بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين سألني - أطال الله بقاء السيد الشريف، الفاضل الجليل، وأدام الله تأييده ونعمته وتوفيقه - رجل من المعتزلة عن الخبر المروي عن النبي - صلى الله عليه وآله - في قصة (1) مارية القبطية - رحمها الله - وما كان من قذف (2) بعض الأزواج (3) لها بابن عمها، وقول النبي - صلى الله عليه وآله - لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - خذ سيفك يا علي وامض. إلى بيت مارية، فإن وجدت القبطي فيه فاضرب عنقه.
فقال له أمير المؤمنين - عليه السلام -: إنك تأمرني يا رسول الله بالأمر، فأكون فيه كالسكة المحماة في ذات الوبر؟، فأمضي لأمرك في القبطي، أو يرى الشاهد ما لا يرى الغائب؟
فقال له النبي - صلى الله عليه وآله -: بل يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.
(1) م و ب: قضية.
(2) ر. س: قول.
(3) كتب في هامش ى: وهي عائشة.
Bogga 16
فمضى أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى بيت مارية القبطية، فوجد القبطي فيه، فلما رأى السيف بيد أمير المؤمنين - عليه السلام - صعد إلى نخلة في الدار، فهبت ريح كشفت عنه ثوبه، فإذا هو ممسوح، ليس له ما للرجال، فتركه أمير المؤمنين - عليه السلام - وعاد إلى النبي - صلى الله عليه وآله - فأخبره الخبر، فسري عنه، وقال: الحمد لله الذي نزهنا أهل البيت عما يرمينا به أشرار الناس من السوء (1).
Bogga 17
والحديث مشهور وتفصيله عند أهل العلم مذكور.
فقال السائل: هذا الخبر عندكم ثابت، صحيح؟.
قلت: أجل، هو خبر مسلم، يصطلح على ثبوته الجميع.
فقال: خبرني إذن (1) ما وجه إطلاق النبي (2) - صلى الله عليه وآله - الأمر بقتل نفس على التهمة، من غير يقين (3) لما يوجب ذلك منها؟
وما وجه اشتراط (4) علي - عليه السلام - الرأي عند المشاهدة، وسؤاله عن امتثال الأمر على كل حال، أو على بعض الأحوال؟
وهل لاختلاف الحال في هذين المعنيين عندك وجه تذكره ببرهان (5)؟
فقلت له: قد تعلق بمضمون هذا الخبر طوائف من الناس، كل طائفة تبني (6) مذهبا لها، تأسيسه على الفساد:
فمنهم: الغلاة، المنتحلة للزيغ، زعمت أن أمير المؤمنين - عليه السلام - رمز بذكر: " الشاهد الغائب "، وعنى بمقاله: أنه مشاهد جميع الأشياء، وأن الأمر له في الباطن والتدبير، دون النبي - صلى الله عليه وآله -.
ومنهم: العامة والمعتزلة، المجوزة على النبي - صلى الله عليه وآله - الخطأ في الأحكام، زعموا أن إطلاق الأمر منه بقتل القبطي كان غلطا، عرفه أمير المؤمنين - عليه السلام - فنبهه بالاشتراط عليه، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وآله - منه، رجع (7) إلى الصواب.
Bogga 18
ومنهم: الفرقة المنتسبة إلى موسى بن عمران (1)، القائلة بأن النبي -
Bogga 19
صلى الله عليه وآله - كان يشرع (1) بالنص تارة، وبالاختيار (2) أخرى. وأنه كان مفوضا إليه القول في الأحكام بما شاء وكيف شاء.
ومنهم:؟ أصحاب الرأي والاستحسان من متفقهة العوام - الذاهبين إلى أن النبي صلى الله عليه وآله - كان يحكم بالرأي ثم يرجع عنه، ويقول بالاستحسان ثم يتعقبه بالخلاف لما (3)، حسب ما يراه في كل حال.
ومنهم: مخالفوا الملة، من الزنادقة وأهل الذمة، فإنهم جعلوا ذلك حجة لهم فيما طعنوا به في نبوته - صلى الله عليه وآله.
فصل وقد ذهب جميع من ذكرناه عن الصواب في مضمون الخبر، وأسسوا قولهم فيه على مبنى (4) ظاهر الفساد.
