-[مَرَاتِب الْإِجْمَاع]-
الكتاب: مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات
المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: ٤٥٦هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
فائدة: أضيفت تعقبات ابن تيمية في كتابه (نقد مراتب الإجماع) في مواضعها من هامش هذه النسخة الإلكترونية.
وقد نُقلت تعقبات ابن تيمية من [ط دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م بعناية حسن أحمد إسبر] وهي طبعة تحتوي على الكتابين: «مراتب الإجماع» و«نقد مراتب الإجماع»، إلا أن المنقول هنا - في الحواشي - هو كتاب ابن تيمية فقط.، وذكرنا قبل كل تعليق رقم الصفحة (من ط حسن إسبر) التي ورد فيها هذا التعليق
فليُنتبه إلى أن جميع الحواشي في هذه النسخة الإلكترونية هي من إضافة مُعِدِّ الكتاب للشاملة وليست في أصل النسخة الورقية
1 / 1
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمَا توفيقي إلا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت
قَالَ الْفَقِيه الأجل الإمام أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم رَحْمَة الله عَلَيْهِ الْحَمد لله الَّذِي لَا معقب لحكمه وَلَا راد لقضائه الَّذِي ﴿لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون﴾ وَصلى الله على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وَخَاتم أنبيائه وَخيرته من نوع الْإِنْسَان وَسلم بَعثه إلى جَمِيع الْجِنّ والإنس من مبعثه إلى انْقِضَاء هَذَا الْعَالم وَقيام السَّاعَة نسخ بملته الْملَل وَلَا نَاسخ لملته وَلَا حول وَلَا قُوَّة إلا بِاللَّه الْعَظِيم
أما بعد فَإِن الْإِجْمَاع قَاعِدَة من قَوَاعِد الْملَّة الحنيفية يرجع إليه ويفزع نَحوه وَيكفر من خَالفه إذا قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة بأنه إجماع وأنا أملنا بعون الله ﷿ أَن نجمع الْمسَائِل الَّتِي صَحَّ فِيهَا الإجماع ونفردها من الْمسَائِل الَّتِي وَقع فِيهَا الْخلاف بَين الْعلمَاء فَإِن الشَّيْء إذا ضم إلى شكله وَقرن بنظيره سهل حفظه وَأمكن طلبه وَقرب متناوله ووضح خطأ من خَالف الْحق بِهِ وَلم يتعن المختصمون فِي الْبَحْث عَن مَكَانَهُ
1 / 7
عِنْد تنازعهم فِيهِ ورجونا بذلك جزيل الْأجر من الله ﷿ فَإِن الْمَنْفَعَة بِجمع هَذِه الْمسَائِل جليلة جدا
وَوجدنَا الإجماع يقتسم طرفِي الأقوال فِي الْأَغْلَب وَالْأَكْثَر من الْمسَائِل وَبَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ وسائط فِيهَا كثر التَّنَازُع وَفِي بحرها سبح المخالفون فأحد الطَّرفَيْنِ هُوَ مَا اتفق جَمِيع الْعلمَاء على وُجُوبه أَو على تَحْرِيمه أَو على أَنه مُبَاح لَا حرَام وَلَا وَاجِب فسمينا هَذَا الْقسم الإجماع اللَّازِم
والطرف الثَّانِي هُوَ مَا اتّفق جَمِيع الْعلمَاء على أَن من فعله أَو اجتنبه فقد أدّى مَا عَلَيْهِ من فعل أَو اجْتِنَاب أَو لم يَأْثَم فسمينا هَذَا الْقسم الإجماع المجازي عبارَة اشتققناها لكل صنف من صفته الْخَاصَّة بِهِ ليقرب بهَا التفاهم بَين الْمعلم والمتعلم والمناظرين على سَبِيل طلب الْحَقِيقَة إن شَاءَ الله وَمَا توفيقنا إلا بِاللَّه
وَبَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ أَشْيَاء قَالَ بعض الْعلمَاء هِيَ حرَام وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم لَيست حَرَامًا لَكِنَّهَا حَلَال وَقَالَ قوم مِنْهُم هِيَ وَاجِبَة وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم لَيست بواجبة لَكِنَّهَا مُبَاحَة وكرهها بَعضهم واستحبها بَعضهم فَهَذِهِ مسَائِل من الأحكام والعبادات لَا سَبِيل إلى وجود مُسَمّى الإجماع لَا فِي جوامعها وَلَا فِي أفرادها
وَنحن ممثلون مِنْهَا مِثَالا وَذَلِكَ مثل زَكَاة الْفطر فَإِن قوما قَالُوا هِيَ فرض وَقوم
1 / 8
