مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه) [١] . وعن هارون الفروي قال: (رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة [٢]، فقلت: أين تريد، قال: أريد أن أمضي إلى حنين حتى أرى الموضع والوقعة) [٣] .
وقد عرف عن الواقدي هذا الاهتمام بمعرفة الأخبار ومعاينة المشاهد ومعرفة التفصيلات، من ذلك ما ذكر ابن سعد من أن الخليفة هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا المدينة في حجتهما، طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فذكر لهما الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مر بهما عليه [٤]، وعلى إثر هذا اللقاء توثقت العلاقة بين الواقدي والخليفة الذي وهبه عشرة آلاف درهم، يسّرت حاله وفكّت ضائقته، وقد توثقت صلته كذلك بيحيى البرمكي الذي أغدق عليه الأموال.
وكان الواقدي جوّادا سخيا متلافا، حصل على أموال كثيرة ولكنه كان ينفقها، ويعود في ضائقة مالية جديدة، ويرزح تحت ثقل الديون، وهذا ما جعله يرحل من المدينة إلى العراق قاصدا يحيى البرمكي، ففي سنة ١٨٠ هـ غادر الواقدي المدينة قاصدا العراق [٥]، ويبين الخطيب البغدادي سبب هذه الرحلة، فينقل عن الواقدي قوله: (كنت حنّاطا «بائع حنطة» بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق فقصدت يحيى بن خالد) [٦]، ويروي ابن سعد أن سبب هذه الرحلة هو الدين الذي ركبه
_________
[١] تاريخ دمشق ١١/ ٥، تاريخ بغداد ٣/ ٦، عيون الأثر ١/ ١٨، كتاب المغازي- الواقدي المقدمة ص ٦.
[٢] إناء للماء من جلد.
[٣] المصادر السابقة.
[٤] الطبقات ٥/ ٣١٥ ط ليدن، ومقدمة كتاب المغازي ص ٦) .
[٥] الطبقات ٧/ ٧٧.
[٦] تاريخ بغداد ٣/ ٤.
1 / 10