ولأمر النبي صلى الله عليه وآله - بقتل القبطي واشتراط أمير المؤمنين - عليه السلام - الرأي فيه واستفهامه عن المراد، وجوه واضحة في الحق، لائحة لمن وقف عليها من ذوي الإنصاف - أنا أذكرها على التفصيل، لتعلم أيها السائل بها ما التمست علمه، وتبطل بها شبهة أهل الضلال، إن شاء الله.
فأول ذلك: أن أمر الحكماء في الاطلاق والتقييد، والاجمال والتفصيل بحسب معرفة المأمور، وحكمته وذكائه والاختصار (5)، فإن كان في الوسط منه
Bogga 20
احتاج إلى تأكيد وزيادة بيان (1). وإن كان دون ذلك احتيج معه إلى الشرح والتفصيل والإعادة للمقام والتكرار، حالا بعد حال.
وبحسب الثقة به في الطاعة أيضا، والسكون إلى سداده يختلف ما ذكرناه.
فهذا بين يتفق عليه كافة أهل النظر وجمهور العقلاء، فلا حاجة بنا إلى تكليف دليل عليه، لما (2) وصفعناه.
فإذا كان الأمر فيه على ما قدمناه لم ينكر أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله - أطلق الأمر بقتل القبطي - وإن كان الشرط لازما - لعلمه بأن أمير المؤمنين - عليه السلام - يعرف ذلك ولا يحتاج فيه إلى ذكره له في نفس الكلام.
ولو كان غير أمير المؤمنين - عليه السلام - المأمور - ممن لا يؤمن عليه فهل (3) الشرط والتعليق (4) بمطلق الأمر بالإقدام، على غير الصواب - يقيد له (5) الكلام، بجعل (6) الشرط فيه ظاهرا، ولم يجد عنه محيصا.
ولترك النبي صلى الله عليه وآله - التقييد في الأمر فائدة في الإبانة عن فضل أمير المؤمنين - عليه السلام - على الجماعة، بإظهار الاشتراط فيه والاستخبار عن المراد، لتعلم الجماعة أنه قد عرف من باطن الحال ما كشفها لهم بالسؤال.
Bogga 21
ولأمير المؤمنين - عليه السلام - به فضيلة من جهة (1) أخرى:
وهي رفع الشبهة عمن لا بصيرة له بحق النبي صلى الله عليه وآله - ومنزلته من الله في غلطه، وإقدامه على قتل من هو برئ محقون الدم عند الله، ليبين له مراده في الاشتراط، ويعلمه أنه - وإن أطلق الأمر - فإنما قصد به ما ظهر فيه بالبيان. ولو كان النبي - صلى الله عليه وآله - اشترط في الكلام ما كان فيه في الجواب لم (2) يبن لأمير المؤمنين - عليه السلام - الفضل الذي أبانه (3) الاشتراط والاستفهام.
ولو ترك أمير المؤمنين - عليه السلام - الاشتراط والاستفهام وعمل على علم بالباطن وكف عن قتل القبطي لمشاهدته الحال، لم يبن (4) من فضل رسول الله - صلى الله عليه وآله - للكافة ما أبانه الاستفهام، ولظن كثير من الناس أنه - عليه السلام - أخطأ في الأمر المطلق بقتل الرجل، وإن عليا أصاب في خلافه الظاهر بشاهد الحال، وكان في إطلاق النبي صلى الله عليه وآله - الأمر لعلي - عليه السلام -، واستفهام أمير المؤمنين - عليه السلام - له عن المراد وكشفه لذلك ما استنبطه من الكلام، من الفوائد في فضلهما وعصمتهما ونطقهما عن الله - عز وجل - ما بيناه عنه (5) وأوضحناه، ولم يبق لمخالف الحق طريق معه إلى إثبات شئ من الشبه التي تعلق بها فيما حكيناه.
ووجه آخر: وهو أنه قد كان جايزا من الله تعالى أن يأمر نبيه - صلوات الله عليه - بقتل القبطي على جميع الأحوال، لدخوله بيت النبي - صلى الله عليه وآله - بغير إذنه له في ذلك، وعلى غير اختيار منه له ورأي، فاستفهمه
Bogga 22
أمير المؤمنين - عليه السلام - لهذه الحال، فأخبره بما عرف الحكم فيه وأنه غير مباح دمه على كل حال.
