المبارك، وأحمد، وإسحق، وأمثالهم بل قواعد عقائدهم من أصول المتكلمين بالعقل والنظر. والصالح الورع فيهم الممسك عن الخوض في العقائد، ويسلم أمر ذلك إلى مراد الله، فيؤمن بذلك إيمانا مجملا، لا تفصيل فيه، يابسة طباعهم، خالية قلوبهم عن راوئح المحبة لله، والخوف منه، والتعظيم له، والشوق إليه، لا يشم منهم روائح العبودية ، ولا الصدق في المعاملة و[لا] الإخلاص فيها، ولا المسارعة إلى البر بالقصد الصحيح وانشراح الصدر ، متكالبين على الرئاسة والمعلوم ، مزاحمين على المناصب، تخرج نفس أحدهم إذا جلس أحدهم فوق مرتبته، حتى ربما ينغص عليه طعامه وشرابه، وربما وقع فيه بالغيبة والطعن، فهم أوعية فقه وأحكام وخصومات الناس لا غير إذا جاءت حكومة فرجوا عنها بما ينقلونه من الكتب لإباحتها، ولا تفتيش على أصل هذه المسألة من الحديث ، بل إذا وصل الأمر إلى الشرح أو إلى نص فلان انتهى الأمر عنده ، ومع ذلك فو الله لقد استفدت منهم علم ما يجوز وما لا يجوز ومن العجائب أنني أجد فيهم من يعتقد في تلك الطائفة، ويزوره مع علمه بانحراف طريقهم، فاستدل بذلك على أنه ليس عنده من النور المحمدي ما ينكشف به أحوال القوم، فبقيت معهم برهة من الزمان محبوسا كالطائر في القفص، ولا أشم الهواء إلا من كتب الصوفية.
فصل
ثم انتقلت عنهم إلى صحبة مطاوعة البغاددة وفقرائهم، فوجدتهم خيرا من أولئك الأولين بألف طبقة: يحرمون الحرام، ويحلون الحلال، ويتمسكون بمعظم مذاهب الفقهاء غير أنهم أهل دلوق، ومرقعات، وشراشح رقاع، ظراف لطاف، غالب هممهم في الشهوات من طيب الطعام ، وحسن اللباس ، وهندام الثياب، ومنادمة الأغنياء ، ومصادقتهم ومباسطتهم والتواضع الزائد لهم ، والمزح معهم، واستجلاب رفقتهم، وفتوحهم.
Bogga 38