نأنف من النزول إلى الصهريج ، والخوض فيه ، لأجل التبرد ، ويكون معنا من الإخوان في هذا النزول من جل قدره ، وعلت منزلته ، وقد أمسكنا بادىء ذي بدء عن النزول إلى الماء ، تفاديا من أن ينسب إلينا اطراح الحشمة ، وتغلب الحرارة على الهمة ، إلا أني تذكرت أن قاضي الجماعة بقرطبة المنذر بن سعيد البلوطي بمكانه من العلم والورع وجلالة القدر ، ومشيخة الإسلام في ذلك القطر ، قد أشتد به الحر في أحد الأيام إلى حد أن أمره الخليفة الحكم المستنصر ابن الخليفة عبد الرحمن الناصر أن ينزل إلى صهريج كانا جالسين بجانبه في زهراء قرطبة التي زرت أطلالها هذه المرة (1) فنزل مولانا الأستاذ ولم يبال ، والحشمة والحرارة قلما يجتمعان على الشروط المرعية في البلاد الباردة.
فلما كنت بقرطبة في شهر يوليو تموز الفائت ، ولقيت فيها ما لقيته من شدة الحر ، عذرت قاضي الجماعة في خوضه صهريج الزهراء ، ولكن حر مكة المكرمة يزيد بعشر درجات على حر قرطبة ، فخوض صهريج الزاهر أقرب إلى العذر من خوض صهريج الزهراء ، وأنا أبعد عن المشيخة من القاضي منذر بن سعيد.
* الصعود إلى عرفة في شدة المرض
ثم نعود إلى قضية التياثنا فنقول : إننا بعد قضاء بضع ليال على هذا المنوال بلغ منا النهك مبلغه ، ثم كان لا بد من أن نصعد إلى عرفة قبل الوقفة ، فأغمي علينا في الطريق ، وسار بنا اللذان كانا معنا في العربة فؤاد بك حمزة والسيد حسين العويني إلى منى ، فاسترحنا هناك إلى الصباح ، ولكنه لم يكن بد من الذهاب تلك الساعة على عرفات ، فذهبنا إليها ، وأنا على ما أنا عليه من الإعياء ، ثم أفضنا مع الحجاج الكرام عائدين إلى منى ، حيث بتنا ليلتين لقضاء المناسك ، فما رجعت إلى
Bogga 155