد مقتل صاحبه.
10. إصرار شعيب على إظهار بدعه في طرابلس، وإنكار إمامة عبد الوهاب.
11. ملخص المسائل الثلاث الوارد ذكرها من قبل.
12. النهي عن التكلف فيما لا يعني، والافتنان بين المسلمين.
13. خاتمة ووصية ودعاء.
وصف المخطوط
اعتمدت في تحقيق نص الرسالة على نسخة يتيمة، كاملة بحيازة حفذة الشيخ عمي سعيد بغرداية، اكتشفتها جمعية التراث في إطار إعدادها لدليل مخطوطات وادي ميزاب.
وقد حاولت جاهدا أن أحصل على نسخة ثانية، فلم أوفق، إذ راسلت طلبة سلطنة عمان، وراسلت الباحثين في تونس، ونقبت في فهارس مكتبات وادي ميزاب ووارجلان دون طائل، ولعل المستقبل يكشف عن نسخة أخرى تكون سندا لهذه.
ففي فهرس مخطوطات مكتبة الشيخ عمي سعيد (المطبوع تحت رقم 2) صنفت الرسالة في باب التاريخ، تحت رقم 028 في الفهرس، ورقم 5/خ1 في خزانة عمي سعيد.
والرسالة ليست مستقلة، بل توجد في حاشية قناطر الخيرات، ضمن مجموع به عنوانان - الإضافة إلى الرسالة الحجة، والقناطر (باب الزكاة منه) - هما رسالة أبي الحصين، وكتاب أصول الأرضين لأبي العباس أحمد (باب حريم الأرض).
الوصف الخارجي والداخلي للمخطوط:
Bogga 8
الحجم: 4 ق، في 8 ص. ست منها (من 22و. إلى 25 ظ.) مكتوبة في حاشية وهامش كتاب القناطر. وفي 25و. النص مستقل بصفحة كاملة، وفي 25ظ. تنتهي الرسالة ب3 أسطر.
المقاس: 201×150 مم.
المجموع: الرسالة ضمن مجموع به 107ق من 22و. إلى 25ظ.
الورق: متآكل ببعض الجوانب، وبه علامات مائية كثيرة. وانظر شكلها في الصورة طبق الأصل.
المسطرة: ... في الهوامش والحواشي: بين 4 و 6 أسطر.
... ... ... في 25و.: 35 سطرا.
... ... ... في 25ظ: 3 أسطر.
الخط: مغربي مقروء وواضح، يتميز عن الخط العادي، وأحيانا يقع تشابه بين بعض الحروف كالراء والدال.
المداد والأقلام: بني في كامل الرسالة، وبقلم واحد رقيق، إلا في بعض العناوين أو بعض الكلمات المهمة، التي يريد الناسخ إظهارها فيزيد سمكها بضعف الأولى.
وصف النص: سبب حال الورق في طمس بعض الكلمات وامحائها، وبه بياضان الأول قدر كلمة، والثاني قدر ست كلمات.
وأحيانا يكتب الناسخ تحت كلمتين متتابعتين بينهما تأخير وتقديم: تحت الأولى: "مؤخر"، وتحت الثانية: "مقدم".
وأحيانا يكتب وسط المتن عبارة: «أظنه...». إذا شك في كلمة، مما يدل على أمانة الناسخ في نقل النص، ويعطي للوثيقة قيمة علمية.
وتوجد كلمات منقطعة بين آخر السطر وأول السطر الذي يليه.
وبين الصفحات يستعمل الناسخ التعقيبات.
الأخطاء: لغة الرسالة في أغلبها سليمة، إلا بعض ما قد يعتبر خطأ، بالنظر إلى الرسم الإملائي في عصرنا، وقد أشرنا إليها في الهامش، مثل: "تقوا" و "أرا" "عوض "تقوى" و"أرى"...
الناسخ: أخذ اسم الناسخ من مقارنة خط هذا المجموع بخط مخطوطات أخرى في نفس الخزانة، ذكر فيها اسمه كاملا، وكذلك أخذ من جلد غزال يحوي قائمة بمخطوطات ترجع إلى الشيخ عمي سعيد الجربي - أي الناسخ -. (¬1) .
¬__________
(¬1) - انظر: ملحق رقم 1، فهرس مكتبة عمي سعيد، جمعية التراث. ص38.
