في منتصف الليل نهضت من السرير بحذر. كان صوت الشخير عاليا، والفم المفتوح، وفوق الشفة العليا شارب أسود كثيف، تسللت على أطراف أصابعي وفتحت الباب وخرجت. كنت أمشي بخطوات سريعة تشبه الجري، ولم يكن لي إلا هدف واحد؛ أن تلتف من حولي ذراعا أمي، لكني توقفت فجأة، تذكرت أن أمي ماتت، وأنها لم تعانقني في حياتي مرة واحدة، وأبي أيضا مات دون أن يعانقني أبدا. لا أنا ولا أي أحد من أخواتي وإخواني.
كنت أغيب عاما دراسيا كاملا في المدرسة الداخلية ثم أعود فلا يعانقني أحد أو يقبلني. لم تكن القبلات في بيتنا تعني الحب. كان الحب مجرد إحساس عميق مدفون في الأعماق. لا كلمات ولا عناق ولا قبلات. حب صامت فاقد النطق والحركة إلا في الخيال.
وكانت مأساة حياتي؛ فالحقيقة دائما أقل من الخيال، وأصبحت حياتي سعيا متصلا لتحقيق الخيال والحلم. ماذا كان حلم حياتي؟
كنت أراني فوق جواد أبيض يطير في الجو، وفي يدي سيف أضرب به الأعداء وأحرر الوطن. لقد ولدت في بلد يحكمه الأجانب. وتشهق جدتي حين أحكي لها الحلم: هذه ليست أحلام البنات. - وبماذا تحلم البنات يا جدتي؟ - يحلمن بالعريس وفستان الزفاف.
لكني لم أحلم أبدا بالعريس أو فستان الزفاف، رغم أن جدتي اشترت لي فستان الزفاف قبل مجيء العريس بعشرة أعوام، وفي كل عيد يشتري أبي لي فستانا جديدا، ويشتري لأخي مسدسا وطائرة صغيرة لها زمبلك يلفه عدة مرات فإذا بالطائرة تتحرك.
وفي الصندوق الأصفر من الكرتون رأيت هديتي؛ فستان حرير أبيض له كرانيش على الصدر ودانتيلا على الأكمام. وصحت بغضب: أريد طائرة ومسدسا مثل أخي.
وقالت أمي: ستكونين جميلة في الفستان الجديد.
وهتفت: لا أحب الفساتين.
وصاحت جدتي: هذه البنت كان لا بد أن تكون ذكرا.
رغم جدتي كنت أتطلع نحو السماء بعيني طفلة في العاشرة، هل سيأتي يوم أركب فيه طائرة؟ هل يمكن أن أطير في الجو كعصفور بعيدا عن هذا السجن الذي ولدت فيه؟
Bog aan la aqoon