Risala fi al-Kalam 'ala Ahkam Khabar al-Wahid wa-Shara'ituhu - Included in «Athar al-Mu'allimi»
رسالة في الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه - ضمن «آثار المعلمي»
Baare
محمد عزير شمس
Daabacaha
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٤ هـ
Noocyada
الرسالة الثانية
رسالة في الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه
19 / 121
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله حمدًا يوافي نِعمَه، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، وجدتُ كلام المتقدمين في أحكام الجرح والتعديل قليلًا ومنتشرًا، وكلام من بعدهم مختلفًا غير وافٍ بالتحقيق. ورأيت لبعض المتأخرين كلامًا حاد فيه عن الصواب، ويُسِّر لي في تحقيق بعض المسائل ما لم أعثر عليه في كتب القوم ــ والله المستعان ــ؛ فأردت أن أقيِّدَ ذلك، ثم رأيت أن أضمَّ إلى ذلك شيئًا من الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه، فجمعتُ هذه الرسالة، ورتبتُها على ثلاثة أبواب، ومِن الله تعالى أسأل الإعانة والتوفيق.
19 / 123
الباب الأول
في بعض ما يتعلق بخبر الواحد
وفيه فصول:
الفصل الأول
في وجوب العمل بخبر الواحد
هذا أمر مشروح في كتب أهل العلم، وإنما أنبه فيه على ما لم أقف عليه في كتبهم ابتداء، أو رأيتُه غير مستوفًى.
فأقول: أمر الله ﵎ بطاعة رسوله ﵌، والتحذير من معصيته في عدة آيات من كتابه:
منها قوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]. ولا مخالفَ في ذلك من الأمة، والعرب لا تفرِّق في إطلاق الطاعة والمعصية بين أن يَثبُتَ الأمر عند المأمور يقينًا وأن يثبت ظنًّا، بل كما يقولون لمن واجهه أبوه بالأمر فامتثل: إنه أطاع أباه، وإن لم يمتثل: إنه قد عصى أباه؛ فكذلك يقولون لمن بلغه من وجهٍ يُوثَق به أن أباه أمره، كمن أخبره رجل ثقة عن أبيه، أو ثقة عن ثقة عن أبيه.
وهذا أمر لا يجهله من يعرف لسان العرب، بل والأمر كذلك في سائر الألسنة.
فإذا ثبت هذا ثبت وجوبُ العملِ بخبر الواحد المفيد للظن، وأن من بلغه من وجهٍ يفيد الظن، إن امتثل فقد أطاع، وإلا فقد عصى.
19 / 124
حجة أخرى: قال الله ﵎: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: ١٠٥].
وواضح أن قوله: ﴿بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ معناه: بما عرَّفكه وفهَّمكه من الكتاب (^١).
وقد قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٧٩].
ونعت الله سبحانه التوراة بقوله: ﴿تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٤، الأعراف: ١٤٥]، ثم أنزل القرآن مهيمنًا على ما قبله.
وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩].
وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥].
[ص ٢] وكل من له حظٌّ من العلم، يعلم أنه لا يمكن العالمَ أن يعرف من القرآن وحده، أو منه ومن السنن المتواترة جميع الأحكام التي يحتاج إليها الناس فيما يشجر بينهم، ويختلفون فيه، ويريدون العمل به.
وعُلِم كذلك أن محمدًا ﵌ خاتم الأنبياء، وشريعتهُ خالدةٌ إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى لا يُخلِي الأرضَ عن الحجة (^٢). وقد قال تعالى:
_________
(^١) انظر: "تفسير القرطبي" (٥/ ٣٢١).
(^٢) يريد علماء أهل السنة من قولهم: إن الله لا يُخلي الأرض عن الحجة، أو عن القائم لله بالحجة: أهلَ الحق القائمين بكتاب الله، ولا يخلو منهم زمان كما ورد في أحاديث الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وتجديد أمر الدين على رأس كل مئة عام، خلافًا لما يدعيه أهل البدع من الرافضة وغيرهم. "فتح الباري" (٦/ ٤٩٤)، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (٢٥/ ١٣٠)، "إعلام الموقعين" (٢/ ٢٧٦).
