تساءل جرانت، وهو ينظر إلى هيرون لويد بينما كان يرحب به، عما إن كان لويد قد فكر في البداية في الذهاب إلى صحراء شبه الجزيرة العربية لأنه بدا عربيا بدويا، أم إنه أصبح يبدو عربيا بدويا بعد أن أمضى سنوات في صحراء شبه الجزيرة العربية. كان لويد يبدو رجلا عربيا بدويا إلى أبعد الحدود. فكر جرانت، متندرا، في أنه كان يبدو عربيا كأولئك الذين تجدهم في كتب مكتبات تأجير الكتب. على صهوة خيول عرب مثل هيرون لويد اختطفت ربات بيوت عفيفات من الشوارع الملتوية والطرق والشوارع الصغيرة وحملن إلى مصير أسوأ من الموت. العينان السوداوان، والوجه البني الهزيل، والأسنان البيضاء، والجسد الذي يشبه السوط، واليدان الرقيقتان، والحركات الرشيقة؛ كان كل ذلك موجودا، جليا وواضحا. كان على جرانت أن يذكر نفسه كرها بأنه يجب ألا يصدر أحكاما بناء على المظاهر.
وذلك لأن هذا الرجل قام برحلات تاريخية في عالم الاستكشاف، وكتب عنها بلغة إنجليزية، كانت تعد أدبية حتى ولو كانت مبالغة بعض الشيء في التنميق (كان جرانت قد اشترى نسخة من أحدث كتبه في سكون ظهر يوم أمس). لم يكن هيرون لويد شيخا من شيوخ الصالونات.
كان لويد يرتدي ثيابا لندنية تقليدية وكان أسلوبه يلائم ما يرتدي من ثياب. لو لم يكن المرء قد سمع به من قبل كان سيراه لندنيا ينتمي إلى الطبقات المهنية الميسورة الحال. أو ربما كان سينتمي إلى طبقة أكثر تأنقا بقليل؛ ممثل أو ربما أحد مستشاري هارلي ستريت أو أنه مصور مجتمعي، ولكن، مع أخذ كل شيء في الاعتبار، كان سيراه لندنيا يمتهن مهنة تقليدية.
قال وهو يصافح جرانت: «سيد جرانت، يقول محمود إن بوسعي أن أقدم لك خدمة.»
دهش جرانت من صوته. إذ كان بلا قوام، وكان ذا نبرة متبرمة بعض الشيء لم تكن ذات صلة بفحوى الكلمات ولا بحالته وهو يقولها. أخرج علبة سجائر من طاولة القهوة القصيرة وقدمها له. وقال إنه لم يكن يدخن؛ لأنه كان قد اتبع التقاليد الإسلامية أثناء إقامته الطويلة في الشرق، لكنه سيزكي هذه السجائر لجرانت لو كان يرغب في تجربة شيء طعمه خارج نطاق المألوف.
أخذ جرانت السيجارة بشغف، كما كان يأخذ كل تجربة وإحساس جديدين، واعتذر عن تطفله. كان يريد أن يعرف ما إن كان شاب يافع يدعى شارل مارتن قد أتاه في أي وقت في العام المنصرم أو نحو ذلك طلبا لمعلومات عن شبه الجزيرة العربية. «شارل مارتن؟ لا. لا، لا أظن ذلك. يأتي أناس كثيرون، بالطبع، لمقابلتي بشأن شيء أو آخر. ولا يمكنني دائما تذكر أسمائهم بعدها. لكنني أظن أنني سأتذكر أي شخص يحمل هذا الاسم البسيط. أتحب هذا التبغ؟ أعرف نصف الهكتار الذي زرع فيه. مكان جميل لم يتغير منذ أن مر الإسكندر المقدوني من ذلك الطريق.» ثم ابتسم قليلا وأضاف: «عدا بالطبع أنهم تعلموا كيف يزرعون هذا التبغ. أدرك أن التبغ يتماشى جيدا جدا مع نبيذ الكرز غير المفرط الجفاف. وهذا شيء آخر من الملذات الكبرى التي أتحاشاها، لكنني سأشرب عصير فاكهة لأونسك.»
قال جرانت في نفسه إن عادات الضيافة البدوية تجاه الغرباء فلا بد أن تكون مكلفة بعض الشيء في لندن، حيث كان لويد شهيرا، وكان بوسع الجميع دون استثناء أن يزوروه. ولاحظ جرانت أن الملصق على الزجاجة التي أمسك بها لويد كانت تمثل ضمانة كما كانت تمثل إفادة. بدا أن لويد لم يكن فقيرا ولا بخيلا.
فقال جرانت: «كان شارل مارتن معروفا أيضا باسم بيل كينريك.»
أنزل لويد الكوب الذي كان على وشك أن يملأه وقال: «كينريك! لكنه كان هنا منذ بضعة أيام فحسب. أو بالأحرى، حين أقول منذ بضعة أيام، فإنني أقصد قبل أسبوع أو أسبوعين. مؤخرا على أي حال. ما الداعي لأن يكون له اسم مستعار؟» «لا أعرف سبب ذلك. أنا أسأل عنه نيابة عن صديقه. كان من المقرر أن يلتقي بصديقه في باريس مطلع شهر مارس. يوم الرابع من مارس على وجه التحديد. لكنه لم يأت. وقد اكتشفنا أنه توفي جراء حادث في اليوم نفسه الذي كان مقررا أن يلتقيا فيه في باريس.»
وضع لويد الكوب من يده ببطء على الطاولة.
Bog aan la aqoon