أما البنات الأخريات والزوجات اللائي يهربن فإنهن يعشن حياة العبيد، لا ترفع الزوجة عينيها إلى وجه زوجها، وتهرب منه كلما رأته، ولا تناديه باسمه أبدا، وهو يمكن أن يطلقها بلا سبب، أو لأنها طلبت جلبابا جديدا، أو لأنها لم تنجب، أو لأنها أنجبت بنتا فقط ولم تنجب ذكورا، أو لأنها أكلت قطعة لحم.
تعيش الزوجة كالعبيد في هذه القبائل، ولا يحترمها أحد إلا إذا أصابها الصرع أو الجنون، ويقولون حينئذ: إن الروح ركبتها. وفي شهر العسل تركب الأرواح الزوجات بنسبة 20٪ حسب دراسات جامعة أديس أبابا، أي إنه من كل خمس زوجات تركب الروح زوجة واحدة، ويسمونها «سودو»، وتحظى برعاية طيبة واحترام لخوفهم منها، واعتقادهم أن هناك صلة ما بينها وبين القوى الخارقة فوق الطبيعة، وأهلها في هذه الحالة يصيبهم أيضا شيء من الاحترام، وتصبح الفرص أمام ابنتهم أفضل؛ فهي تتلقى الهدايا والقرابين اتقاء لشرها وشر الأرواح التي ركبتها، وتسمى هذه البنت أو المرأة «ميبت»، ويفد إليها المرضى طلبا للبركة والشفاء، ولا تكلف بأي أعمال في البيت، تجلس وفي يدها عصا، وإذا أساء إليها أحد تضربه.
وتتجمع هؤلاء البنات والنساء اللائي ركبتهن الأرواح في بيت شيخ القبيلة، ويتولى بنفسه جمع الهدايا والقرابين التي تقدم إليهن، وهي ثروة طائلة تزيد من ثراء مشايخ القبائل ونفوذهم السياسي.
هذه هي حياة المرأة في قبيلة «جوراجي» في الحبشة، وهي قبيلة كبيرة هرب منها إلى أديس أبابا كثير من البنات والنساء، بعضهن يعشن في الفقر والشحاذة ومهنة البغاء، والبعض منهن قد يحظى بالتعليم. في جامعة أديس أبابا قابلت أستاذة من قبيلة «جوارجي». لكنها أنكرت أنها جاءت من هذه القبيلة، وكثيرات غيرها ينكرن مثلها، لكن الرجال من هذه القبيلة لا ينكرون، وأستاذ إثيوبي بالجامعة قال لي: أنا من قبيلة «جوراجي»، وأعطاني دراسة طويلة قام بها عن تعذيب البنات في قبيلته، ودراسة أخرى عن قبيلة «جالا» وهي من المسلمين، وفيها يجرى للبنات عمليات الختان، وهي استئصال البظر من جسم البنت قبل أن يدركها الحيض، وهي عملية شائعة في بلاد أفريقية متعددة ومنها السودان ومصر.
وفي أديس أبابا أنواع مختلفة من المشردين الأطفال ويطلق عليهم صبية الشارع، أراهم في الشوارع واقفين عند إشارات المرور، وما إن تقف سيارة حتى يهجموا عليها وفي أيديهم الفوط الصفراء يلمعون زجاج النوافذ ويشحذون، يمضغون القات بين أسنانهم، ويشمون البنزين كما يشرب خبراء الأمم المتحدة الويسكي والنبيذ، دوريات البوليس تلمهم مع القمامة حين يأتي زائر كبير، ويودعون في السجون، يموتون بالآلاف في السجون لقلة الطعام، ثم يفرج عنهم حين لا تجد إدارة السجن لهم طعاما.
ومصير البنت في الشارع مثل الولد، إلا إذا حظيت بمؤهلات للدعارة، والبنت قد تمارس البغاء وهي طفلة في العاشرة، والمومسات عدة أنواع، وكلهن يدفعن الضرائب ولهن رخص طبية تضمن خلوهن من الأمراض التناسلية، وتجدد الرخص الطبية مرة كل ستة شهور، ومعظم المومسات من النوع الفقير أو مومس الشارع، وهن البنات الصغيرات، يعشن في الشارع، وفي الليل ينمن في أفنية الكنائس أو أقسام البوليس.
وهناك مومس الكشك أو «الكيوسك»، وتسكن في كوخ صغير من القش أو الصفيح أو الكشك الخشبي، تعلق على الكشك لافتة الكوكولا أو كازوزة، وفي الغرفة الخلفية تمارس البغاء.
وهناك مومسات يملكن دكاكين أكبر كالبارات والحانات أو المقاهي، ويكسبن من التجارة والبغاء معا، ولكل مجموعة منهن قواد أو قوادة تملك الحانة وتعطى لكل مومس أجرا شهريا ثابتا.
وهناك المومسات الراقيات اللائي يعملن في الفنادق الكبيرة، أو الملاهي الليلية الفاخرة، ويأخذها الرجل إلى بيته ثم يعيدها إلى صاحب الملهى. وبين المومسات نساء ثريات، ولهن أحياء وأملاك ونفوذ، ترفع الواحدة منهن رأسها في كبرياء وتقول: المسيح قال إنه سيضع نارا في فم من يأخذ ربحا عن ماله ولكنه سيسامح المومس. ومعظم المومسات متدينات، والناجحات منهن لا يتزوجن، لكن المومس الفاشلة هي التي تتزوج لأنها فقيرة. وتجهض المومس الفقيرة نفسها بأن تشرب الجازولين أو الجاز، لكن المومس الثرية لا تجهض نفسها، وترغب في الطفل ليرث أموالها.
معظم المومسات بنات هاربات من الريف، يعملن خادمات أول الأمر، ثم يكتشفن أن البغاء يضمن لهن حياة أكثر كرامة، أو قد يتعرضن للاغتصاب من رب الأسرة، وتطردهن ربة الأسرة، ولا يجدن وسيلة للعيش إلا البغاء.
Bog aan la aqoon