ويجوز ويمكن أن يكون الحكم فيه مفوضا إليه (1) - عليه السلام - فلما استفهمه أمير المؤمنين - عليه السلام - بان له حال التفويض إليه. فقال: إن شاهدته بريئا، فلك فيه الرأي، الآن اقتضت الحال التي تشاهدها منه قتله أو العفو عنه فذلك إليك (2)] (3)، وقد فوضت ما فوض إلي إليك، فاعمل فيه بما تراه.
وهذا - أيضا - مما دل الله - تعالى - به الأنام على مشاكلة أمير المؤمنين لنبيه - صلوات الله عليهما - في العصمة والكمال، ومشابهته (4) له في تدبير الدين والحكم في العباد.
ولو لم يقع الاطلاق في الأمر والاشتراط من أمير المؤمنين - عليه السلام - لما عرف ذلك، حسب ما بيناه. والله الموفق للصواب.
فقال السائل: هذا قد فهمته، وهو كلام واضح البيان في معناه، فما القول في نقض شبه من قدمت ذكره في الضلال؟
فقلت له: ثبوته على الوجه الذي أوضحت، كافي في إبطال جميع تلك الشبهات، إذ يهي دعاوى مجردة من بيان، لجا أصحابها في التعلق بها إلى الاضطرار إليها، لعدم الحجة بما ذكرناه لهم (5) فيها على زعمهم وتوهمهم الفاسد وظنهم المحال.
Bogga 23
فإذا ثبت لمضمون (1) الخبر من الأوجه الصحيحة ما أثبتناه، وكان في الامكان على ما ذكرناه، لم يكن للعدول (2) عنه طريق إلا التحكم (3) بالأماني الخائبات، والحمد لله.
فقال السائل: هو كذلك، ولا ينبغي للعاقل أن يظلم نفسه بمكابرة الحق واللجاج. وبالله التوفيق وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
Bogga 24
قال العلامة السيد جعفر مرتضى في كتاب حديث الإفك:
قضية مارية بين الأخذ والرد مع الأجواء لقضية مارية.
دور عمر في قضية مارية: تبرئة أو اتهاما.
براءة مارية..
كلام السيد المرتضى.
أما نحن فنقول:
Bogga 25
مع الأجواء الطبيعية لقضية مارية وهكذا.. فقد رأينا أن النصوص عند جميع المسلمين تكاد تكون.. متفقة على صورة قضية الإفك على مارية... ورأينا أيضا: أن ما رواه الحاكم في مستدركه، والسيوطي عن ابن. مردويه غير ذلك مما تقدم يقرب لنا: أن عائشة قد غارت من مارية، ونفت شبه إبراهيم بأبيه (ص). رغم إصرار النبي (ص) على خلافها ورغم أنه كان أشبه الخلق به كما في الرواية الآتية عن الطبراني.. مما يعني: إنها تؤكد على نفيه. منه، وحصول خيانة من مارية فيه.. وكان الحامل لمما على ذلك هو غيرتها الشديدة، حسب اعتراف عائشة نفسها..
ومما يجعلنا نطمئن إلى صحة ذلك الحوار، وأن عائشة قد حاولت أن تلقي شبهة على طهارة مارية هو ما قالته عائشة نفسها عن حالتها مع مارية:
"... ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة. وأعجب: بها رسول الله (ص) إلى أن قالت:
وفرغنا لها فجزعت، فحولها رسول الله (ص) إلى العالية، فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا. ثم رزقها الله الولد وحرمناه (1).. ".
وعن أبي جعفر: "... وكانت ثقلت على نساء النبي (ص)، وغرن عليها، ولا مثل عائشة " (2).
Bogga 26
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن موقف عائشة حين موت إبراهيم (ع) "... ثم مات إبراهيم، فأبطنت شماتة وإن أظهرت كآبة...) (1).
وبعد كل ما تقدم.. فإننا نعرف أن أم المؤمنين قد ساهمت في إثارة الشكوك والشبهات حول مارية. وولدها إبراهيم.
ولعلنا نستطيع أن نفهم أيضا من رواية السيوطي عن ابن مردويه: أن حفصة أيضا قد شاركت في تأليب رأي النبي (ص) ضد مارية.. وأن النبي (ص) قد حرم مارية على نفسه بعد المحاورة التي جرت بينه وبين عائشة... وبعد جزعهما، وعتاب حفصة له في شأنها..