19 / 125
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر: ٩]، والذكر يشمل أحكام النبي ﵌، إن لم يكن بلفظه فبمعناه، لأن المقصود من حفظ القرآن هو أن تبقى الحجة قائمة إلى يوم القيامة، وأحكامه ﵌ مما يُحتاج إليه في قيام الحجة في فروع الشريعة.
وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] (^١). فاحتج بالآية على أنه لا يمكن أن يُلْصَقَ بالشريعة ما ليس منها، بحيث لا يتيسر لعالم بيانُ أنه ليس منها. فكذلك يُحتجُّ بها على أنه لا يمكن أن يسقط من الشريعة شيء، بحيث لا يبقى لعالمٍ طريقٌ إلى إثبات أنه منها (^٢).
فنحن نسأل المخالف أو المرتاب: هل كانت جميع الأحكام التي حكم بها النبي ﵌ مما ليس بظاهر لنا من القرآن خاصةً بأصحابه، أم عامةً لهم ولمن بعدهم؟
فإن قال: خاصة، فقد كابر وجحد ما هو معلوم من الإسلام بالضرورة.
وإن قال: ما ثبت ثبوتًا قطعيًّا فهو لازم لمن بعد الصحابة، وما لم يثبت
_________
(^١) "الكفاية" (ص ٧٧)، "فتح المغيث" (١/ ٢٦٠).
(^٢) انظر في هذا الوجه من الاستدلال: "الإحكام" (٣/ ٧٤٦)، "الموافقات" (٢/ ٥٩).
19 / 126
كذلك فليس بلازم، سألناه عمَّا لم يثبت قطعًا: أمقطوعٌ عنده بكذبٍ كلُّ ما رُوِي من ذلك؟
فإن قال: نعم، كابر.
وإن قال: لا، بل منه ما هو صحيح في نفس الأمر.
قلنا: فما كان منه صحيحًا في نفس الأمر، هل كان من الشريعة في حق الصحابة الذين ثبت عندهم قطعًا لسماعهم من النبي ﵌ مواجهةً، وفي حق من تواتر عنده من التابعين، أو قَطَعَ بصحته لقرائنَ اقترنت بالخبر عنده؟
فإن قال: لا، كابر.
وإن قال: نعم.
قلنا: فهذه الأمور التي كانت من الشريعة لو لم تبقَ الآن من الشريعة لكانت الشريعة الآن ناقصة، ولكانت الحجة مفقودة في كثير من الأحكام التي يحتاج إليها الناس، وذلك خلاف وعد الله ﵎، وخلاف حكمته في ختم النبوة، وغير ذلك.
فإن قال: فما تقولون أنتم في الأحاديث الضعيفة؟
قلنا: ما كان ضعيفًا اتفاقًا وانفرد بأمر ليس عليه دليلٌ آخر تقوم به الحجة فذاك الضعيف باطلٌ قطعًا، وأحسن أحواله أن يكون: كان شيءٌ فَنُسِخَ؛ لأن ما تكفَّلَ به الرب ﷿ من حفظ الشريعة إنما يحصل المقصود منه بحفظ أحكامها حفظًا تقوم به الحجة، والضعيف لا تقوم به الحجة. وقد أوضحتُ هذا في رسالة "الكلام في العمل بالضعيف" (^١)، فليُطلَب تمامُه من هناك.
_________
(^١) ضمن "مجموع الرسائل الحديثية" (ص ١٥١ - ٢١٣).
19 / 127
حجة ثالثة:
قال الله ﵎: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: ٦٧] (^١).
وقد تواتر تواترًا معنويًّا أن النبي ﵌ كان يكتفي في كثير من الأحكام بإخبار الواحد أو الاثنين، فلو كان خبر الواحد لا تقوم به الحجة لما حصل به مقصود التبليغ، إذ المقصود تبليغ يتيسَّرُ علم الناس به، ويُبلِّغه الحاضرُ الغائبَ، ثم يتناقله الناس إلى يوم القيامة؛ لما تقدم (^٢). ولو كان كذلك (^٣) لما اكتفى ﵌ بذلك، ولا أقرَّه ربه ﷿ عليه.