قَالُوا لَيست فرضا وَقَالَ قوم هِيَ مَنْسُوخَة وَمثل زَكَاة الْعرُوض المتخذة للتِّجَارَة فَإِن قوما قَالُوا الزَّكَاة فِيهَا وَاجِبَة وَقَالَ آخَرُونَ لَا زَكَاة فِيهَا ثمَّ اخْتلف وجوب الزَّكَاة فِيهَا أَيْضا اخْتِلَافا لَا سَبِيل إلى الْجمع بَينهم فِيهِ فَقَالَ بَعضهم يخرج من أثمانها وَقَالَ آخَرُونَ يخرج من أعيانها وَمثل هَذَا كثير فَمَا كَانَ من هَذَا النَّوْع فَلَيْسَ هَذَا الْكتاب مَكَان ذكره وَفِي مَوَاضِع أخر إن أعاننا الله بِقُوَّة من قبله وتأييد وأمدنا بعمر وفراغ فستجمع كل صنف مِنْهَا فِي مَكَان هُوَ أملك بِهِ إن شَاءَ الله وَمَا توفيقنا إلا بِاللَّه
وَهَهُنَا نَحْو من أنحاء الإجماع لَيْسَ هَذَا الْمَكَان مَكَان ذكره وَهُوَ أَن يخْتَلف الْعلمَاء فِي مَسْأَلَة مَا فيبيحها قوم ويحظرها آخَرُونَ أَو يُوجِبهَا قوم وَلَا يُوجِبهَا آخَرُونَ وَلَا بُد أَن يكون الْحق فِي قَول أحدهم وسائرهم مبطلون ببرهان سَمْعِي أو برهَان عَقْلِي شرطي إذا تقصيت أَقسَام الْمقَالة على اسْتِيعَاب وثقة وَصِحَّة فَيكون حِينَئِذٍ إجماع الْمُحَقِّقين فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة إجماعا صَحِيحا مرجوعا إليه مستصحبا فِيمَا اخْتلف فِيهِ مِنْهَا مَا لم يمْنَع من شَيْء من ذَلِك نَص وَذَلِكَ كإجماع الْقَائِلين بالمساقاة والمزارعة على إباحة شَيْء من فروعها فَيُوقف عِنْده
فَهَذِهِ وُجُوه الإجماع الَّتِي لَا إجماع سواهَا وَلَا تقوم حجَّة من الإجماع فِي غَيرهَا الْبَتَّةَ وَقد أَدخل قوم فِي الإجماع مَا لَيْسَ فِيهِ:
- فقوم عدوا قَول الأكثر إجماعا
- وَقوم عدوا مَا لَا يعْرفُونَ فِيهِ خلافًا إجماعا وان لم يقطعوا على أَنه لَا خلاف فِيهِ
- وَقوم عدوا قَول الصاحب الْمَشْهُور الْمُنْتَشِر إذا لم يعلمُوا لَهُ من الصَّحَابَة مُخَالفا
1 / 9
وان وجد الْخلاف من التَّابِعين فَمن بعدهمْ فعدوه إجماعا
- وَقوم عدوا قَول الصاحب الَّذِي لَا يعْرفُونَ لَهُ مُخَالفا من الصَّحَابَة ﵃ وَإِن لم يشْتَهر وَلَا انْتَشَر إجماعا
- وَقوم عدوا قَول أهل الْمَدِينَة إجماعا
- وَقوم عدوا قَول أهل الْكُوفَة إجماعا
- وَقوم عدوا اتِّفَاق الْعَصْر الثَّانِي على أحد قَوْلَيْنِ أَو أَكثر كَانَت للعصر الَّذِي قبله إجماعا
وكل هَذِه آراء فَاسِدَة ولنقضها مَكَان آخر وَيَكْفِي من فَسَادهَا أَنهم نجدهم يتركون فِي كثير من مسائلهم مَا ذكرُوا أَنه إجماع وإنما نَحوا إلى تَسْمِيَة مَا ذكرنَا إجماعا عنادا مِنْهُم وشغبا عِنْد اضطرار الْحجَّة والبراهين لَهُم إلى ترك اختياراتهم الْفَاسِدَة
وأيضا فَإِنَّهُم لَا يُكَفِّرون من خالفهم فِي هَذِه الْمعَانِي وَمن شَرط الإجماع الصَّحِيح أَن يُكَفَّر من خَالفه بِلَا اخْتِلَاف بَين أحد من الْمُسلمين فِي ذَلِك فَلَو كَانَ مَا ذَكرُوهُ إجماعا لكُفِّر مخالفوهم بل لكُفِّروا هم لأَنهم يخالفونها كثيرا (١) ولبيان كل هَذَا مَكَان آخر وَلَا حول ولا قوة إلا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٦:
أهل العلم والدين لا يعاندون، ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع، لكون الخلاف لم يبلغه، وقد يكون هناك إجماع لم يعلمه، فهم في الاستدلال بذلك كما هم في الاستدلال بالنصوص: تارة يكون هناك نص لم يبلغ أحدهم، وتارة يعتقد أحدهم وجود نص، ويكون ضعيفا أو منسوخا.
وأيضا فما وصفهم هو به قد اتصف هو به، فإنه يترك في بعض مسائله ما قد ذكر في هذا الكتاب أنه إجماع.
وكذلك ما ألزمهم إياه من تكفير المخالف غير لازم؛ فإن كثيرا من العلماء لا يكفرون مخالف الإجماع.
وقوله: " إن مخالف الإجماع يكفر بلا اختلاف من أحد المسلمين " هو من هذا الباب، فلعله لم يبلغه الخلاف في ذلك، مع أن الخلاف في ذلك مشهور مذكور في كتب متعددة، والنَّظَّامُ نفسه المخالف في كون الإجماع حجة لا يكفره ابن حزم والناس أيضا. فمن كفَّر مخالفَ الإجماع إنما يكفره إذا بلغه الإجماع المعلوم، وكثير من الإجماعات لم تبلغ كثيرا من الناس، وكثير من موارد النزاع بين المتأخرين يَدَّعي أحدهما الإجماع في ذلك، إما أنه ظني ليس بقطعي، وإما أنه لم يبلغ الآخر، وإما لاعتقاده انتفاء شروط الإجماع.
وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك.
فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع ⦗٢٨٧⦘ الخطاب، هل هو مما يحتج به، كالعموم المخصوص، ودليل الخطاب، والقياس، وغير ذلك. فهذا ونحوه مما يتبين به بعض أعذار العلماء.
