قلت: من هو أشهر مهراجا سابق حكم هنا؟
قال: إنهم كثيرون، ومن أشهرهم: المهراجا مادوسبنج، وسوف ترون قصره الآن.
وانطلقت بنا السيارة في شوارع جايبور، تشبه الشوارع في أي مكان بالهند، وحركة الشارع متشابهة والوجوه متشابهة.
وجايبور يحوطها سور ضخم قديم بناه الحكام السابقون يشبه سور مدينة مصر القديمة لكنه أكثر ضخامة، لهذا السور ثماني بوابات ضخمة، إحداها بوابة ملكية لا يدخل منها السياح ولكنها مخصصة حتى الآن لأبناء وبنات المهراجا السابق، هي مغلقة طول العام، ولا تفتح إلا حين يرغب أحدهم في زيارة المتاحف الداخلية.
دارت السيارة حول السور لتصل إلى البوابة الخاصة بدخول السياح، لاحظت أن وجوه الناس في الشوارع والدكاكين أقل إعياء وأكثر صحة من المدن الأخرى، وعرفت أن جايبور من أغنى المدن في الهند (ترتيبها في الثراء رابع مدينة)؛ وذلك بسبب توافر الأحجار الكريمة بها. يعمل في جايبور وحدها أكثر من 50000 عامل في قطع الأحجار الكريمة. لكن معظم الوجوه تعلوها الحفر والبقع؛ مما يدل على أن مرض الجدري كان منتشرا هنا منذ سنوات. الشوارع تعلوها البقع الحمراء، ومن حين إلى حين ألمح رجلا يبصق ذلك البصاق الأحمر بعد مضغ ورقة «البيقل». في الأيام الأولى لزيارتي للهند كنت ألاحظ أن أفواه معظم الرجال حمراء، حين يفتح الواحد منهم فمه ليتكلم أو يتثاءب يظهر فمه من الداخل ملونا باللون الأحمر، وفي بعض الأحيان تكون الشفاه أيضا من الداخل ومن الخارج حمراء كأنها صبغت بصبغة حمراء أو أنها تنزف على الدوام دما أحمر.
ومن أهم الأشياء التي تلفت النظر في الهند تلك العادة الغريبة التي يمارسها الرجال (وبعض النساء) في جميع أنحاء الهند، مهما اتجهت شمالا أو جنوبا أو شرقا أو غربا تدرك أن هذه العادة منتشرة بين معظم الرجال وبين عدد غير قليل من النساء.
ترى الرجل منهم قد جلس، وأخذ يمضغ في فمه شيئا، وبعد قليل ترى لعابا أحمر يسيل عند زاويتي فمه، وبعد مدة قد تطول وقد تقصر تراه يبصق على الأرض لعابا أحمر بلون الدم.
كنت أندهش حين أرى شفاه الرجال حمراء من الداخل أو حين أرى تلك البقع الحمراء المنتشرة فوق شوارع أية مدينة في الهند، وأدركت من بعد أن هذا يرجع إلى تلك العادة، عادة مضغ ذلك الشيء.
ذكرتني هذه العادة برحلتي إلى اليمن، حين رأيت الرجال والنساء في عدن يجلسون ويمضغون القات ويسيل لعابهم من زاويتي الفم، لكن ذلك الشيء الذي يمضغ في الهند ليس هو القات، وإنما هو ورقة شجرة اسمها «البيتل» يلف داخلها قطع صغيرة صلبة من ثمرة تشبه جوزة الهند وقد خلطت بمسحوق أحمر من الجير الحجري على شكل عجينة. يقولون إن هذه التركيبة حين تمضغ على مهل تصيب الإنسان بحالة أشبه بالشبع، وهو شبع مزيف يقاوم به فقراء الهنود الجوع وقلة الطعام، لكنه أصبح من بعد عادة معظم الناس؛ لأنه يحتوي على مادة مخدرة تسبب ذلك الشعور بالشبع، وتسبب أيضا نوعا من الإدمان. وقد مضغت هذا الشيء مرة واحدة كما مضغت القات في اليمن مرة واحدة ولم أشعر بأية لذة. وهذا طبيعي؛ لأن مثل هذه تحتاج إلى تكرار لتنشأ العادة. إن الذي يذوق الخمر لأول مرة يبصق بسبب مرارتها، ولكن بعد التعود يدمنها ويحبها. ولكل شعب مواده الخاصة وإدمانه الخاص حسب مشاكله وحسب المواد التي ينتجها أيضا. لقد اكتشف الشعب في جزيرة سيلان مادة مخدرة في عصير شجرة جوز الهند فأصبح يستخرجها بطرقه وأدمن عليها . وفي الهند يصنعون «العرقي» وهو مسكر مثل النبيذ وقد يكون أشد. •••
دخلنا من البوابة الضخمة إلى قصر يشبه قصور الشاه في شيراز بإيران، أو قصور القيصر في ليننجراد، أو القصور التي لا هي هنا ولا هناك وإنما نراها فقط في الأحلام والخيال، لم أكن أتخيل أن الأباطرة المسلمين الذين حكموا الهند قد عاشوا هذه الحكاية، لعلهم أرادوا أن يصنعوا الجنة فوق الأرض بعد أن تأكدوا - من سوء أفعالهم وظلمهم للشعب الهندي الفقير - أنهم ذاهبون إلى جهنم الحمراء.
Bog aan la aqoon