253

الحجاز ، أو لا يعرف شيئا عن الحجاز ، أو بعض الكسالى من أهل الحرمين الشريفين ، الذين يبدون ويعيدون أمام حجاج البيت الحرام ، وزوار الروضة النبوية عن فقر الحجاز تعمدا منهم ، ليستزيدوا بر الحجاج بهم ، ويستدروا عوارف العالم الإسلامي عليهم.

وحقيقة الحال أنه لو كان سكان الحجاز ثمانية أو عشرة ملايين نسمة لكان ثمة مكان لهذا القول ، ولكن بدون أن نعرف بالتدقيق عدد أهالي الحجاز نقدر أن نقول : إنهم جميعا بدوا وحضرا لا يزيدون على مليون نسمة ، وربما لا يناهزون هذا العدد وإن من عرف جزءا من الحجاز لا كله علم أن الحجاز إذا قام أهله على فلحه وزرعه حق القيام أعاش منهم ملايين بالراحة التامة ، وأصار إليهم من الخيرات ما لا يذكر موسم الحج في جانبه شيئا.

ولقد رأيت على مقربة من مكة وادي فاطمة ، الممتد إلى وادي الليمون مسافة خمس عشرة ساعة ، فرأيت جنة من حنان الله في أرضه ، لا تفضلها بقعة لا في الشام ، ولا في مصر ، ولا في العراق.

ولما كنت في المدينة المنورة قبل الحرب العامة ، وجولت في عواليها والبقاع التي تليها ، وشاهدت زكاء تلك الأرضات ، وسمعت خرير هاتيك المياه ، قدرت أن البلدة الطيبة وحدها إذا كانت سكة الحجاز الحديدية متصلة بها ، وبقيت المهاجرة إليها من الآفاق ، قد تحمل نصف مليون نسمة ، ولا يتكاءدها أمر معيشتهم.

وقد كان بلغ عدد سكان المدينة قبل الحرب العامة نحو خمسين ألف نسمة ، وصار المتر المربع من الأرض الفضاء في وسط البلدة يباع بعشرة جنيهات ، وفي الضواحي بجنيه واحد وكانت الناس مقبلة على الشراء من كل جانب.

فلما انقطعت السكة الحديدية الحجازية الواصلة بين المدينة والشام ، بسبب استئثار دولتي فرنسة وإنكلترة اللتين وضعتا أيديهما على

Bogga 289