1 / 10
وَقوم قَالُوا الإجماع هُوَ إجماع الصَّحَابَة ﵃ فَقَط
وَقوم قَالُوا إجماع كل عصر إجماع صَحِيح إذا لم يتَقَدَّم قبله فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة خلاف وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لإجماع الْأمة عِنْد التَّفْصِيل عَلَيْهِ واحتجاجهم بِهِ وَترك مَا أصلوه لَهُ
وَلَا خلاف بَين أحد فِي أَن انْتِظَار جَمِيع الْقُرُون الَّتِي لم تخلق بعد لتعرف أَقْوَالهم بَاطِل لَا معنى لَهُ وإنما اخْتلفُوا على الْقَوْلَيْنِ اللَّذين قدمنَا
وَقوم أخرجُوا من الإجماع مَا هُوَ إجماع صَحِيح فَقَالُوا لَو اجْتمع أهل الْعَصْر كلهم على قَول مَا ثمَّ بدا لأحد مِنْهُم فِيهِ فَلهُ ذَلِك وَله براهين وَاضِحَة لَهَا مَكَان آخر إن
1 / 11
شَاءَ الله بل إذا صَحَّ الإجماع فقد بَطل الْخلاف وَلَا يبطل ذَلِك الإجماع أبدا
وَقوم قَالُوا من أَصْحَابنَا الإجماع لَا يكون إلا من تَوْقِيف من النَّبِي ﷺ
وَقوم قَالُوا الإجماع قد يكون من قِيَاس وَهَذَا بَاطِل
وَقوم قَالُوا الإجماع يكون من وَجْهَيْن إما من تَوْقِيف مَنْقُول إلينا مَعْلُوم وإما من دَلِيل من تَوْقِيف مَنْقُول إلينا مَعْلُوم وَلَكِن إذا صَحَّ الإجماع فَلَيْسَ علينا طلب الدَّلِيل إذ الْحجَّة بالإجماع قد لَزِمت وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
وَقوم من أَصْحَابنَا قَالُوا إذا اتّفقت طَائِفَة على مَسْأَلَتَيْنِ فصح قَوْلهم فِي إحداهما بِدَلِيل وَجب أَن الأخرى صَحِيحَة وَهَذَا غير ظَاهر وَلَيْسَ لَهُ فِي الإجماع طَرِيق لما بَينته فِي غير هَذَا الْمَكَان
وَصفَة الإجماع هُوَ مَا تَيَقّن أَنه لَا خلاف فِيهِ بَين أحد من عُلَمَاء الإسلام ونعلم ذَلِك من حَيْثُ علمنَا الأخبار الَّتِي لَا يتخالج فِيهَا شكّ مثل أَن الْمُسلمين خَرجُوا من الْحجاز واليمن ففتحوا الْعرَاق وخراسان ومصر وَالشَّام وَأَن بني أُميَّة ملكوا دهرا طَويلا ثمَّ ملك بَنو الْعَبَّاس وَأَنه كَانَت وقْعَة صفّين والحرة وَسَائِر ذَلِك مِمَّا يعلم بِيَقِين وضرورة (١)
وإنما نعني بقولنَا الْعلمَاء من حفظ عَنهُ الْفتيا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وعلماء الْأَمْصَار وأئمة أهل الحَدِيث وَمن تَبِعَهُمْ ﵃ أَجْمَعِينَ
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٧:
وقال ابن حزم أيضا في آخر كتابه (كتاب الإجماع): هذا كل ما كتبنا، فهو يقين لا شك فيه، مُتَيَقَّنٌ لا يَحِلُّ لِأَحدٍ خلافُه البتة
قلت (أي ابن تيمية): فقد اشترط في الإجماع ما يشترطه كثير من أهل الكلام والفقه كما تقدم:
وهو العلم بنفي الخلاف، وأن يكون العلم بالإجماع تواترا.
وجعل العلم بالإجماع من العلوم الضرورية، كالعلم بعلوم الأخبار المتواترة عند الأكثرين.
ومعلوم أن كثيرا من الإجماعات ⦗٢٨٨⦘ التي حكاها ليست قريبةً من هذا الوصف، فضلا عن أن تكون منه، فكيف وفيها ما فيه خلاف معروف! وفيها ما هو نفسه ينكر الإجماع فيه ويختار خلافَه من غير ظهورِ مخالف!.
1 / 12
ولسنا نعني أَبَا الْهُذيْل وَلَا ابْن الأصم وَلَا بشر بن الْمُعْتَمِر وَلَا إبراهيم بن سيار وَلَا جَعْفَر
1 / 13
ابْن حَرْب وَلَا جَعْفَر بن مُبشر وَلَا ثُمَامَة وَلَا أبا غفار وَلَا الرقاشِي وَلَا الأزارقة والصفرية وَلَا جهال الإباضية وَلَا أهل الرَّفْض
1 / 14
فَإِن هَؤُلَاءِ لم يتعنوا من تثقيف الْآثَار وَمَعْرِفَة صحيحها من سقيمها وَلَا الْبَحْث عَن أَحْكَام الْقُرْآن لتمييز حق الْفتيا من باطلها بِطرف مَحْمُود بل اشتغلوا عَن ذَلِك بالجدال فِي أصُول الاعتقادات وَلكُل قوم علمهمْ
وَنحن وان كُنَّا لَا نكفر كثيرا مِمَّن ذكرنَا وَلَا نفسق كثيرا مِنْهُم بل نتولى جَمِيعهم حاشا من أَجمعت الْأمة على تكفيره مِنْهُم فَإنَّا تركناهم لأحد وَجْهَيْن إما لجهلهم بحدود الْفتيا والْحَدِيث والْآثَار وإما لفسق ثَبت عَن بَعضهم فِي أَفعاله ومجونه فَقَط كَمَا نَفْعل نَحن بِمن كَانَ قبلنَا من أهل نحلتنا جَاهِلا أَو مَاجِنًا وَلَا فرق وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