Bogga 9
وهذا الناسخ: هو الشيخ سعيد بن علي بن حميدة بن عبد الرزاق بن سعيد الخيري الجربي، المشهور بعمي سعيد، أبو عثمان (و: 836-ت:927ه). وهو من العلماء الأعلام، استقدمه أهل ميزاب من تونس، فكان شيخا لغرداية في زمانه.
وله مناقب وأعمال كثيرة وجليلة (¬1) . مما يضفي على الوثيقة المنسوخة قيمة علمية.
تاريخ النسخ: أخذ من 71ظ. من هذا المجموع.
النسخة الثانية: اعتبرنا نص كتاب السير نسخة ثانية، ورمزنا إليه ب"الشماخي"، نسبة إلى مؤلف الكتاب، وهي في ج1 من ص134 إلى 136ص، الطبعة العمانية. ويلاحظ فيها بعض الأخطاء، والقليل من الزيادات والاختلافات - كالتقديم والتأخير - التي أثبتناها في هامش الرسالة.
منهج التحقيق:
اقتصر عملي في هذه الرسالة على:
1. محاولة ضبط النص، وتصحيح الأخطاء النحوية والإملائية.
2. مراجعة مادتها ونصوصها من مصادرها الأصلية.
3. إضافة معلومات توضح الفهم، وتقرب الفكرة، وتبين الغموض. باعتماد تلك المصادر.
4. إثبات ما أضيف من الشماخي برمز: + . ووضعه بين معقوفتين [....]. وكذلك ما أضفناه نحن ليستقيم المعنى. مع الإشارة في الهامش.
5. إضافة عناوين للفقرات، حتى يسهل التعامل مع النص، بين معقوفتين بخط متميز: [.....].
6. تعريف بعض المصطلحات المعتمدة في التراث الإسلامي عامة، أو الإباضي خاصة.
7. تعريف بعض الفرق ونسبتها إلى منشئيها.
8. شرح الغامض من الكلمات.
9. التوسع في حكم بعض المسائل الفقهية.
10. تخريج الآيات القرآنية، مع إتمام الآية إن كتب في الأصل: {...} الآية.
11. تخريج الأحاديث النبوية من مصادرها أو عزوها إلى مراجعها.
12. وضع مقدمة تقرب النص إلى القارئ، معتمدا على ما توصلت إليه من نتائج بعد التحليل والتحقيق.
¬__________
(¬1) - انظر: جمعية التراث: معجم الأعلام، ج3/ص365...، تر. 452.
Bogga 10
13. الملحق الأول: يحوي تراجم للرجال المذكورين في متنها، لكون أغلبهم ممن يصعب العثور على ترجمة له.وقد استعنت بالرسالة نفسها في استنتاج بعض المعلومات الهامة عنهم، مثل ضبط أسمائهم، أو تحديد تواريخ وفياتهم...
14. أما الملحق الثاني: فاشتمل على محاولة بيبليوغرافية لآثار الربيع بن حبيب. ذلك أن هذه الرسالة تضاف إلى مؤلفات الربيع المجهولة، على أمل اكتشاف مجاهيل أخرى.
الصعوبات
لاقيت من الصعوبات الكثير، مما جعل العمل مضن ومشوق في آن واحد، أبرزها ضيق وقت البحث، مع تراكم الدروس في سنة التخرج.
ومنها جدة مجال التحقيق بالنسبة إلي، وكذا نقص المصادر وصعوبة الوصول إلى بعض مما توفر منها.
الخاتمة
وأخيرا أشعر أن عملي هذا لا يخلو من النقص والتقصير، وذلك شأن الإنسان إلا من عصمه الله، ولكم اغتبطت لتذوقي معنى التحقيق وحلاوته، والاستمتاع بالرجوع إلى المصادر وتحقيق المسائل، مما جعلني أرتاح له، آملا أن أتخصص مستقبلا في التحقيق، وأخدم به التراث الإسلامي عامة، داعيا المولى جل وعلا أن يغفر لي زلاتي - فيه - وياجرني على سعيي واجتهادي، إنه سميع قريب مجيب.
بابزيز سليمان بن الحاج إبراهيم
القرارة : يوم 8 محرم 1417ه / 26 ماي 1996م
وصف المخطوط
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
رسالة الربيع بن حبيب (¬1) ، ومخلد بن العمرد (¬2) ،
¬__________
(¬1) - هو أبو عمرو الربيع بن حبيب الفراهيدي () (راجع: ملحق 1)
(¬2) - هو أبو غسان مخلد بن العمرد الغساني () (راجع: ملحق 1)، ورد ذكره عند الدرجيني بتقديم الميم على العين: المعرد، وتبعه صاحب الطلقات، وهو خطأ، والصواب ما ذكر في الرسالة وعند أبي زكرياء والشماخي.