فإن قيل: فإن الذي سمع ذلك إن كان واحدًا أو اثنين قد يموت قبل أن يُخبر غيره، وقد ينسى، وقد يرتدُّ أو يَفسُق، فكيف يكتفي النبي ﵌ بإخباره؟
[ص ٣] فالجواب: أنه ﵌ كان يعلم أن ربه ﷿ حافظ له، وحافظ لدينه، وأنه إن علم ﷿ من ذلك الرجل الذي بلَّغه شيئًا مما مرَّ لنبَّه سبحانه نبيَّه، وهداه إلى تبليغ غيره ممن يعلم أنه سيبلِّغ مَن بعده على وجهٍ تقوم به الحجة.
_________
(^١) في المخطوط: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ فا﴾ وترك بعده بياض.
(^٢) انظر في هذا الوجه من الاستدلال: "قواطع الأدلة" (١/ ٣٢٢)، "رفع الحاجب" (٢/ ٣٣٨).
(^٣) أي: ولو كان خبر الواحد لا تقوم به الحجة.
19 / 128
هذا، وفي كتب أهل العلم حجج كثيرة في هذه المسألة، وإنما نبَّهتُ على ما لا أعلمه في كتبهم مشروحًا، كما سلف، والله الموفق (^١).
فإن فُرِض أنه ليس في الحجج على وجوب العمل بخبر الواحد ما يفيد القطعَ بمفردها، فلا ريب أنها باجتماعها تفيد القطع، كما حققه الشاطبي في "الموافقات" (^٢).
شبهة المخالف:
ذكروا أن بعض من خالف في هذا زعم أن العقل لا يُجوِّز أن يتعبد الله ﷿ عباده بخبر الواحد.
وظهور بطلان هذا أغناني عن البحث عن توجيه هذا القول، إلا أنه يخطر لي أن وجهه: أن الخبر قد يكون باطلًا، بأن يكون الراوي غلِطَ، أو يكون بخلاف ما ظهر لنا من ثقته فكذبَ، وإذا احتمل البطلان كان التعبد به في صورة بطلانه تعبدًا بالباطل، وذلك محال على الله ﷿.
والجواب عن هذه الشبهة وغيرها: أنها في معارضة ما ثبت قطعًا، فلا يُعتدُّ بها، وإن كانت قد تُشكِّك الناظر حتى يكاد يرتاب في أن تلك الحجج تفيد القطع، فإن هذا شأن الشُّبه، كما رأينا السوفسطائية يثيرون شبهًا على
_________
(^١) انظر في أدلة حجية خبر الواحد: "الرسالة" (٣٨٣)، "الإحكام" لابن حزم (١/ ١١٢)، "البرهان" (١/ ٣٨٨)، "أصول السرخسي" (١/ ٤٩٠)، "المحصول" لابن العربي (٥٤٣)؛ "التحبير شرح التحرير" (٤/ ١٨٠١).
(^٢) (١/ ٢٩، ٣٠) ط. مشهور.
19 / 129
المحسوسات والمعقولات الأولية وغيرها مما هو من أجلى القطعيات، فإذا سمع الناظر تلك الشبهات تزلزلَ اعتقادُه قطعيةَ تلك القطعيات أو كاد يتزلزل. ولهذا كان حكماء الأئمة من سلف الأمة يتجنبون سماع الشبهات، وينهون الناس عن مخالطة أهلها وسماع كلامهم.
وحلُّ هذه الشبهة أن من أصل المخالف وغيره من مثبتي الحكمة: أنه لا يُعتدُّ بالشر القليل الناشئ عما ينشأ عنه الخير الكثير، ولا تُترك المصلحة الكبرى لانطوائها على مفسدة صغرى.
فالتعبد بخبر الواحد ــ بشرطه ــ فيه خير كثير ومصالح عظمى، فلا ينظر إلى احتمال أن يكون في بعض الجزئيات باطلًا. وأمثلة ذلك في خلق الله ﷿ معروفة مشهورة. وقد قال تعالى: ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]. وكذلك له أمثلة فيما اتفق عليه من أمره سبحانه، وهو الشريعة، كالتعبد بما يظهر للعالم من دلالة القرآن، وتعبُّدِ القاضي بأن يحكم بالاعتراف وشهادةِ عدلين، والتعبد بركوب البحر وغيره وإن احتمل أن يؤدي إلى الهلاك، وتعبُّدِ المرأة بتمكينها مَن عهدته زوجَها أو سيدَها، وإن احتمل أنه قد طلق أو أعتق، إلى غير ذلك.