ولسنا نخرج من جملَة الْعلمَاء من ثبتَتْ عَدَالَته وبحثه عَن حُدُود الْفتيا وإن كَانَ مُخَالفا لنحلتنا بل نعتد بِخِلَافِهِ كَسَائِر الْعلمَاء وَلَا فرق كعمرو بن عبيد وَمُحَمّد بن إسحق وَقَتَادَة بن دعامة السدُوسِي وشبابة بن سوار وَالْحسن بن حييّ وَجَابِر بن زيد ونظرائهم وإن كَانَ فيهم القدري والشيعي والإباضي والمرجيء لأَنهم كَانُوا أهل علم وَفضل وَخير واجتهاد ﵏ وَغلط هَؤُلَاءِ بِمَا خالفونا فِيهِ كغلط سَائِر الْعلمَاء فِي التَّحْرِيم والتحليل وَلَا فرق
1 / 15
وإنما ندخل فِي هَذَا الْكتاب الإجماع التَّام الَّذِي لَا مُخَالف فِيهِ الْبَتَّةَ الَّذِي يعلم كَمَا يعلم أَن الصُّبْح فِي الْأَمْن وَالْخَوْف رَكْعَتَانِ وَأَن شهر رَمَضَان هُوَ الَّذِي بَين شَوَّال وَشَعْبَان وَأَن الَّذِي فِي الْمَصَاحِف هُوَ الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّد ﷺ وَأخْبر أَنه وَحي من الله وَأَن فِي خمس من الإبل شَاة وَنَحْو ذَلِك وَهِي ضَرُورَة تقع فِي نفس الباحث عَن الْخَبَر المشرف على وُجُوه نَقله إذا تتبعها الْمَرْء من نَفسه فِي كل مَا يمر بِهِ من أَحْوَال دُنْيَاهُ وَأهل زَمَانه وجده ثَابتا مُسْتَقرًّا فِي نَفسه (١) وَمَا توفيقنا إلا بِاللَّه
كتاب الطَّهَارَة
أَجمعت الْأمة على أَن اسْتِعْمَال المَاء الَّذِي لم يبل فِيهِ وَلَا كَانَ سُؤْر حَائِض وَلَا كَافِر وَلَا جنب وَلَا من شراب وَلَا من غير ذَلِك وَلَا سُؤْر حَيَوَان غير النَّاس وَغير مَا يُؤْكَل لَحْمه وَلَا خالطته نَجَاسَة وان لم تظهر فِيهِ أَو ظَهرت على اخْتلَافهمْ فِيمَا
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٧:
وقال ابن حزم أيضا في آخر كتابه (كتاب الإجماع): هذا كل ما كتبنا، فهو يقين لا شك فيه، مُتَيَقَّنٌ لا يَحِلُّ لِأَحدٍ خلافُه البتة
قلت (أي ابن تيمية):فقد اشترط في الإجماع ما يشترطه كثير من أهل الكلام والفقه كما تقدم:
وهو العلم بنفي الخلاف، وأن يكون العلم بالإجماع تواترا.
وجعل العلم بالإجماع من العلوم الضرورية، كالعلم بعلوم الأخبار المتواترة عند الأكثرين.
ومعلوم أن كثيرا من الإجماعات ⦗٢٨٨⦘ التي حكاها ليست قريبةً من هذا الوصف، فضلا عن أن تكون منه، فكيف وفيها ما فيه خلاف معروف! وفيها ما هو نفسه ينكر الإجماع فيه ويختار خلافَه من غير ظهورِ مخالف!.
1 / 16
ينجس من حَيَوَان أَو ميت وَلَا كَانَ آجنا متغيرا من ذَاته وان لم يكن من شَيْء حلّه ولا مات فِيهِ ضفدع ولا حوت وَلَا كَانَ فضل متوضئ من حدث أَو مغتسل من وَاجِب وَلَا اسْتعْمل بعد وَلَا تَوَضَّأت مِنْهُ امْرَأَة وَلَا تطهرت مِنْهُ وَلم يشمس وَلَا سخن وَلم يُؤْخَذ من بَحر وَلَا غصب وَلَا أَدخل فِيهِ الْقَائِم من نَومه يَده قبل أَن يغسلهَا ثَلَاثًا وَلَا حل فِيهِ شَيْء طَاهِر فخالطه غير تُرَاب عنصره فَظهر فِيهِ وَلَا بل فِيهِ خبز وَلَا توضأ فِيهِ وَلَا بِهِ انسان وَلَا اغْتسل وَلَا وضأ شَيْئا من أَعْضَائِهِ بِهِ فِيهِ الْوضُوء وَالْغسْل حلوا كَانَ أَو مرا أَو ملحا أَو زعاقا فَفرض على الصَّحِيح الَّذِي يجده وَيقدر على اسْتِعْمَاله مَا لم يكن بِحَضْرَتِهِ نَبِيذ وَهَذَا فِي المَاء غير الْجَارِي
فَأَما الْجَارِي فاتفقوا على جَوَاز اسْتِعْمَاله مَا لم تظهر فِيهِ نَجَاسَة (١)
وَاتَّفَقُوا أَن المَاء الراكد إذا كَانَ من الْكَثْرَة بِحَيْثُ إذا حرك وَسطه لم يَتَحَرَّك طرفاه وَلَا شَيْء مِنْهُمَا فانه لَا يُنجسهُ شَيْء إلا مَا غير لَونه أَو طعمه أَو رَائِحَته
وَأَجْمعُوا أَنه لَا يجوز وضوء بِشَيْء من الْمَائِعَات وَغَيرهَا حاشا المَاء والنبيذ (٢)
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٨
الشافعي في الجديد من قوليه، وأحد القولين في مذهب أحمد: أن الجاري كالراكد في اعتبار القلتين، فينجس ما دون القلتين بوقوع النجاسة فيه، وإن لم تظهر فيه.
(٢) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٨
قد قال: إنما نعني بقولنا العلماء من حُفظ عنه الفتيا.
وقال: وأجمعوا أنه لا يجوز التوضؤ بشيء من المائعات وغيرها، حاشا الماء والنبيذ.
قلت (أي ابن تيمية): وقد ذكر العلماء عن ابن أبي ليلى - وهو مِن أَجَلِّ من يحكي ابنُ حزمٍ قولَه - أنه يجزئ الوضوء بالمعتصَر، كماء الورد ونحوه، كما ذكروا ذلك عن الأصَمِّ، لكنَّ الأصَمَّ ليس مِمَّن يَعُدُّه ابنُ حزمٍ في الإجماع.