... ... *الدرجيني: طبقات المشايخ، ج1/ص7،49؛ ج2/290. *السيابي:طلقات المعهد الرياضي: <.
Bogga 11
ووائل (¬1) ، وجماعة المسلمين (¬2)
¬__________
(¬1) - هو أبو أيوب وائل بن أيوب الحضرمي () (راجع: ملحق 1).
(¬2) - مصطلح "المسلمين" كانت تطلق في العهد الأول على كل من اتبع الدعوة المحمدية، إلى أن وقع الخلاف بين الإمام علي ومعاوية في قضية الإمامة، فانعزلت طائفة لم ترض بالتحكيم، فسموا ب"المحكمة" لسلوكهم مسلك أهل النهروان في السياسة والاجتماع، لكنهم اختاروا لأنفسهم اسم "الحرورية" أو "الشراة"، وساهم مخالفوهم ب"القعدة" أو "الخوارج"؛ ثم رضوا بلفظ "الخوارج" بمعنى: الخروج على الظلم، والخروج في سبيل الله. إلى أن افترقوا إلى إباضية وإلى أزارقة ونجدية، ورفض الإباضية النسبة إلى "الخوارج" لما لحقها من شبه، فاختاروا "جماعة المسلمين" أو "أهل الدعوة والاستقامة" أو "أهل الحق" اسما لهم وتبينا عن فرق "الخوارج" الغلاة، فخصوا به دون غيرهم. وأطلقوا اسم "الموحدين" أو "أهل القبلة" أو "المخالفين" على غيرهم. ودأب الأمويون على تسمية "جماعة المسلمين" ب"الإباضية" نسبة إلى أحد دعاتهم البارزين عبد الله بن إباض. يقول السالمي في ذلك:
... ... ... ... وإن المخالفين قد سمونا ... بذاك غير أننا رضينا
... ... ... ... وأصله أن فتى إباض ... كان محاميا لنا وماض
... وأقدم وثيقة مغربية يذكر فيها مصطلح "الإباضية" هي الدينونة الصافية لعمروس بن فتح (ت: 283ه/896م).
... انظر: *ابن سلام: الإسلام وتاريخه، كله *جماعة من العلماء: السير والجوابات، ج2/ص310 *عمروس بن فتح: الدينونة الصافية، ص83. *علي يحي معمر: الإباضية في موكب التاريخ، ح1/ فصل الخوارج كله *جودت عبد الكريم: العلاقات الخارجية للدولة الرستمية، ص40، 41 *رجب عبد الحليم: الإباضية في مصر والمغرب، ص12-14.
Bogga 12
رحمهم الله، كتبوها بمكة (¬1) ، في أمر الفرقة التي كانت بالمشرق والمغرب(5) مكرر، جاء بها مخلد بن العمرد إلى عبد الرحمن بن محمد بن مسلمة (¬2) ، ودفعها إليه، وأمره بنسخها لتكون حجة للمسلمين بعدهم، وليقتدوا بها، ولا يكونوا في شبهة من خلاف من خالف المسلمين (¬3) .
[الديباجة]
أما بعد، عصمنا الله وإياكم من كل شبهة تورث أهلها النار؛ عصمنا الله وإياكم بالتقوى (¬4) ، ولزوم أخلاق أهلها، حتى يبلغ بنا وبكم أفضل منازل المتقين برحمته.
[كلام أصحاب شعيب في المسائل الثلاث]
وقد بلغنا أنه ألقي إلى قبلهم (¬5) منطق (¬6) ليس من كلام المسلمين، ولا مما ينفع به أحدا منهم؛ وإنا نعلمكم بذلك - إن شاء الله -:
¬__________
(¬1) - لمعرفة جغرافية المذهب الإباضي وانتشاره في المشرق والمغرب، انظر: مقدمة هذا البحث.
(¬2) - هو أبو محمد عبد الرحمن محمد بن مسلمة المدني () (راجع ملحق 1).
(¬3) - الخلاف في المسائل التي سيأتي بيانها في متن الرسالة.
(¬4) - في الأصل: "التقوا"، وهو خطأ.