ولو اشتُرِط في ذلك وأمثاله حصولُ القطع بالعلم اليقيني لفسدت الأرض، إلا أن يجعل الله ﷿ جميع بني آدم أنبياء يوحى إليهم في كل شيء، وذلك خلاف الحكمة في خلقهم، كما هو مقرر في موضعه.
على أننا لا نسلِّم أن العمل بخبر الواحد ــ الجامعِ للشروط ظاهرًا، الباطلِ باطنًا ــ ليس فيه مصلحة، بل فيه المصلحة العظمى، وهي طاعة الله
19 / 130
ورسوله، وذلك هو العبادة التي خلق الله الخلق لأجلها، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]. فلا يضرُّها احتمالُ أن يكون الخبر في نفس الأمر باطلًا.
أوَلا ترى أن المرأة إذا مكَّنتْ من عهدته زوجَها أو سيدَها امتثالًا لأمر الله ﷿، ثبت لها الأجر والثواب، حتى في صورة أن يكون ذلك البعل أو السيد لا يحلُّ لها في الباطن، كأن يكون قد طلق أو أعتق ولم تعلَمْ هي، وكأن يكون في نفس الأمر أخاها أو أباها أو ابنها وهي لا تعلم.
على أننا نقول: إن الله ﵎ رقيبٌ على كل حركة تقع في العالم، فيعدِل بقضائه وقدره ما عساه أن يقع من الخلل بسبب قواعد شريعته، وعلمه سبحانه محيط، وحكمته بالغة، وعلمنا وحكمتنا ناقصان محدودان، فإذا قامت الحجة الشرعية على شيء ولم نفهم وجه الحكمة فيه، أو رأينا أنه خلاف الحكمة فذلك ثمرة قصور علمنا، والله أعلم.
[ص ٤] شبهة أخرى:
زعموا أن بعض الظاهرية زعم أن العمل بخبر الواحد وإن لم يمنعه العقل، فقد منع منه الشرع؛ لأنه إنما يفيد الظن (^١)، وقد قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس: ٣٦] وما في معناها من الآيات.
وأجيب عنه بأجوبة:
منها: أن الظن في الآيتين هو الخرص، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا
_________
(^١) انظر لنفي نسبة هذا القول إلى الظاهرية ما سبق في (ص ٦٤ - ٦٥).
19 / 131
الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦]. وعلى ذلك يدُّل السياق في الآيتين، فإنهما في صدد إقامة الحجة على المشركين في قولهم: إن الملائكة بنات الله، وإنهن يشفعن عنده ويستحقِقْنَ العبادة. فإن هذا من الخرص الذي ينبني على خاطر تخيلي.
كمن يرى إنسانًا لم يره قبل ذلك، فيقع في نفسه أنه يريد به شرًّا، فإذا تدبَّر في سبب هذا الظن وجد أن قد كان ناله شرٌّ قبل مدة من إنسان يُشبِهه هذا في الصورة بعضَ الشبه، وإذا رجع إلى عقله علم أن مثل ذلك الشبه الصوري لا يلزم منه ما ظنه، وقد قال الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: ١٢].
ومنها: أن الظن هنا المراد به الظن المعارض لما هو أرجح منه، فإنَّ ظن المشركين الذي نعاه الله تعالى عليهم في الآيتين معارض للقواطع.
ومنها: أن المراد به الظن فيما لا يكفي فيه إلا القطع، كما في ظن المشركين المنْعِيِّ عليهم في الآيتين، فإنه في العقائد.
وقد يُنظر في هذه الأجوبة بأنها تقتضي تخصيصَ الظن ببعض صوره لخصوص السبب، والمقرر في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويجاب عن هذا بأن هذا من التخصيص بالسياق لا بالسبب، وعلى كلٍّ فدلالة العام ظنية، ولاسيما في مثل هذا. فيقال للمخالف: دلالة الآيتين على خصوص خبر الواحد ظنية، فالآيتان بعمومهما تقتضيان بطلانَ هذه الدلالة.
19 / 132
فإن قال: أما الدلالة الظنية من القرآن فقد قام الدليل على خروجها من ذلك العموم.
قلنا: وكذلك خبر الواحد قد ذكر أهل العلم عدة حجج على وجوب العمل به، وذكرنا بعض الحجج كما مر.