1 / 17
وَاخْتلفُوا هَل يُجزئ أَن يتَوَضَّأ الرجل وَالْمَرْأَة مَعًا أم لَا يُجزئ ذَلِك
وَاتَّفَقُوا فِي جَوَاز توضئ الرجلَيْن والمرأتين مَعًا
وَأَجْمعُوا أَن من تَوَضَّأ وتطهر بِالْمَاءِ كَمَا وَصفنَا وإن كَانَ بِحَضْرَتِهِ نَبِيذ تمر فقد أدّى ما عليه
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرِيض الَّذِي يتَأَذَّى بِالْمَاءِ وَلَا يجد المَاء مَعَ ذَلِك أَن التَّيَمُّم لَهُ بدل الْوضُوء وَالْغسْل
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُسَافِر سفرا تقصر فِيهِ الصَّلَاة إذا لم يقدر على مَاء أصلا وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ مَاء أصلا أَن لَهُ أَن يتَيَمَّم بدل الْوضُوء للصَّلَاة فَقَط
وَاتَّفَقُوا على أَن من غسل يَدَيْهِ ثلاثا ثمَّ مضمض ثَلَاثًا ثمَّ استنشق ثَلَاثًا ثمَّ استنثر ثَلَاثًا ثمَّ غسل وَجهه كُله على مَا نصفه بعد هَذَا وخلل شعره ولحيته بِالْمَاءِ وَغسل أُذُنَيْهِ باطنهما وظاهرهما وَجَمِيع شعره حَيْثُ انْتهى وَنوى الْوضُوء للصَّلَاة قبل دُخُوله فِيهِ وَمَعَ دُخُوله فِيهِ وسمى الله وَلم يقدم مُؤَخرا كَمَا ذكرنَا وَلَا فرق بَين غسل شَيْء من ذَلِك وَنقل المَاء بِيَدِهِ إلى جَمِيع الْأَعْضَاء الَّتِي ذكرنَا محددا لكل عُضْو مِنْهَا أَنه قد أدّى مَا عَلَيْهِ فِي الأعضاء الْمَذْكُورَة
وَاتَّفَقُوا على أَن من غسل الْوَجْه من أصل منابت الشّعْر فِي الحاجبين إلى أصُول الأذنين إلى آخر الذقن فرض على من لَا لحية لَهُ
وَاتَّفَقُوا على أَن من عَلَيْهِ غسل من ذَوي اللحى وَجهه من أصُول منابت الشّعْر فِي أَعلَى الْجَبْهَة فَكَمَا ذكرنَا فِيمَن لَا لحية لَهُ وخلل جَمِيع لحيته بِالْمَاءِ وَأمر المَاء على جَمِيعهَا حَيْثُ بلغت وَغسل بَاطِن أُذُنَيْهِ وظاهرهما أَنه قد غسل وَجهه وَأدّى مَا عَلَيْهِ فِيهِ
وَاتَّفَقُوا أَن غسل الذراعين إلى مشد الْمرْفقين فرض فِي الْوضُوء (١)
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٨
قال ابن حزم: واتفقوا على أن غسلَ الذراعين إلى منتهى المرفقين فرضٌ في الوضوء.
قلت (أي ابن تيمية): وزفر يخالف في وجوب غسل المرفقين، وحُكي ذلك عن داود وبعضِ المالكية، اللهم إلا أن يعني بمنتهى المرفقين منتهاهما من جهة الكف.
1 / 18
وَاتَّفَقُوا على أَنه إن غسلهمَا وَغسل مرفقيه وخلل أَصَابِعه بِالْمَاءِ وَمَا تَحت الْخَاتم فقد تمّ مَا عَلَيْهِ فِي الذراعين
وَاتَّفَقُوا أَن مسح بعض الرَّأْس بِالْمَاءِ غير معِين لذَلِك الْبَعْض فرض
وَاتَّفَقُوا أَن من مسح جَمِيع رَأسه فَأقبل وَأدبر وَمسح أُذُنَيْهِ وَجَمِيع شعره فقد أدّى مَا عَلَيْهِ
وَاتَّفَقُوا أَن إمساس الرجلَيْن المكشوفتين المَاء لمن تَوَضَّأ فرض وَاخْتلفُوا أتمسح أم تغسل
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوضُوء مرّة مرّة مسبغة فِي الْوَجْه والذراعين وَالرّجلَيْنِ يُجزئ وَاتَّفَقُوا على أَن الزِّيَادَة على الثَّلَاث لَا معنى لَهَا
وَاتَّفَقُوا على أَن إمساس الْجلد كُله وَالرَّأْس فِي الْغسْل مِمَّا يُوجب الْغسْل على اخْتلَافهمْ فِيمَا يُوجِبهُ بِالْمَاءِ على مَا ذكرنَا اتِّفَاقهم على إيجاب الْوضُوء عَلَيْهِ وبتلك الصّفة من المَاء فرض ثمَّ اخْتلفُوا أبدلك أم بصب أَو غمس
وَاتَّفَقُوا أَن من اغْتسل لأمر يُوجب الْغسْل فَتَوَضَّأ على حسب مَا ذكرنَا من الْوضُوء الَّذِي ذكرنَا الِاتِّفَاق على أَنه يُجزئ ثمَّ صب المَاء الَّذِي ذكرنَا أَنه يُجزئ على جَمِيع جسده وَرَأسه وأصول شعر ودلك كل ذَلِك أَوله عَن آخِره وَلم يتْرك من كل ذَلِك مَكَان شَعْرَة فَمَا فَوْقهَا وَلم يحدث شَيْئا ينْقض الْوضُوء قبل تَمام جَمِيع غسله وَنوى الْغسْل لما أوجب عَلَيْهِ فقد أَجزَأَهُ
وَاتَّفَقُوا على أن المَاء الَّذِي حلت فِيهِ نجاسة فأحالت لَونه أَو طعمه فان شربه لغير ضَرُورَة وَالطَّهَارَة بِهِ على كل حَال لَا يجوز سيء من ذَلِك على عَظِيم اخْتلَافهمْ فِي النَّجَاسَات
وَاتَّفَقُوا على أَن بَوْل ابْن آدم إذا كَانَ كثيرا وَلم يكن كوؤس الإبر وغائطه نجس وَاتَّفَقُوا على أَن الْكثير من الدَّم أَي دم كَانَ حاشا دم السّمك وَمَا لَا يسيل دَمه نجس
وَاخْتلفُوا فِي حد الْكثير من الظفر إلى نصف الثَّوْب
وَاتَّفَقُوا على أَن أكل النَّجَاسَة وشربها حرَام حاشا النَّبِيذ الْمُسكر
