Risala Fi Bayan Kayfiyyat Intishar Adyan
رسالة في بيان كيفية انتشار الأديان
Noocyada
مطلب كيفية قيام اليهودية وانتشارها في الأرض
هذا، وحيث قد أتممنا الكلام على كيفية قيام كل من الشريعتين المحمدية والعيسوية على صاحبيها أكمل الصلاة والتحية، فلنتكلم قليلا عن قيام الشريعة الموسوية على صاحبها الصلاة والسلام إيفاء للوعد ورفعا لشبهة الضمائر وإظهارا للحق الصراح، فنقول إن مبدأ دعوة موسى الكليم عليه الصلاة والسلام كان في مصر، حيث كان قومه مستعبدين عند المصريين فلم يعارضه في دعوته وقتئذ أحد من قومه بسبب كونهم أبناء عائلة واحدة واقعين تحت ذل الأسر المهين، وإنما عارضه في ذلك فرعون وقومه الذين تحداهم بالمعجزات، فخشي فرعون منه أن تؤثر دعوته في أفكار العقلاء من قومه من المصريين فيتبعونه ويفسدون عليه ملكه، فجعل يحاول إيصال الأذى إلى موسى عليه السلام وقومه، فعندها أمره الله سبحانه وتعالى بالخروج بقومه من مصر إلى الأرض المقدسة، وكان من قصة الخروج إلى أن دخل أرض الميعاد ما كان مما هو مبسوط في محله ولا حاجة للكلام عليه.
وإجمال القول أن بني إسرائيل لما لم تكن لهم هناك أرض يسكنونها، والشعوب الساكنون في تلك الأرض يستحيل أن يشركوا في ملكهم هذا الشعب العظيم بدون مقاومة وقتال، خصوصا وأن بني إسرائيل كانوا عقب خلاصهم من الاستعباد وخروجهم من التيه في حالة الضنك الذي يخشى معه أن تتخطفهم الأمم المحاربة، لهذا شرع لهم الجهاد في شريعة موسى عليه السلام، لكن على وجه شديد كما مر عليك حفظا لجماعة الدين من التشتت وأهله من الافتراق، ودخل يومئذ بنو إسرائيل إلى الأرض المقدسة بقوة السيف، وتملكوا فيها ما تملكوه بعد جهاد طويل.
هذا، ودعوة موسى عليه الصلاة والسلام لم تتعد قومه ولم تنتشر شريعته بين الشعوب، وإنما اليهود أنفسهم هم الذين انتشروا وتفرقوا فيما بعد في الأرض، إلا أنهم كانوا غير مبالين إلى غير أبناء عنصرهم ليقوم منهم دعاة يدعون غيرهم إلى الدين، وكانوا مع تعززهم بشريعتهم أميل إلى كتمان تعاليمها منهم إلى إذاعتها بين الناس، لهذا السبب صح اعتبار الشريعة الموسوية شريعة خاصة قامت بقيام بني إسرائيل ونهوضهم للخلاص من أسر المصريين كما يظهر ذلك من سياق قصة موسى عليه الصلاة والسلام ، سواء في الكتب الدينية أو التواريخ فلا حاجة للتطويل في هذا البحث الجليل، وفيما مر جميعه كفاية تقنع ذوي العقول السليمة الذين لا يماحكون في الحق.
والله سبحانه وتعالى مفرق الأديان وله الحكمة البالغة في كل عمل وشان.
انتهت هذه الرسالة في 25 محرم الحرام سنة 1313 هجرية
تنبيه
إذا رأى حضرة مناظري الأديب «ر. ن» في رسالتي هذه محلا للاعتراض، وأراد نشره سواء في جريدة الهلال أو غيرها فليتكرم ببيان اسمه الصريح؛ إذ شرط المناظر أن لا يكون مجهولا، وإلا فإني أكون معذورا إذا لم أتصد للدخول معه في باب المناظرة بعد، وإن دخلته في جريدة الهلال لأسباب ما إخال أن حضرته يجهلها، وأما الآن وقد وضح الصبح للعيان فلا حاجة للإخلال بذلك الشرط، كما لا داعي يدعو المناظر في الحق إلى التستر ما دام أن كلينا يسعى وراء الحقائق، والباحث فيها لا يستغني عن التنبيه والعصمة لله وحده.
غب إتمام هذه الرسالة اطلع عليها حضرة العلامة الفاضل السيد الشريف محمد أفندي الحريري المفتي بحماة الشام حالا، فتفضل حفظه الله بتقريظها بالأبيات الآتية:
من بني العظم عمدة الأعيان
Bog aan la aqoon