ومن الأجوبة: أن العمل بخبر الواحد ليس عملًا به من حيث هو خبر واحد، ولا من حيث إنه يفيد الظن، بل من حيث إن الشارع أمر بالعمل به، وذاك الأمر ثابت قطعًا بما ذكره أهل العلم من الحجج، وما قدّمتُه منها، فالعمل به اتباع للحق المقطوع به لا للظن.
وكذلك نقول في جميع الأدلة التي تفيد الظن وقام الدليل القاطع على وجوب العمل بها.
أوَلا ترى أنه إذا اعترف رجل بالغ عاقل مختار عند القاضي، ولم يكن هناك ما يدل على بطلان اعترافه ولا صحته، فقضى عليه بمجرد اعترافه؛ فقد قضى بما أنزل الله قطعًا؛ لأن وجوب الحكم بالاعتراف مقطوع به، وإن كان الاعتراف لا يفيد إلا الظن. وهكذا إذا قضى بشهادة شاهدين بشرطهما.
وعن ذلك صاروا إلى أن أصول الفقه قطعية، والأمر كذلك، إلا أن من الأصول ما يكون فرعًا لأصلٍ أعلى منه، فيكفي القطع للأصل الأعلى.
شبهة ثالثة:
عرف جماعة من العقلاء أن الطعن في وجوب العمل بخبر الواحد المستجمع للشروط مكابرة لا تُجدِي، فعدلوا إلى دعوى أن عامة الأخبار المروية عن النبي ﵌ بطرق الآحاد غير مستجمعةٍ للشروط.
19 / 133
فمن هؤلاء: كتّاب الإفرنج في العصور المتأخرة وأذنابهم.
وشبهتهم: أن المسلمين فشتْ فيهم من القرن الأول الأهواءُ السياسية، والحزبية، والمذهبية، والقومية، والوطنية، وغيرها. واستخدم كلٌّ منهم الأحاديث في ما يوافق هواه ويخالف خصمه، [ص ٥] وكان فيهم من يضع الأحاديث احتسابًا، ومن يضعها لنصرة الحق في زعمه، ومن يضعها لترغيب العامة، دَعْ وضع الزنادقة المتظاهرين بالإسلام والزهد والتقوى، الساعين سرًّا في هدم الإسلام وتشويهه.
والجواب عن هذه الشبهة: أنها بمنزلة من يقول: إن الناس قد أكثروا من صنع ما يُشبِه المسك والعنبر، وتفننوا في ذلك كثيرًا، فلم يبقَ وثوقٌ بوجود مسك وعنبر حقيقي، وكذلك السمن والعسل، وكذلك الذهب والجواهر الثمينة. ولو خالط أهل الخبرة، وأطال مِن صحبتهم، لعلم أن عندهم من العلم والمعرفة والخبرة الفنية ما يميِّزون به بين الحقيقي من تلك الأشياء وبين غيره.
ومن أدوى الأدواء في كتّاب الإفرنج أنهم يقيسون أئمة المسلمين على أنفسهم، فكما يعلمون من أنفسهم أنهم لا يُحجِمون عن الكذب والافتراء إذا كان وسيلةً إلى تحصيل أغراضهم؛ يظنون أن أئمة المسلمين كذلك.
ولم يعلموا أن في المسلمين الآن رجالًا ــ رغمًا عن بُعدِهم من العهد النبوي، وتقصيرهم في الواجبات، وركوبهم لكثير من المحرمات ــ لأن يُلقَى أحدهم هو وولده وأهله وقبيلته في النار أحبُّ إليه من أن يكذِب على رسول الله ﵌.
ومن ذاق طعم الإيمان، ومارس كتب الحديث والرجال، علم يقينًا أن في رجال الحديث عددًا لا يُحصى كانوا أحرصَ على الصدق منهم على الحياة،
19 / 134
وكانوا في البعد عن الكذب بحيث نرى أنه يستحيل عليهم أن يتعمَّدوه.
ومع ذلك، فإن أئمة الحديث كانوا لا يكادونَ يقنَعون بالعدالة الظاهرة حتى يسألوا عنه، ويتتبعوا سيرته. قال الحسن بن صالح (^١): [كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه حتى يقال لنا: أتريدون أن تزوِّجوه؟].