1 / 19
وَاتَّفَقُوا على أَن مَا لم يكن بولا وَلَا رجيعا حاشا مَا خرج من برغوث أَو نحل أَو ذُبَاب وَلَا خمرًا وَلَا مَا تولد مِنْهَا ولامسه وَلَا مَا أَخذ مِنْهَا وَلَا مَا أَخذ من حَيّ حاشا الصُّوف والوبر وَالشعر مِمَّا يُؤْكَل لَحْمه وَلَا كَلْبا وَلَا حَيَوَانا لَا يُؤْكَل لَحْمه من سبع أَو غَيره وَلَا لعاب مَا لَا يُؤْكَل وَلَا صديدا ولا قيئا ولا قيحا ولا دما ولا بصاقا ولا مخاطا ولا قلسا وَلَا مَا مَسّه شَيْء من كل مَا ذكرنَا فانه طَاهِر
وَاتَّفَقُوا على أَن الاستنجاء بِالْحِجَارَةِ وَبِكُل طَاهِر مَا لم يكن طَعَاما أَو رجيعا أَو نجسا أَو جلدا أَو عظما أَو فحما أَو حممة جَائِز (١)
وَاتَّفَقُوا على أَن كل من صلى قبل تَمام فرض وضوئِهِ أَو تيَمّمه إن كَانَ من أهل التَّيَمُّم أَن صلَاته بَاطِلَة نَاسِيا كَانَ أَو عَامِدًا إذ أسقط عضوا كَامِلا
وَاخْتلفُوا فِيمَن أسقط بعض عُضْو نَاسِيا أينصرف من صلَاته ويقضيها أم لَا
وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَوْل من غير المستنكح بِهِ وَأَن الفسو والضراط إذا خرج كل ذَلِك من الدبر وَأَن إيلاج الذّكر فِي فرج الْمَرْأَة بِاخْتِيَار المولج ينْقض الْوضُوء بنسيان كَانَ ذَلِك أَو بعمد وَكَذَلِكَ ذهَاب الْعقل بسكر أَو إغماء أَو جُنُون
وَاتَّفَقُوا على أَن مَا عدا مَا ذكرنَا وَمَا عدا مس الْمَرْأَة الرجل وَالرجل الْمَرْأَة بِأَيّ عُضْو تماسا وكيفما تماسا وَمَا عدا مس الْفرج والدبر وَالذكر والإبط وَمَسّ الصَّلِيب وَمَسّ الإبط والأوثان والكلمة القبيحة ونظرة الشَّهْوَة وَخُرُوج الدَّم حَيْثُمَا خرج وَذبح الْحَيَوَان وَمَاء الْمدَّة والقيئ والقلس والقيح وَقلع الضرس وإنشاد الشّعْر والضحك فِي الصَّلَاة وقرقرة الْبَطن فِي الصَّلَاة وَأكل مَا مست النَّار أَو شربه
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٨:
في جواز الاستجمار بغير الأحجار قولان معروفان، هما روايتان عن أحمد: إحداهما: لا يجزئ إلا بالحجر، وهي اختيار أبي ⦗٢٨٩⦘ بكر بن المنذر، وأبي بكر عبد العزيز.
1 / 20
وَلُحُوم الإبل وكل شَيْء مِنْهَا وَالنَّوْم والمذي والودي أَو لمسا على ثوب أَو غير ثوب لشَهْوَة أَو شَيْئا خرج من أحد المخرجين من دود أَو حَصى أَو غير ذَلِك أَو شَيْء قطر فيهمَا أَو أَدخل أَو رجيعا أَو بولا أَو منيا خرج من غير مخرجه الْمَعْهُود أَو حلق شعره أَو قصّ ظفر أَو خلع خف مسح عَلَيْهِ أَو عِمَامَة كَذَلِك أَو كلمة عوراء أَو أَذَى مُسلم أَو حمل ميت أَو وَطْء نَجَاسَة رطبَة فانه لَا يُوجب وضُوءًا
وَاتَّفَقُوا على أَن خُرُوج الْجَنَابَة فِي نوم أَو يقظة من الذّكر بلذة لغير مغلوب باستنكاح أَو مَضْرُوب وَقبل أَن يغْتَسل للجنابة فانه يوجب غسل جَمِيع الرَّأْس والجسد
وَاتَّفَقُوا على أَن الدَّم الْأسود الْخَارِج فِي أَيَّام الْحيض من فرج الْمَرْأَة الَّتِي من كَانَت فِي مثل مِنْهَا حَاضَت يُوجب الْغسْل على الْمَرْأَة
وَاتَّفَقُوا على أَن مَا عدا الإمنَاء والإيلاج فِي فرج أَو دبر من انسي أو بَهِيمَة وَمَسّ الإبط والاستحداد وَدخُول الْحمام وَدخُول الْمَنِيّ فِي فرج الْمَرْأَة أَو خُرُوجه من فرجهَا بعد وُقُوعه والإمذاء وَالْحيض والاستحاضة وَالدَّم كُله والصفرة والكدرة وَالْحَدَث فِي تضاعيف الْغسْل قبل تَمَامه مِمَّا لَو كَانَ فِي غير غسل لنقض الْوضُوء فَقَط والحجامة والإسلام وَغسل الْمَيِّت ومواراته والإحرام وَيَوْم الْجُمُعَة لا يوجب غسلا
وَاتَّفَقُوا على أَن المَاء الَّذِي وَصفنَا فِي أول هَذَا الْبَاب إذا جمع تِلْكَ الصِّفَات وَلم يكن راكدا فان الْغسْل بِهِ جَائِز
وَاتَّفَقُوا أَن من وطئ مرَارًا امْرَأَة وَاحِدَة فَغسل وَاحِد يُجزئهُ
وَاتَّفَقُوا إن اجْتمع عَلَيْهِ أمران كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجب الْغسْل فاغتسل لكل وَاحِد مِنْهُمَا غسلا ينويه بِهِ ثمَّ للْآخر مِنْهُمَا كَذَلِك أَنه قد طهر وَأدّى مَا عَلَيْهِ بِخِلَاف قَوْلهم فِي الأحداث الْمُخْتَلفَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْغسْل فِي الإجناب من الزِّنَا وَاجِب كوجوبه من وَطْء الْحَلَال
وَاتَّفَقُوا على أَن من احْتَلَمَ فَرَأى المَاء من الرِّجَال وَالنِّسَاء أَو حَاضَت من النِّسَاء بعد أَن تتجاوز خَمْسَة عشر ويستكملا فِي قدهما سِتَّة أشبار وهما عاقلان فقد لزمتهما