(¬5) - يقال: أصابني الأمر من قبله، أي من تلقائه؛ ليس من تلقاء الملاقاة، ويقال: لي قبل فلان حق، أي عنده. ... ... ابن منظور: لسان العرب، ج11/542
(¬6) - المنطق في اللغة بمعنى الكلام، وعند الفلاسفة: علم يعصم الذهن من الخطأ في التفكير. وهذا الكلام الذي تكلموا فيه هو المسائل الثلاثة الآتي ذكرها.
... ... ... انظر: *الشماخي: كتاب السير، ج1/ص97.
Bogga 13
إن شبابا من شباب المسلمين سمعوه من [عامة] (¬1) المسلمين، فنطقوا به، وأقبل بعضهم يسأل عنه بعضا، حتى بلغ (¬2) ذلك إلى أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة (¬3) - رحمة الله عليه - بعض فتيان (¬4) المسلمين، /22ظ./ فاستفتاه عنه، فغضب عليه غضبا شديدا، ولا نظنه إلا أنه قد برئ منه، وقال له: «ليس هذا من كلام المسلمين، ولا أهل الدين والورع؛ هذا من كلام الشياطين». وأخرجه من منزله، وطرده (¬5) .
[استغاثة سهل بن صالح بحاجب الطائي]
فخرج من عنده، فاستغاث بحاجب (¬6) - رحمه الله -، فقال (¬7) له: «إني دخلت على أبي عبيدة، فسألته واستفتيته عن أمر تنازع فيه أهل قبلتنا ممن يفارقنا (¬8) ،
¬__________
(¬1) - طمس قدر كلمة، لعله: عامة.
(¬2) - يقال: بلغه الأمر إذا أوصله إليه، وبلغ عنه الرسالة إلى القوم: أوصلها إليهم، ومنه حديث: «بلغوا عني ولو آية».
(¬3) - هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي (ت ~ 145ه/) (انظر ملحق 1).
(¬4) - هم الفتيان الأربعة الذين خالفوا شيخهم: شعيب بن المعرف، وأبو المؤرج، وعبد الله بن عبد العزيز، وسهل بن صالح..
(¬5) - هذا يدل على شدة أبي عبيدة في الحق، ورد كل من أراد أن يحدث بدعة في الدين، أو أراد شق عصا المسلمين، أو إبداء رأي يعارض معلوما من الدين بالضرورة.
... ... ... انظر: *الراشدي: أبو عبيدة مسلم وفقهه، مبحث شدته في الحق، ص44.
(¬6) - هو أبو مودود حاجب بن مودود الطائي (ت قبيل 145ه) (انظر ملحق 1).
(¬7) - أي المستغيث بحاجب، وهو سهل بن صالح.
(¬8) - أهل القبلة: هم غير الإباضية. والمقصود هنا الخوارج الغلاة.
... والعبارة تحمل دلالة تاريخية على تباين آراء ومواقف الإباضية والخوارج في عهد النشأة، وقبل وفاة المؤسسين، خلافا لما يدعيه بعض المؤرخين.
Bogga 14
وسألونا، فأحببت أن أسأل (¬1) عنه المسلمين، وأعرف قولهم فيه. فظن أبو عبيدة أن ذلك الكلام قد رضيت به وأراه عدلا، فغضب علي وشتمني (¬2) وطردني، وإنما كنت سائلا متفقها، ولم أشعر أن المسلمين يكرهون المنطق فيه والمراجعة. فأدركني يا أبا مودود (¬3) ».
فأرسل حاجب الربيع بن حبيب فقال: «قل له: إن سهل بن صالح (¬4) أتاني يبكي، ويذكر أنك سخطت عليه وطردته، في كلام سألك عنه، وأنه أخبرني أنه ليس مما يرضى (¬5) به، وإنما جاء سائلا متفقها، وأنه ليس بالذي يعود إلى ذكر شيء منه، فاقبل منه رحمك الله» (¬6) .
فكف عنه، ولم يزل في ذلك حتى ذهبا جميعا، فسكت عن ذلك المنطق، وأميت ذكره، فلم يسمع أحد من المسلمين يذكره، حتى توفي أشياخ المسلمين (¬7) وذهبوا -عليهم السلام-.
[إظهار شعيب وصاحباه لبدعهم]
¬__________
(¬1) - في الأصل: "أسئل"، وهو خطأ.