وإذا علموا حسن سيرته لم يكتفوا بذلك حتى يختبروا حديثه، فيسألونه عن الحديث مرة بعد أخرى. قال شعبة (^٢): [سمعت من طلحة بن مصرّف حديثًا واحدًا، وكنتُ كلما مررتُ به سألته عنه. فقيل له: لِمَ يا أبا بسطام؟ قال: أردتُ أن أنظر إلى حفظه، فإن غيَّر فيه شيئًا تركتُه].
ثم لا يكتفون بذلك حتى يعتبروا حديثه، فلا يعتمدونه حتى يجدوا أن غيره من الثقات قد روى عن شيخه مثل ما روى، أو أن غير شيخه قد روى عن شيخ شيخه كما روى.
ثم لا يَقْنَعون بذلك في حديث أو حديثين، بل لا يُقنِعهم منه إلا أن يكون ذلك في أحاديث كثيرة، بحيث يستقر في أنفسهم أن الصدق والضبط ملكة له.
على أن غالب الأحاديث الصحيحة طرقها متعددة.
ومنهم: بعض الفرق الغالية، كالخوارج والروافض، فإن هؤلاء يزعمون أن مخالفيهم كفَّار؛ فلا تقبل روايتهم.
والجواب عن هذا معروف.
_________
(^١) بعده بياض في الأصل، والنصّ في "الكفاية" (ص ٩٣).
(^٢) بعده بياض في الأصل. والنصّ في "الكفاية" (ص ١١٣).
19 / 135
ومنهم: أفراد من المعتزلة والجهمية، رأوا في الأحاديث ما يرد عليهم كثيرًا من آرائهم، ولم يقنعوا بما وافقهم عليه أهل الحديث من أن الحديث إذا خالف صريح العقل لا يقبل؛ لعلمهم بأن آراءهم التي تخالف السنن ليست مبنية على عقل صريح، بل ولا قريبٍ من الصراحة، وإنما هي شبهات مشكِّكة. فاحتاجوا إلى الطعن في الأحاديث، فعَمَدوا إلى الطعن في بعض الصحابة، ثم في أئمة الحديث، حتى حاول بعضهم الطعنَ في شعبة بأنه كثير الغلط، وفي حماد بن سلمة بأنه كان له ربيبٌ زنديق يدُسُّ في كتبه. وعَمَدوا إلى بعض الأحاديث التي ظاهرها الإشكال والتعارض، فجمعوها يشنِّعون بها على أهل الحديث.
وقد أجاب أهل الحديث عنها بأن منها ما لا يصح عندهم، فلا يحتاجون إلى الجواب عنه. [ص ٦] ومنها ما ليس بمشكل وإن استشكله أهل الأهواء، وأمثلته في كتاب الله تعالى موجودة، وباقيها يوجد في كتاب الله ﷿ نظيره في أنه يظهر أنه مشكل أو معارض لغيره مما يثبت، فيفسَّر بنحو ما تُفسَّر نظائره من القرآن، ولا يدل ذلك على عدم صحته.
وأسرف بعض الجهمية فوضع أحاديث باطلة، ورواها عن أهل الحديث لما أعجزه أن يجد في صحاح الأحاديث وفي مرويات الأثبات ما يُعلم بطلانه قطعًا. ومن وضع أهل الأهواء حديث: "إن الله تعالى خلق الفرس ثم أجراه حتى عرِقَ، فخلق سبحانه نفسه من ذلك العرق" (^١).
_________
(^١) وضعه محمد بن شجاع الثلجي، كما في "الكامل" لابن عدي (٦/ ٢٩١) و"الأسماء والصفات" للبيهقي (ص ٣٧٣) و"الموضوعات" لابن الجوزي (١/ ١٠٥) و"ميزان الاعتدال" (٣/ ٥٧٩). قال الحافظ في "اللسان" (٣/ ٩٦): حديث إجراء الخيل موضوع، وضعه بعض الزنادقة ليشنع به على أصحاب الحديث في روايتهم المستحيل، فحمله بعض مَن لا عقل له، ورواه، وهو مما يُقطع ببطلانه عقلًا وشرعًا.
19 / 136
ومنهم: بعض الغلاة في الرأي، حاولوا أن يثبتوا أن في الأحاديث التي يصححها أهل الحديث ما هو معارض للقرآن، أو معارض للقواعد الشرعية.
ولم يصنعوا شيئًا.