ويفهم أيضا من رواية الحاكم أن تكثير النساء، على مارية كان بعد المحاورة المشار إليها بين النبي (ص) وعائشة..
وكل ذلك يجعلنا نطمئن إلى أن سبب تحريم مارية هو.، ذكرهن الشبهات حولها.. لا مجرد أنه وطأها في بيت حفصة أو عائشة.. ولا سيما بملاحظة:
أن آيات التحريم، في سورة التحريم تدل على أن مما ارتكبوه كان أمرا عظيما جدا، لا مجرد قول حفصة: يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي، فإن هذا كلام طبيعي وليس فيه أي إسائة أدب، أو خروج عن الجادة أصلا.. ولا يستحق هذا التأنيب العظيم الوارد في الآيات.. وعلى هذا..
فإن الظاهر هو أن آيات تحريم مارية في سورة التحريم قد نزلت في قضية الشبهات حول مارية حينما حرمها النبي (ص) على نفسه لذلك، وأما، آية الإفك فنزلت في الإفك عليها أيضا.
Bogga 27
دور عمر في قضية مارية تبرئة أو اتهاما، ولقد احتمل بعض العلماء: أن عمر أيضا قد شارك في إثارة الشبهات حول مارية بالإضافة إلى حفصة وعائشة... ومستنده في ذلك ما رواه الطبراني وغيره: في رواية تضمنت أن عمر هو الذي برأ مارية وأنه لما رجع إلى الرسول، قال له الرسول (ص): " ألا أخبرك يا عمر: إن جبرئيل أتاني فأخبرني: أن الله عز وجل، قد برأ مارية وقريبها مما وقع في نفسي، وبشرني: أن في بطنها. مني غلاما، وأنه أشبه الخلق بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم... " (1) فقد احتمل، المظفر استنادا إلى هذه الرواية أن لعمر بن الخطاب شأنا في اتهام مارية. وإلا.. فلماذا يخصه الرسول (ص) بهذه المقالة (2).
ولكننا بدورنا نقول: إن هذه الرواية محل إشكال. لأن الروايات متضافرة على أن براءة، مارية كانت على يد علي عليه السلام... وهذه تقول:
بل كانت على يد عمر.
وأجاب العسقلاني ذلك باحتمال: أن يكون رسول الله (ص) قد أرسل عمر أولا "، فأبطأ في العود، لأنه لما رآه. ممسوحا اطمأن وتشاغل
Bogga 28
ببعض الأمر فأرسل (ص) عليا بعده، ورجع علي فبشره (ص) بالبراءة ثم جاء عمر بعده فبشره بها (1)...
ولكن هذا التوجيه منه يحتاج إلى إثبات وعلى الأقل إلى شواهد تؤيده...
كما أن تلكؤ عمر في إخباره النبي (ص)، حتى يذهب علي ويكشف الأمر مرة ثانية. ويرجع، بعيد عن التصرف الطبيعي في مناسبات حادة كهذه.
وعليه... وبملاحظة التشابه بين هذه الرواية، وبين ما يرد عن علي عليه السلام: بملاحظة: أن تبرئة علي لها مجمع عليها: ولا شك فيها..
فنحن نرى أن عمر لم يذهب إلى مأمور، ولا شارك في تبرئه مارية..
فيبقى قولهم: إن النبي (ص) قال له: ألا أخبرك يا عمر الخ.. فهو إن صح فهو ابتداء كلام معه، وحينئذ فيحتاج ما ذكره المظفر إلى الجواب.
براءة مارية لقد مر علينا آنفا: أن الرسول (ص) يخبر عمر بن الخطاب بأن جبرئيل قد أخبره أن الله قد برأ مارية.. وقد يمكن أن يفهم من ذلك: أن هذا يؤيد كون آيات الإفك قد نزلت في شأن مارية.. وأن الله تعالى قد برأها بواسطتها.. وإلا فما معنى تبرئة الله تعالى لها فيما سوى ذلك.. إذ أن براءتها قد ثبتت على يد علي عليه السلام.. فتبرئة الله تعالى لها: لا بد وأن تكون بنحو آخر، غير ما فعله علي عليه اللام... وليس إلا نزول آيات الإفك في شأنها..
