الحلو قد نقص من ملوحة ميناء رابغ ، وعافاه من تلك الشعاب ، التي هي آفة الموانىء الأخرى في البحر الأحمر.
وحبذا لو قامت هيئة جيولوجية بالفحص اللازم لأحوال البحر الأحمر الطبيعية ، وأعطت حكمها في أسباب تكون هذه الشعاب ، وكثرتها في هذه الموانىء ، وفي منشأ هذه المناظر الجميلة ، التي تلوح للرائي إذا أقبل عليها ، فإن الأسباب التي ذكرناها لم نتوكأ فيها على تقرير فني ، بل على الكلام الذي يدور على ألسنة الناس.
هذا ما كان من تأثير بحر جدة في خاطري.
فأما بر جدة ، فالبلدة لا بأس بها ، ولا يوحش الداخل منظرها. نعم إن بناءها لا يزال كأنه من القرون الوسطى ، ولكن بناء القرون الوسطى ليس كله منبوذا. وقد بدأ المهندسون يقلدونه ، ويرجعون إلى كثير منه.
ولعمري لست ممن يحب الجدة لجدة في طرز البناء ، ولكني أتمناها لها في استعمال الآلات الميكانيكية الحديثة ، والطرق العصرية في مرافق الحياة ، وفي الصناعة ، والتجارة ، وسائر أركان العمران.
وأما أسلوب البناء فليس فيه ما يستهجن ، بل أرى نجارة الأبنية فيها راقية ، وهذه الرواشن الكثيرة اللطيفة التي قد أعجبت الكولونيل لورانس الإنكليزي يوم جاء جدة في الحرب الكبرى قد أعجبتني أنا أيضا.
وقد أخنت الحرب الكبرى على معظم عمران جدة فيما أخنت عليه من عمران هذا العالم ، وازداد جزرها في الحصار الأخير قبل أن استولى عليها الملك ابن سعود ، فلما ألقت بمقاليدها إلى جلالته ، بدأ يرجع إليها العمران ، واستؤنف النشوء ، ولا تمضي سنوات معدودات حتى تسترجع درجة عمرانها السابقة.
Bogga 43