وروينا عن أحمد بن محمد الأثرم أنه قال في مجلس أبي عبيد القاسم بن سلام في مسألة جرت ، فقال الأثرم : فقال هذا من لا يعدل به أحد في شرق الأرض ولا في غربها وهو أحمد بن حنبل ، فقال أبو عبيد : صدقت .
قال أبو محمد رحمه الله : ولقد بلغني أن طوائف من أتباع أحمد بن حنبل رحمه الله يمرون ببغداد على رحبة واسعة كان فيها أمام أحمد درب قصير ، فكان أحمد إذا مر به طأطأ رأسه ، فهم إذا مروا به الآن قالوا : طأطئوا ، فها هنا طأطأ الشيخ ، فيطأطئون رؤوسهم هنالك ، وليس بينهم وبين السماء سقف ولا عتبة .
وذكر بعض المؤرخين : أن في جنازته كان يمشي أمام النعش رجل من أصحابه يهتف بأعلى صوته :
وأظلمت الدنيا لفقد محمد * * * وأظلمت الدنيا لفقد ابن حنبل
وأما قولهم : لولا أحمد بن حنبل لكفر الناس ولصاروا كلهم جهمية ، فأشهر من أن يحتاج إلى تكلف إيراده ، وكل هذا حماقة وضلالة لا معنى له ، ولا فائدة فيه ، وما غلا أحد قط - ولله الحمد - في أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة رضي الله عنهم هذا الغلو ، إلا أن الرافضة غلت في علي أضعاف هذا ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
قال أبو محمد رحمه الله : وقد قال أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد ابن عمر إسماعيل بن إسحاق القاضي ، وولي أبو نصر هذا قاضي القضاة ببغداد في رسالته التي يذكر فيها رجوعه عن مذهب مالك إلى مذهب داود بن علي : ولسنا نجعل من تصديره في كتبه ومسائله بقول سعيد بن المسيب والزهري وربيعة كمن تصديره في كتبه ومسائله بقول الله عز وجل وقول رسول الله ص وإجماع الأمة ، هيهات ، هذه فضيلة محتباة لصاحبها ومرتبة جليلة صار أبو سليمان رضي الله عنه قدوة فيها .
وقال بعض أصحاب دواد رحمه الله في شعر له مشهور مطول :
ولقد نظرت إلى العلوم بأسرها * * * فمنحت لب لبابها دوودا
جعل القرآن مع النبي وقوله * * * والمسلمين أدلة وشهودا
ما حاد عن سنن النبي معاندا * * * إذ غيره أضحى لهن عنيدا
لو كان حيا من مضى من مالك * * * أو صحبه أضحوا إليه وفودا
أو رد فينا الشافعي مشفعا * * * لرأيته للشافعي مفيدا
Bogga 7