Safarkii Ibn Battuta
رحلة ابن بطوطة
Daabacaha
دار الشرق العربي
حتفه وكنت سمعت أيام إقامتي بالإسكندرية بالشيخ الصالح العابد المنقطع المنفق من الكون أبي عبد الله المرشدي وهو من كبار الأولياء المكاشفين أنه منقطع بمنية بني مرشد له هنالك زاوية هو منفرد فيها لا خديم له ولا صاحب ويقصد الأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم الطعام وكل واحد منهم ينوي أن يأكل عنده طعاما أو فاكهة أو حلوى فيأتي لكل واحد بما نواه وربما كان ذلك في غير إبانه ويأتيه الفقهاء لطلب الخطبة فيولي ويعزل وذلك كله من أمر مستفيض متواتر وقد قصده الملك الناصر مرات بموضعه. فخرجت من مدينة الإسكندرية قاصدا هذا الشيخ نفعنا الله به ووصلت قرية تروجة "وضبطها بفتح التاء الفوقية وواو وجيم مفتوحة"١ وهي على مسيرة نصف يوم من مدينة الإسكندرية قرية كبيرة بها قاض ووال وناظر ولأهلها مكارم أخلاق ومروءة صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلا من أهلها يسمى بمبارك وينعت بزين الدين ونزلت بها على رجل من العباد الفضلاء كبير القدر يسمى عبد الوهاب وأضافني ناظرها زين الدين بن الواعظ وسألني عن بلدي وعن مجباه فأخبرته أن مجباه نحو اثني عشر ألفا من دينار الذهب فعجب وقال لي رأيت هذه القرية فإن مجباها اثنان وسبعون ألف دينار ذهبا وإنما عظمت مجابي ديار مصر لأن جميع أملاكها لبيت المال. ثم خرجت من هذه القرية فوصلت مدينة دمنهور وهي مدينة كبيرة جبايتها كثيرة ومحاسنها أثيرة أم مدن البحيرة بأسرها وقطبها الذي عليه مدار أمرها، "وضبطها بدال مهملة وميم وميم مفتوحتين ونون ساكنة وهاء مضمومة وواو وراء". وكان قاضيها في ذلك العهد فخر الدين بن مسكين من فقهاء الشافعية وتولى قضاء الإسكندرية لما عزل عنها عماد الدين الكندي بسبب الواقعة التي قصصناها٢ وأخبرني الثقة أن ابن مسكين أعطي خمسة وعشرين ألف درهم وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار على ولاية القضاء بالإسكندرية. ثم رحلنا إلى مدينة فوا وهذه المدينة عجيبة المنظر حسنة المخبر بها
_________
١ صحة طبط "تروجه أنها بفتح التاء، وضم الراء، وواو ساكنة، بعدها جيم مفتوحة وهاء". وهي إحدى قرى محافظة البحيرة، وبها آثار رومانية.
٢ لم يسبق لابن بطوطة أن قص علينا الواقعة التي كانت سببًا في عزل قاضي الإسكندرية عماد الدين بن مسكين، وذلك سهو من ابن جزي، وجل من لا يسهو.
1 / 18