(¬2) - الشتم هنا لا يعني به السب، وإنما يريد به التأنيب والزجر، فليس المسلم بسباب ولا لعان، وكيف ممن هو في مستوى أبي عبيدة من الورع والتقوى والعلم.
(¬3) - في الأصل: "يا با مودود"، والصواب ما أثبتنا.
(¬4) - هو سهل بن صالح (ط. الربيع) (انظر ملحق 1).
(¬5) - في الأصل : "يرضا"، وهو خطأ.
(¬6) - تشبه هذه الواقعة ما ذكره الدرجيني في طبقاته، إذ دخل على أبي عبيدة سهل وعبد الله بن رزيق، وجماعة من الفتيان، يسألونه في رجل بعزبة< دعا مجوسيا إلى الإسلام، فراددوه الكلام فطردهم، فأتوا حاجبا، فركب إليه وتابوا على يد الربيع وعبد السلام بن عبد القدوس.
... ... انظر: *الدرجيني: طبقات المشايخ، ج2/ص242 *الشماخي: كتاب السير، ج1/ص80، 97.
(¬7) - طبقة جابر بن زيد كضمام بن السائب، وأبو بلال مرداس بن حدير، وعبد الله بن إباض، وصحار العبدي، وأبو نوح صالح الدهان... وغيرهم. وأغلب طبقة أبي عبيدة.
Bogga 15
ثم بلغنا منذ نحو سنتين [ ] (¬1) عن شعيب بن المعرف (¬2) ، وأبي المؤرج (¬3) ، وعبد الله بن (¬4) عبد العزيز (¬5) ، أنهم يتكلمون به، ويخفونه فيما بينهم من المسلمين.
فنظر في ذلك الربيع بن حبيب، وغيره من [ ] (¬6) هم الصمت والرفق (¬7) بينهم، إذ لم يظهروه ويدعوا إليه المسلمين. فلم يزل ذلك أمر شعيب وصاحبيه، حتى توفي /23و./ عبد الله بن القاسم أبو عبيدة الصغير (¬8) ، والفضل بن جندب (¬9) ، وناس من أهل البصرة من أهل الفضل.
فلما رأى (¬10) شعيب وصاحباه ذلك، أظهروه ودعوا إليه أهل الضعف من الرجال والنساء، وكتبوا به الكتب إلى (¬11) كل من يرجون أن يتابعهم عليه؛ واستقبلوا به الربيع بن حبيب - رحمه الله - وخاصموه، فلما رأى(35) مكرر ذلك الربيع لم يسعه الصمت عنهم؛ ثم تكلم فذكر الذي مضى (¬12) عليه أوائل المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم.
[مسألة صلاة الجمعة]
ثم ذكر أن قوما - ممن يقر بالإسلام - يزعمون أن الفضل في ألا يجمع (¬13) المسلمون مع أيمة قومنا (¬14) ، لما أحدثوا.
¬__________
(¬1) - بياض قدر كلمة، لا أظنه شيئا.
(¬2) - هو أبو المعروف شعيب بن المعرف البصري (ط.الربيع بن حبيب) (مل 1 / تر 7) .
(¬3) - هو أبو المؤرج عمر بن محمد القدمي اليمني (ط. الربيع بن حبيب)
(¬4) - في الأصل: "بن بن" مكرر.
(¬5) - هو أبو سعيد عبد الله بن عبد العزيز البصري.
(¬6) - طمس قدر خمس كلمات، لم نتمكن من تحديدها.
(¬7) - كتب بخط رقيق تعليق تحت كلمة "الصمت": مؤخر، وتحت "الرفق": مقدم.
(¬8) - هو عبد الله بن القاسم البسيوي العماني، المعروف بأبي عبيدة الصغير.
(¬9) - هو الفضل بن جندب العماني.
(¬10) - في الأصل: "را"، والصواب ما أثبتنا.
(¬11) - في الأصل مسح "إل" وفي "ى".
(¬12) - في الأصل: "مضا"، وهو خطأ.
(¬13) -يقال جمع المسلم: أي شهد صلاة الجمعة.
(¬14) - المقصود هنا المخالفين من أئمة الجور، مثل خلفاء بني أمية، وبني العباس.
Bogga 16
واعلموا أن الجمعة فريضة من فرائض الله، واجبة على المسلمين في كتاب الله المنزل، حيث يقول: {يآأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله، وذروا البيع ذالكم خير لكم, إن كنتم تعلمون} (¬1) ، ففرض الله [ ] (¬2) الجمعة، وهي: ركعتان يعلن فيهما بالقراءة؛ وفي غير الجمعة أربع ركعات، لا يعلن فيهن بالقراءة.