وبالجملة، فهذه الأقوال الأخيرة ليست طعنًا في حجية خبر الواحد من حيث هو، وإنما هي محاولة توهينه في الجملة، ليسهُلَ على أولئك المحاولين ردُّ ما يخالف أهواءهم.
وحقيقة الحال أنهم يحاولون أن يزيدوا في شروط قبول خبر الواحد.
وذلك أن من الشروط المتفق عليها: أن لا يخالف صريح المعقول. وأهل الأهواء يحاولون زيادة: أن لا يخالف ما زعم أئمتهم ــ كجهم، والجبائي، وابن سينا، وأضرابهم ــ أنه معقول. حتى يحاول الأشاعرة أن لا يخالف قول الأشعري، ولا قول الباقلاني، إلى غير ذلك. وجرى مثل ذلك للمقلدين في الفروع.
ومن الشروط المتفق عليها في الجملة: أن لا يخالف نصًّا قطعيًّا من كتاب الله ﷿. وبعض الفقهاء حاولوا توسيع دائرة القطعية في دلالة الكتاب، وللكلام معهم موضع آخر.
فأما النزاع في الجزئيات، كطعن بعض الجهمية في حماد بن سلمة؛ فليس هذا موضع الكلام فيه، ولكن هاهنا تنبيه كلي، وهو أن من هذا الضرب أن تكون أشعريًّا مثلًا، فتنظر في مسألة قد خُولِف فيها الأشاعرة، وأنت
19 / 137
تذهب إليها، وتجد مخالفيهم قد احتجوا بحديث، وأجاب بعض الأشاعرة بالطعن في بعض رواته، كحماد بن سلمة.
فحقُّك إن أردتَ الله والدار الآخرة أن تقوم للحق على نفسك، فتتدبر حجة الأشاعرة، فإذا وجدتها ليست بالقاطعة فرضتَ مسألة أخرى قد ذهب إليها الأشاعرة وخالفهم غيرهم، وليست حجة الأشاعرة بالقاطعة، ولكنهم احتجوا بحديث، فنظرتَ في رواية ذلك الحديث، فإذا هو من رواية ذلك الرجل أو مثله. ثم وازِنْ بين حالَيْك: حالك وأنت تنظر في حال ذلك الرجل بسبب روايته الحديث المخالف للأشاعرة، وحالك وأنت تنظر في حاله أو في حال نظيره بسبب روايته للحديث الموافق للأشاعرة.
فإذا وجدت نفسك تميل إلى توهينه في الأولى وتثبيته في الثانية، فاعلم أن لهوى نفسِك تأثيرًا شديدًا عليك، فاعرِفْه وجاهِدْ نفسك، فإن لم تستطع فعلى الأقل ينبغي أن تكُفَّ نفسك عن الكلام في مثل ذلك، وتَعذِرَ مخالفك عالمًا أنه أحد رجلين:
إما رجل بريء من الهوى، يتبيَّنُ الحقَّ من حيث يصدُّك هواك عن تبيُّنِه.
وإما رجل له هوى مخالفٌ لهواك، فحاله مثل حالك، فكما تجنَحُ إلى عذرِ نفسك ورجاءِ أن يُغفَر لك، وتقبيح شناعة من شنَّع عليك؛ فكذلك ينبغي أن ترى لمخالفك، فترجو له العذر والمغفرة، ولا ترضى بتشنيع عليه.
وفي الحديث: " [لا يؤمن أحدكم] حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه" (^١).
_________
(^١) أخرجه البخاري (١٣) ومسلم (٤٥) من حديث أنس بن مالك. وما بين المعكوفتين منهما.
19 / 138
وإن من أبين الظلم وأشنعِه أن ترجو لنفسك العذر والمغفرة، وتأبى ذلك لمن حاله مثل حالك في الجملة. ومثل هذا الظلم واقع كثيرًا، وإظهار شناعته يحتمل كلامًا أكثر من هذا، ولكن لذلك موضع آخر.
وقد وجدتُ من نفسي ومن غيري دليلَ وجود الهوى المشار إليه. وحسبك أن تكون شافعيًّا مثلًا، فتجد الشافعيةَ قد احتجوا بحديث، ومخالفيهم كالحنفية قد احتجوا بآخر، وأنت تريد النظر في الحديثين، هل تجد نفسَك تتمنَّى أن تجد حديثَ أصحابك قويًّا وحديثَ مخالفيهم ضعيفًا؟ فإذا وجدتَها كذلك فهذا هو الهوى.