1 / 21
الأحكام وَجَرت عَلَيْهِمَا إن كَانَا مُسلمين الْحُدُود ولزمتهما الْفَرَائِض وَأَنه بُلُوغ صَحِيح
وَأَجْمعُوا أَن من تجَاوز تسع عشرَة سنة من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَهُوَ عَاقل وَلم يَحْتَلِم وَلَا حَاضَت فإنهما بالغان بلوغا صَحِيحا
وَأَجْمعُوا أَن الْمُسَافِر سفرا يكون ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا وَلَا يجد مَاء وَلَا نبيذا فان التَّيَمُّم لَهُ بِالتُّرَابِ الطَّاهِر جَائِز فِي الْوضُوء للصَّلَاة الْفَرِيضَة خَاصَّة
وَأَجْمعُوا أَنه إن تيَمّم لكل صَلَاة فقد صلاهَا بِطَهَارَة
وَأَجْمعُوا أَن الْمَرِيض الَّذِي يُؤْذِيه المَاء وَلَا يجده مَعَ ذَلِك أَن لَهُ التَّيَمُّم
وَاخْتلفُوا فِي أَن من تَوَضَّأ فَلهُ أَن يُصَلِّي مَا لم ينْتَقض وضوؤه فروينا عَن إبراهيم النَّخعِيّ أَنه لَا يُصَلِّي بِوضُوء وَاحِد أَكثر من خمس صلوَات وروينا عَن عبيد بن عُمَيْر الْوضُوء لكل صَلَاة وَاحْتج بِالْآيَةِ
وَأَجْمعُوا أَن مسح بعض الْوَجْه غير معِين وَبَعض الْكَفَّيْنِ كَذَلِك بضربة وَاحِدَة فِي التَّيَمُّم فرض
وَأَجْمعُوا أَن من مسح جَمِيع وَجهه وخلل لحيته فِي التَّيَمُّم بِتُرَاب لم يزل من أرضه وَذَلِكَ التُّرَاب طَاهِر وَمسح جَمِيع بدنه وذراعيه وعضديه إلى مَنْكِبَيْه وخلل أَصَابِعه بضربة وَاحِدَة ثمَّ أعَاد مسح الْوَجْه والذراعين كَذَلِك بضربة أُخْرَى من التُّرَاب فقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَاخْتلفُوا فِي تَقْدِيم الْوَجْه على الْيَدَيْنِ بِمَا لَا سَبِيل إلى جمعه
واختلفوا أيمس الْمُتَيَمم الْمُصحف ويؤم الْمُتَوَضِّئ أم لَا وَهل يتَيَمَّم بِتُرَاب نجس أم لَا
وَاتَّفَقُوا إن تيَمّم كَمَا ذكرنَا بعد دُخُول الْوَقْت وَطلب المَاء فَلهُ أَن يُصَلِّي صَلَاة وَاحِدَة وَاخْتلفُوا فِي أَكثر وَفِي النَّافِلَة وفيمن يتَيَمَّم قبل الْوَقْت ليَكُون على طَهَارَة أَن لَهُ أَن يُصَلِّي بِمَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل حاشا الْخلاف الَّذِي ذكرنَا
واتفقوا أن من اجْتمع عَلَيْهِ غسلان كحائض أجنبت أَو نَحْو ذَلِك فاغتسل أَو اغْتَسَلت غسلين فقد أديا مَا عَلَيْهِمَا
وَأَجْمعُوا أَن من أَيقَن بِالْحَدَثِ وَشك فِي الْوضُوء أَو أَيقَن أَنه لم يتَوَضَّأ
1 / 22
فَإِن الْوضُوء عَلَيْهِ وَاجِب
وَاتَّفَقُوا أَن لحم الْميتَة وشحمها وودكها وغضروفها ومخها وَأَن لحم الْخِنْزِير وشحمه وودكه وغضروفه ومخه وعصبه حرَام كُله وكل ذَلِك نجس
وَاتَّفَقُوا أَن مَا عدا التُّرَاب والرمل وَالْحِجَارَة والجدران والأرض كلهَا والمعادن والثلج والنبات لَا يجوز التَّيَمُّم بِهِ
وَاتَّفَقُوا أَن جلد مَا يُؤْكَل لَحْمه إذا ذكي طَاهِر جَائِز استعماله وَبيعه
واجمعوا على أَن جلد الإنسان لا يحل سلخه وَلَا اسْتِعْمَاله
وَاتَّفَقُوا أَن كل إناء مَا لم يكن فضَّة وَلَا ذَهَبا وَلَا صفرا وَلَا نُحَاسا وَلَا رصاصا وَلَا مَغْصُوبًا وَلَا إناء كتابي وَلَا جلد ميتَة وَلَا جلد مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه وإن ذكي فان الْوضُوء مِنْهُ والأكل وَالشرب جَائِز (١)
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحيض لَا يكون أَزِيد من سَبْعَة عشر يَوْمًا ذكر احْمَد وَغَيره أَنهم سمعُوا ذَلِك فِي نسَاء الْمَاجشون وَغَيرهم
وَاتَّفَقُوا على أَن الدَّم الأسود المحتوم حيض فصيح إذا ظهر فِي أَيَّام الْحيض وَلم يتَجَاوَز سَبْعَة أَيَّام وَلم ينقص من ثَلَاثَة أَيَّام
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة إذا وضعت آخر ولد فِي بَطنهَا فان ذَلِك الدَّم الظَّاهِر مِنْهَا بعد خُرُوج ذَلِك الْوَلَد الآخر دم نِفَاس لَا شكّ فِيهِ تجتنب فِيهِ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْوَطْء
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَائِض لَا تصلي وَلَا تَصُوم أَيَّام حَيْضهَا وَلَا يَطَؤُهَا زَوجهَا فِي فرجهَا وَلَا فِي دبرهَا واتفقوا أن لَهُ مؤاكلتها ومشاربتها
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٩:
الآنية الثمينة التي تكون أغلى من الذهب والفضة - كالياقوت ونحوه - فيها قولان للشافعي. وفي مذهب مالك قولان.
