قال بات: «بالطبع ستحصل زوي على أولوية اختيار أماكن الصيد.»
لو كان جرانت قد ظن أن إعجاب بات وافتتانه بزوي سيأخذان شكل الصمت الخجل والهيام العبثي، فقد كان مخطئا. كانت علامة استسلام بات الوحيدة هي الإقحام المستمر لجملة «أنا وزوي» في حديثه، ومع ذلك ينبغي ملاحظة أن ضمير المتكلم كان يجيء أولا.
وهكذا استعار جرانت السيارة بعد الإفطار وذهب إلى مويمور ليخبر تاد كولين أن ولدا صغيرا أصهب الشعر، ويرتدي تنورة اسكتلندية خضراء، سيكون في انتظاره، ومعه كل الأدوات والمعدات اللازمة للصيد، عند الجسر المتأرجح فوق نهر تورلي. وأنه سيعود من سكون لينضم إليهم عند النهر في وقت ما من بعد الظهر، أو هكذا كان يأمل.
قال كولين: «أود أن آتي معك يا سيد جرانت. ألديك خيط تتبعه في هذا الأمر؟ أهذا هو سبب ذهابك إلى سكون هذا الصباح؟» «لا. بل أنا ذاهب لأبحث عن خيط أبدأ به. لا يوجد أي شيء يمكنك فعله في الوقت الحالي؛ لذا يمكنك أن تقضي اليوم عند النهر.» «لا بأس سيد جرانت. أنت القائد. ما اسم صديقك؟»
قال جرانت: «بات رانكن»، ثم انطلق بالسيارة نحو سكون.
كان قد أمضى جل الليلة الماضية مستلقيا وهو مستيقظ وعيناه مثبتتان على السقف، تاركا الأنماط في ذهنه تتشكل وتتداخل بعضها في بعض وكأنها خدع تصويرية في أحد الأفلام. كانت الأنماط تتجسد باستمرار، وتتفكك وتتلاشى ولا تعود أبدا إلى نفس الشكل ولو للحظات قليلة. استلقى وترك الأنماط تتراقص في تداخلها البطيء الذي لا نهاية له، دون أن يتدخل بأي شكل في دورانها والتفافها بعضها حول بعض؛ فكان منفصلا عنها وكأنها عرض لأضواء الشفق القطبي.
بتلك الطريقة كان عقله يعمل على أفضل نحو. وبالطبع كان يمكن لعقله أن يعمل بالطريقة الأخرى. كان سيعمل بصورة جيدة للغاية. على سبيل المثال، في المشكلات التي تشتمل على تسلسل مكاني وزماني. في الأمور التي يفترض فيها أن «أ» كان في النقطة «س» في الساعة الخامسة والنصف من شهر كذا الجاري، كان عقل جرانت يعمل بدقة آلة حاسبة. لكن في مسألة يكون فيها الدافع هو أهم شيء، كان يستلقي ويطلق العنان لعقله في المعضلة. وبعد قليل، لو ترك عقله يعمل كما يحلو له، فسيحصل على النمط الذي كان يلزمه.
كان لا يزال لا يملك أدنى فكرة عن سبب سفر بيل كينريك إلى شمال اسكتلندا، بينما كان ينبغي أن يسافر إلى باريس ليلتقي بصديقه، وكذلك لم يكن يملك أدنى فكرة عن سبب سفره بأوراق رجل آخر. لكنه كان قد بدأ يكون فكرة عن سبب تشكل اهتمام بيل كينريك المفاجئ بشبه الجزيرة العربية. كان كولين قد فكر في ذلك الاهتمام من منطلق مسارات الطيران، متأثرا في ذلك بنظرته إلى العالم من خلال المنظور المحدود لطيار. لكن جرانت كان واثقا من أن هذا الاهتمام كان له منبع آخر. فاستنادا إلى ما قاله كولين، لم يكن كينريك يبدي أيا من الإشارات المعتادة الدالة على «فقدان الشجاعة». كان من المستبعد أن يكون لهوسه بالمسار الذي طار فيه علاقة بالطقس بأي صورة من صوره. ففي مكان ما، وفي وقت ما، أثناء إحدى تلك الرحلات على ذلك المسار «الكئيب الملعون»، وجد كينريك شيئا أثار اهتمامه. وقد بدأ ذلك الاهتمام أثناء إحدى المرات حيث انحرفت به العواصف الترابية، التي كانت تتكرر في المناطق الداخلية لشبه الجزيرة العربية، عن مساره كثيرا. وكان قد عاد من تلك التجربة «مهزوزا». «لم يكن يصغي إلى ما كان يقال له.» «كان لا يزال هناك.»
وهكذا في هذا الصباح كان جرانت ذاهبا إلى سكون ليكتشف ما الذي يمكن أن يكون قد أثار اهتمام بيل كينريك في المناطق الداخلية لتلك المساحات الضخمة الصخرية الكئيبة، في الصحراء وشبه القارة البغيضة التي تشكل شبه الجزيرة العربية. ولهذا السبب بالطبع كان جرانت ذاهبا إلى السيد تاليسكر. كان المرء يذهب إلى السيد تاليسكر، سواء كان سؤاله عن القيمة التقديرية لأحد الأكواخ أو عن تكوين الحمم البركانية.
كانت المكتبة العامة في سكون مهجورة في هذه الساعة من الصباح، ووجد جرانت السيد تاليسكر يتناول كعكة محلاة وكوبا من القهوة. وفكر جرانت في أن الكعكة المحلاة تمثل خيارا طفوليا وواقعيا محببا لرجل بدا أنه يعيش على بسكويت الويفر والشاي الصيني بالليمون. كان السيد تاليسكر مسرورا للقاء جرانت، فسأله عن التقدم الذي يحرزه في دراسته للجزر الغربية، واستمع باهتمام لحديث جرانت المتسم بالهرطقة عن ذلك الفردوس، وكان ذا نفع في بحثه الجديد. شبه الجزيرة العربية؟ أوه، أجل، لديهم في المكتبة رف كتب كامل عن تلك المنطقة. فعدد من كتبوا كتبا عن شبه الجزيرة العربية يساوي تقريبا عدد من كتبوا كتبا عن الجزر الغربية. وإن جاز للسيد تاليسكر قول هذا، فقد كانت توجد أيضا لدى مناصري هذا الموضوع والمتحمسين له نفس النزعة تجاه جعله مثاليا. «لو لخصنا الأمر في حقائق بسيطة، فأنت تظن أن كلا المكانين مجرد صحار عاصفة.»
Bog aan la aqoon