283

عاص لشربه الخمر اه كلامه وهذا الأخير عندي غير مقبول لأن الشهادة رتبة شريفة وهي من الرخص التي ترخص الله بها لعباده المؤمنين فأكرمهم بها زيادة في ثوابهم على ما حملوا أنفسهم من المشقة المتلفة لأنفسهم في مرضاته والعاصي في فعله لا يترخص له ولا سعي له في مرضاة ربه حتى يرضيه بالشهادة نعم إذا كانت المعصية بغير ما وقع به القتل كالأباق أو من زنى أو من سرق في سفره فهذا قد يقال فيه شهيد من جهة عاص من جهة لأن الجهة منفكة فجهة قتله غير جهة عصيانه وأما إذا كان سبب القتل في نفسه معصية كشرب خمر فيغص بها أو تمكين امرأة من الزنى بها فيموت فيبعد أن تحصل لهذا رتبة الشهادة أليس الغريق والحريق وذو الهدم والمبطون وغير هؤلاء كلهم قد ورد أنهم شهداء فلو أن أحدهم رمى بنفسه عمدا في البحر فغرق أو في النار فاحترق أو تناول سما أو دواء معلوما فمات لا يقال فيه شهيد اتفاق وكذلك هذا تناول معصية كانت سبب حتفه أنى له الشهادة اللهم إلا أن يكون المحترق مثلا ممن قام لنار يريد إطفاءها ولا يعلم أنها تحرقه فغلب حتى احترق أو أراد إنقاذ غريق وهو يظن من نفسه القدرة على ذلك فغلب فغرق أو غير ذلك من الوجوه التي يكون فيها أصل الفعل الذي وقع به القتل مباحا فهذا شهيد بلا كلام وشارب الخمر أن لم يقصد به إتلاف نفسه فهو معصية وحدها وما ترتب عليه من القتل معصية أخرى سببها معصية وإن لم يكن القتل مقصودا فإن المعصية لا يتوقف كونها معصية على القصد إليها ونيته إنها معصية فإن الطاعة هي التي تتوقف على النية دون المعصية فيؤاخذ بها عاجلا ويعاقب آجلا نواها أم لا ألا ترى أن من تعمد ضرب إنسان ولم يرد قتله ولا قصده فمات منه فإنه آثم آجلا ويقتص منه عاجلا لأن السبب الذي نشأت عنه المعصية معصية كشرب الخمر في مسألتنا فهو معصية ونشأت عنه معصية أخرى وهي قتل نفسه إلا أنها ليست مقصودة له فلا ينفعه عدم القصد ولا يدرأ عنه الآثم ولو سلما أن آثم القتل مندفع عنه لكونه غير مقصود له

Bogga 307