Bogga 29
هذا... ويبدو أن الشك في شأن مارية قد استمر إلى حين وفاة ولده إبراهيم، وأنه قد كان ثمة من يصر على الاتهام ولو بإخفاء لها ولعلها عائشة التي يقول عنها المعتزلي: أنها أظهرت كآبة، وأبطنت شماتة.. كان يهمها هذا الأمر.. ولذا نجد النبي (ص) حتى حين. موت ولده إبراهيم يؤكده.
على أن إبراهيم هو ولده فقد روى في صحيح مسلم: "... لما توفي إبراهيم قال رسول الله (ص): إن إبراهيم ابني وأنه مات في الثدي، وأن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة.. " (1). فليس لقوله (ص):
" إن إبراهيم ابني "، أي معنى إلا أنه أراد أن يقوم بمحاولة أخيرة. لدفع كيد الآفكين، وشك الشاكين..
كلام السيد المرتضى وأشكل السيد المرتضى على الرواية الأخيرة من روايات الإفك على مارية: بأنه كيف جاز لرسول الله (ص) الأمر بقتل رجل على التهمة بغير بينة، ولا ما يجري مجراها؟
وأجاب: بأن من الجائز أن يكون القبطي معاهدا، وأن النبي كان قد نهاه عن الدخول، إلى مارية فخالف وأقام على ذلك. وهذا نقض للعهد، وناقض العهد من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة. والمؤذن بها مستحق للقتل.
وإنما جاز منه (ص) أن يخير بين قتله والكف عنه وتفويض ذلك إلى علي (ع). لأن قتله لم يكن من الحدود والحقوق، التي لا يجوز العفو عنها؟
Bogga 30
لأن ناقض، العهد إذا قدر عليه الإمام قبل التوبة له أن يقتله، وله أن يعفو عنه..
وأشكل أيضا: بأنه كيف جاز لأمير المؤمنين (ع) الكف عن القتل، ومن أي جهة آثره لما وجده أجب؟ وأي تأثير لكونه أجب فيما استحق به القتل، وهو نقض العهد؟!..
وأجاب: بأنه كان له (ع) أن يقتله مطلقا: حتى مع كونه أجب، ولكنه (ع) آثر العفو عنه، من أجل إزالة التهمة والشك الواقعين في أمر مارية، ولأنه أشفق من أن يقتله، فيتحقق الظن، ويلحق بذلك العار (1) أما نحن فنقول:
إن الجواب عن الإشكال الأول.. محل تأمل فقد صرحوا بأن مأبورا قد أسلم في المدينة.. إلا أن يقال: أنه أسلم بعد قضية مارية. ولكن: من القريب جدا: أن النبي لم يكن أمره بالقتل على الحقيقة، وإنما كان ذلك مقدمة لإظهار البراءة الواقعية لمارية، فأراد علي أن يثبت - من قصد النبي هذا فسأله بما يدل عليه وأجابه النبي بذلك أيضا.. ولعل هذا الاحتمال.. أولى مما ذكره السيد المرتضى: لأن ما ذكره السيد يحتاج إلى إثبات المعاهد المأبور .. ولا مثبت.. أما هذا فهو موافق للسنة الجارية في أمور مثل هذه يحتاج فيها إلى الكشف واليقين ورفع التهمة ولا سيما وأن الآيات - آيات الإفك - إنما تدل على البراءة الشرعية. فتحتاج إلى ما يدل على البراءة الواقعية أيضا.
ويؤكد هذه البراءة الواقعية: أن مأبورا - كما يقولون - كان أخا لمارية، وكان شيخا كبيرا (2).
Bogga 31
وقال النووي في مقام الجواب عن الإشكال المتقدم: " ويل: لعله كان منافقا، ومستحقا للقتل بطريق آخر وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره، لا بالزنا.. وكف عنه علي رضي الله عنه اعتمادا على أن القتل بالزنا. وقد علم انتفاء الزنا.. (1) ".
ولكن قد فات النووي: أن الزاني لا يستحق القتل أيضا. وإنما الجلد أو الرجم.. إلا أن يقال: إن من يعتدي على حرمات النبي (ص) حكمه ذلك..
وخلاصة الأمر: أن إثبات نفاقه أيضا يحتاج إلى مثبت.. وليس..
فلم يبق. إلا ما أجبنا به نحن، فإنه هو الأنسب والأظهر..#
Bogga 32