وقد ترى أنه لا يضرك وجوده، وقد أوافقك على هذا، لكنك إذا نظرت أثر ذلك الهوى في نظرك، فحملك على الطعن في حديث الحنفية بوجهٍ يوجد مثلُه أو أشدُّ منه في حديث أصحابك، وأنت تعمى أو تتعامى عنه في حديث أصحابك، أو تدفعه أو تتأوله بدافعٍ أو تأويلٍ قد يوجد مثله أو أقوى منه لحديث الحنفية، ولكنك تعمى عنه أو تتعامى أو لا تراه شيئًا.
هذا وقد انفتح لك الباب، فإن كنت تحبُّ الحق فأَنْعِم النظر واعملْ بما ينبغي.
وكذلك إذا كنت عثمانيًّا تميل إلى تفضيل عثمان ﵁، ثم وجدتَ حديثين، أحدهما فيه فضيلة لعثمان، والآخر فيه غضاضة عليه، فإنك قد تكتفي في الأول بأن أئمة الحديث صححوه، ثم لا تكتفي في الثاني بمثل ذلك، بل يبقى في نفسك منه حزازةٌ، فإذا نظرتَ في حال رواته وجدته ينفرد به رجل قد عُرِف بشيء من التشيع، فتقدح فيه بذلك، ولعلك تكتفي بذلك. ولعلك لو نظرت في رواة الأول لوجدته ينفرد به رجل كان فيه ميلٌ ما عن أهل البيت.
19 / 139
بل قد يغلو بك الهوى فتتلمس الاعتذار عن راوي الفضيلة، والطعن على راوي الغضاضة. بل وقد لا يكون راوي الغضاضة موصوفًا بالتشيع، فتحاول أنت أن تدلَّ على اتصافه بذلك بوجهٍ يمكن إثبات مثله أو أقوى منه في الدلالة على ميل راوي الفضيلة عن أهل البيت.
بل وقد تميل إلى الطعن في راوي الغضاضة لمجرد تفرده بذلك الحديث، وقد تحاول إبداء دلالةٍ على بُعْد أن يكون الحديث صحيحًا وينفرد به ذلك الرجل، ولا تلتفت إلى مثل ذلكَ أو أقوى منه في راوي الفضيلة.
وبالجملة فهذا باب واسع جدًّا، قد انفتح لمن يريد أن يناقش نفسَه الحسابَ، ويحرِص على نجاتها من العذاب، والتوفيق بيد الله سبحانه.
19 / 140
الفصل الثاني
فيما يفيده خبر الواحد
الجمهور على أن خبر الواحد المستجمع للشروط، وإن كان وجوب العمل به ثابتًا قطعًا، فدلالة اجتماع الشرائط على نسبته إلى النبي ﵌ ظنية قطعًا.
ونظير ذلك أذان المؤذن الثقة، وفتوى العالم الثقة، وشهادة العدلين؛ وجوب العمل بها ثابت قطعًا، وإن كان يمكن في هذا المؤذن أن يؤذن قبل دخول الوقت لغلطٍ أو غيره، وفي هذا العالم أن يفتي بغير الحق لغلطٍ أو غيره، وفي هذين الشاهدين أن يكونا شهدا بغير الحق كذلك.
ونُقِل عن بعض أهل العلم ــ كالإمام أحمد بن حنبل، والحسين الكرابيسي، والحارث المحاسبي ــ أنه يفيد العلم (^١).
وقد شنَّع بعض الناس على هذا القول، [ص ٧] ولعل القائلين بأنه يفيد العلم لم يريدوا ما ظنَّه المشنِّع، وهناك معانٍ يمكن أنهم أرادوا واحدًا منها:
الأول: أنه يفيد العلم بلزوم الحكم الذي تضمَّنه لمن ثبت عنده.
وحاصل هذا أنك قد علمت أن الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد ــ بشرطه ــ قطعية، أي تفيد العلم، فعلى هذا أيُّ مجتهدٍ بلغه خبر واحد بشرطه فقد لزمه العمل به قطعًا. فذاك الخبر بمعونة الأدلة العامة يفيد العلم بأنه يلزم ذاك المجتهدَ الحكمُ بما تضمَّنه.
_________
(^١) انظر "إرشاد الفحول" (ص ٤٣).
19 / 141