1 / 23
وَاتَّفَقُوا أَن دم النّفاس إذا دَامَ سَبْعَة أَيَّام فَهُوَ نِفَاس تجتنب بِهِ مَا ذكرنَا
وَاتَّفَقُوا أَنه إن اتَّصل أَزِيد من خَمْسَة وَسبعين يَوْمًا فَلَيْسَ دم نِفَاس
وَاتَّفَقُوا أَن الْقِصَّة الْبَيْضَاء الْمُتَّصِلَة شهرا غير يَوْم طهر صَحِيح
وَاتَّفَقُوا على أَن من وطئ من بز الدَّم الأسود مَا بَين ثَلَاثَة أَيَّام إلى سَبْعَة أيام فِي أَيَّام الْحيض المعهود ولم تَرَ بعد ذَلِك شَيْئا غَيره فقد وطئ حَرَامًا
وَاتَّفَقُوا أَن من لا ترى دَمًا ولا كدرة ولا صفرة ولا استحاضة ولا غير ذَلِك بعد أَن تَغْتَسِل كلهَا بِالْمَاءِ فوطؤها حَلَال لمن هِيَ فرَاش لَهُ مَا لم يكن هُنَالك مَانع من صَوْم أَو اعْتِكَاف أَو إحرام أَو ظِهَار
وأجمعوا أن الْحَائِض إذا رَأَتْ الطُّهْر مَا لم تغسل فرجهَا أَو تتوضأ فوطؤها حرَام (١)
واجمعوا أَن من غسل أثر الْكَلْب وَالْخِنْزِير والهر سبع مَرَّات بِالْمَاءِ وَالثَّامِنَة بِالتُّرَابِ فقد طهر
وَأَجْمعُوا أَن من غسل مَوضِع النَّجَاسَات مُتبعا بِالْمَاءِ حَتَّى لَا يبْقى لَهَا أثر وَلَا ريح فقد أنقى وطهر وَاتَّفَقُوا أَن من غسل أثر السنور فقد طهر
كتاب الصَّلَاة
اتَّفقُوا على أَن الصَّلَوَات الْخمس فَرَائض
وَاتَّفَقُوا على أَن صَلَاة الصُّبْح للخائف والآمن رَكْعَتَانِ فِي السّفر والحضر
وعَلى أَن صَلَاة الْمغرب للخائف والآمن فِي السّفر والحضر ثَلَاث رَكْعَات
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٩:
أبو حنيفة يقول: إذا انقطع دمها لأكثرِ الحيض، أو مرَّ عليها وقت صلاةٍ جازَ وطؤُها وإن لم تغتسل ولم تتوضأ ولم تغسل فرجها.
1 / 24
وَاتَّفَقُوا على أَن صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء للمقيم الآمن أَربع رَكْعَات
وَاتَّفَقُوا على أَن من حج أو اعْتَمر أو جَاهد الْمُشْركين أَو كَانَت مُدَّة سَفَره ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا فصلى الظّهْر وَالْعصر رَكْعَتَيْنِ فقد أدّى مَا عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِي الْعَتَمَة روينَا عَن ابْن عَبَّاس فِي حَدِيث شعبه ما يدل على انه كَانَ لَا يقصرها
وَلم يتفقوا فِي أقل صَلَاة الْخَوْف على شَيْء يُمكن ضَبطه لَان جمَاعَة من التَّابِعين يرَوْنَ الْفَرْض فِي صَلَاة الْخَوْف يُجزئ بتكبيرة وَاحِدَة فَقَط وَأَبُو حنيفَة لَا يرى التَّكْبِير فرضا وان أقل فرض ذَلِك عِنْده رَكْعَتَانِ وان لم يكن فيهمَا تَكْبِير أصلا
وَاتَّفَقُوا أَن الصَّلَاة لَا تسْقط وَلَا يحل تَأْخِيرهَا عمدا عَن وَقتهَا عَن الْبَالِغ الْعَاقِل بِعُذْر أصلا وَأَنَّهَا تُؤدِّي على حسب طَاقَة الْمَرْء من جُلُوس أَو اضطجاع بإيماء أَو كَيْفَمَا أمكنه (١)
وَاتَّفَقُوا أَن من أدْرك الإمام وَقد رفع رَأسه من الرُّكُوع واعتدل وَرفع كل من وَرَاءه رؤوسهم واعتدلوا قيَاما فقد فَاتَتْهُ الرَّكْعَة وَأَنه لَا يعْتد بتينك السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أدْرك
وَاتَّفَقُوا أَن من جَاءَ والإمام قد مضى من صلَاته شَيْء قل أَو كثر وَلم يبْق إلا السَّلَام فانه مَأْمُور بِالدُّخُولِ مَعَه وموافقته على تِلْكَ الْحَال الَّتِي يجده عَلَيْهَا مَا لم يجْزم
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٩:
النزاع معروف في صور:
منها: حال المسايفة: فأبو حنيفة يوجب التأخير، وأحمد في إحدى الروايتين يجوزه. ومنها: المحبوس في مصر.
ومنها: عادم الماء والتراب: فمذهب أبي حنيفة، وأحدُ القولين في مذهب مالك أنه لا يصلي، رواه مَعنٌ عن مالك، وهو قول أصبغ، وحكي ذلك قولا للشافعي، ورواية عن أحمد.
وهؤلاء في الإعادة لهم قولان، هما روايتان في مذهب مالك وأحمد، والقضاء قول أبي حنيفة.
1 / 25