وهي مفروضة على كل مسلم، مع كل مسلم وفاجر (¬3) ، إذا صلاه
ا لوقتها، وأتم ركوعها وسجودها.
مضى على ذلك المسلمون (¬4) ، ليس بينهم فيه اختلاف ولا منازعة.
[
¬__________
(¬1) - سورة الجمعة: 9.
(¬2) - كتب في مكان الفراغ كتابة عمودية: "ست أظنه".
(¬3) - إشارة إلى الحديث الذي رواه الربيع بن حبيب في باب الإمامة والخلافة في الصلاة، عن أبي عبيدة عن جابر عن ابن عباس، بلفظ: «الصلاة جائزة خلف كل بار وفاجر، ما لم يدخل فيها ما يفسدها».
... ... ... *الربيع بن حبيب: الجامع الصحيح،باب 35، رقم 208، ص56-57
... ورواه أبو داود، في كتاب الصلاة، باب إمامة البر والفاجر، بلفظ: «الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا، وإن عمل الكبائر».
... ... ... *أبو داود: سنن، ج1/ص140.
... ورواه البيهقي بلفظ: «صلوا خلف كل بر وفاجر»
... ... ... *المناوي: فيض القدير، ج2/ص201.
(¬4) - صلى عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود خلف الوليد بن عقبة بالكوفة، وصلى جابر بن زيد وأبو عبيدة وصحار العبدي وغيرهم من الأيمة خلف الحجاج بالبصرة، ولم يروا إنكارها لحديث: «من تركها وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها فلا جمع الله شمله...».
... ولما عوتب جابر على ذلك قال: «إنها صلاة جامعة، وسنة متبعة».
... ... انظر: *الدرجيني: طبقات المشايخ، ج1/ص44. *جماعة من العلماء: السير والجوابات، ج2/ص139. *الحارثي: العقود الفضية، ص44، 97. *السالمي: العقد الثمين، ج2/ص197.
Bogga 17
مسألة المرأة التي أتت بشبه زنى ]
وذكر الربيع أيضا أنهم يقولون في امرأة كانت مقرة بأمر المسلمين، ثم ابتليت فأحدثت أمرا منكرا: أن دخل عليها جماعة من رجال، يشربون النبيذ المسكر، فتقوم على رؤوسهم، تسقيهم ذلك الشراب الخبيث (¬1) ، متبرجة ليس عليها خمار (¬2) ولا جلباب (¬3) ، كاشفة عن رأسها.
ثم يقوم إليها من أحب منهم يصيب منها حاجته، غير أنه لا يدخل فرجه في فرجها، ولكن بين الفخذين (¬4) ، وفوق الفرج؛ كلما فرغ واحد قام إليها آخر، يصيبون منها كلهم [شهوتهم، و] (¬5) تصيب هي منهم شهوتها؛ وإن كان لها ابن فيهم، فأصاب منها مثل الذي أصاب غيره.
يكون [ذلك منها] (¬6) مجلسا بعد مجلس، لا تتوب ولا تستغفر الله.
¬__________
(¬2) - الخمار (النصيف): هو لغة الستر والتغطية والكتم، واصطلاحا ما تغطي وتستر به المرأة رأسها، وقسما من وجهها، والشاهد عليه قوله تعالى: {وليضربن بخمورهن على جيوبهن...} الآية (سورة النور: 24-31).
... ... *ابن منظور: لسان العرب، ج5/ص338-343. *قلعه جي: معجم لغة الفقهاء، ص200.
(¬3) - الجلباب: جمع جلابيب، وهو ثوب واسع تلبسه المرأة فوق ثيابها.
... ... *قلعه جي: ن،م، ص165.
(¬4) - وهو ما يسمى في لغة الفقهاء ب: المفاخذة. أي إيلاج الذكر بين فخذي المرأة.
... ... *قلعه جي: معجم لغة الفقهاء، ص445.
(¬5) - طمس في الأصل قدر كلمة غير واضحة، ولعله ما أثبتنا.
(¬6) - كتب بخط رقيق تعليق تحت كلمة "ذلك": مؤخر، وتحت "منها": مقدم.
Bogga 18
فيزعمون /23ظ./ أنها ليست بكافرة (¬1) بدين، ومن كفرها بدين فهو مفتر على الله.
[محاججة شعيب وأصحابه للربيع]:
وإن شعيبا، وابن عبد العزيز، وأيوب بن إبراهيم (¬2) دخلوا على الربيع في منزله، فقالوا: «اقرأ علينا آية من القرآن.. لما تكفرون هذه المرأة المتبرجة»؛ فجادلوه أشد المجادلة.
فهذا في أمر هذه المرأة (¬3) .
[مسألة حكم أهل القبلة]
ومن قول شعيب وصاحبيه، أنهم قالوا: «إن بعض أهل قبلتنا مشركون، حلال دماؤهم، حرام مناكحتهم، وذبائحهم».
وبعضهم يقول: «هم مجوس».
¬__________
(¬1) - الكفر لغة هو الستر والتغطية، وهو في المصطلح الإباضي نوعان: كفر نعمة - وهو المقصود هنا -، وكفر جحود؛ أما كفر النعمة فسمي لعدم شكر النعمة باستحلال ما حرم الله عصيانا، أو انتهاكا، وبارتكاب كبيرة من الكبائر. أما كفر الجحود - أو كفر الشرك - فهو نفي أو إنكار وجود الله، أو كتاب من كتبه، أو نبيء من أنبيائه، وتسويته بغيره، أو إنكار شيء من الغيب، كالجنة والنار، أو جهل ما لا يسع جهله طرفة عين...
... ... انظر: *ابن جميع والشماخي والتلاتي: مقدمة التوحيد وشروحها، ص194 *الجيطالي: قناطر الخيرات، ج1/ص367. *القطب: شامل الأصل والفرع، ج1/ص24، 25. *الجعبيري: البعد الحضاري، ج2/ص506-524 *جهلان: الفكر السياسي، ص248.
(¬2) - هو أيوب بن إبراهيم الصواف () ().
(¬3) - ذكر القصة صاحب السير والجوابات، في سيرة أبي الحسن، ولكن في روايتها بعض الخلط.
... ... راجع: *جماعة العلماء: السير والجوابات، ج2/ص139.
Bogga 19
وبعضهم يقول: «هم بمنزلة أهل الأوثان، ومن شك في شركهم فهو مشرك مثلهم، يحل منه ما يحل منهم، ويحرم منه ما يحرم منهم» (¬1) .
في منطق عظيم كثير نطقوا به، يكثر ذكره في الكتاب.
وقد مضى المسلمون (¬2) - عليهم السلام - وهم يخالفون الصفرية (¬3) ، والأزارقة (¬4) ،
¬__________
(¬1) - هذه أقوال الخوارج الغلاة، وأول من قال بها نافع بن الأزرق، وتبعته أصناف الخوارج الأخرى على ذلك. ومن أقوالهم أيضا: استحلال سبي ذراري أهل القبلة، وغنيمة أموالهم، وتحريم مناكحتهم، وموارثتهم؛ وأنزلوهم بمنزلة حرب الرسول للمشركين، وانتحلوا الهجرة، وهذا هو المنطق العظيم الذي كانوا يقولون به.
(¬2) - أي الإباضية، وانظر تعليق رقم: 4.
(¬3) - الصفرية: هم أصحاب زياد بن الأصفر، وهم من أشهر فرق الخوارج؛ ويقولون بتشريك أهل القبلة، وإن مرتكب الكبيرة مشرك، وإن التقية توجب القول دون العمل، ويوجبون الخروج على الإمام المخالف للسنة، لكنهم خالفوا الأزارقة والنجدات في عدم تكفيرهم للقعدة عن القتال، إذا وافقوهم في الدين.
... ... انظر: *جماعة العلماء: السير والجوابات، ج2/ص124، 310. *الشهرستاني: الملل والنحل، ج1/ 114، 137.
(¬4) - الأزارقة: هم أصحاب نافع بن الأزرق (ت:60ه)، من أشهر فرق الخوارج وأشدها تطرفا وعنفا، وأول من سن تشريك أهل القبلة، وانتحال الهجرة، وتكفير القعدة عن القتال، وإسقاط الرجم عن الزاني والحد عن القاذف؛ وقالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر كفر ملة، ولم يجوزوا التقية، لا في القول ولا في العمل.
... ... انظر: *جماعة العلماء: ن.م، ج2/ص124 ، 126، 310. *الشهرستاني: ن.م، ج1/114، 118.
Bogga 20