Richard Feynman: Noloshiisa Cilmiga
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Noocyada
هل يمكن أن أقول على الفور، حتى تعلموا مقصدي الحقيقي، إننا كنا نواجه دوما ... (سر، سر، أغلقوا الأبواب!) ... كنا نواجه دوما قدرا هائلا من الصعوبة في فهم صورة العالم الذي تعبر عنه ميكانيكا الكم. على الأقل أنا أواجه هذه الصعوبة، لأني بلغت من العمر أرذله ولم أصل للنقطة التي يبدو عندها هذا الأمر بديهيا. حسنا، ما زلت أشعر بالعصبية تجاهه. لذا فإن بعض الطلبة الشبان ... أنتم تعلمون كيف هو الأمر دوما، كل فكرة جديدة تستغرق جيلا أو اثنين حتى يصير واضحا أنه لا توجد مشكلة حقيقية بها. ولهذا السبب أهوى تقصي حقائق الأشياء. هل يمكنني أن أتعلم أي شيء من خلال طرح هذا السؤال عن أجهزة الكمبيوتر؛ عن هذا الشيء الذي قد يكون وقد لا يكون لغزا بشأن صورة العالم من منظور ميكانيكا الكم؟
ولكي يتحرى تلك المسألة تحديدا، بحث فاينمان إمكانية إجراء محاكاة دقيقة للسلوك الميكانيكي الكمي باستخدام منظومة حوسبة كلاسيكية تعمل بالاحتمالات التقليدية وحسب. كان لا بد أن تكون الإجابة بعدم إمكانية ذلك. فلو كانت تلك الإمكانية متاحة، لكان هذا يعني القول إن عالم ميكانيكا الكم الحقيقي مكافئ من الناحية الحسابية لعالم تقليدي بعض الكميات به لا يمكن قياسها. وفي عالم كهذا ربما لا يتمكن المرء إلا من تحديد النتائج الاحتمالية للمتغيرات التي يمكنه قياسها لأنه لن يعلم قيمة «المتغيرات الخفية». وفي هذه الحالة سوف تتوقف احتمالية أي حدث قابل للرصد على شيء مجهول، وهي قيمة الكمية غير المرصودة. وعلى الرغم من أن هذا العالم التخيلي يبدو على نحو يثير الشك أشبه بعالم ميكانيكا الكم (وكان هو العالم الذي أعرب ألبرت أينشتاين عن أمله في أن يكون هو عالمنا الذي نعيش فيه؛ أي عالم تقليدي ندركه بعقولنا تكون فيه الطبيعة الاحتمالية لميكانيكا الكم ليست سوى نتيجة لجهلنا بالمتغيرات الإحصائية الفيزيائية الأساسية الموجودة بالطبيعة)، لكن عالم الكم أكثر غرابة بكثير من هذا، حسبما شرح جون بيل عام 1964 في بحث مميز. وسواء أعجبك الأمر أم لم يعجبك، فإن عالم الكم والعالم التقليدي الكلاسيكي لا يمكن أبدا أن يكونا متكافئين.
استخلص فاينمان مثالا فيزيائيا جميلا من بحث بيل عندما أوضح أنه لو حاول أحدهم تقليد جهاز كمبيوتر كلاسيكي قادر على إنتاج نفس الاحتمالات التي كانت منظومة «كم» ستنتجها لبعض الكميات القابلة للرصد أثناء تطور المنظومة، فمن الضروري أن تكون قيمة احتمال كمية أخرى مرصودة سالبة القيمة. الواقع المؤكد تماما أن عالم احتمالات الكم أكبر من أي شيء ممكن دمجه في عالم تقليدي محض.
خلال تقديم فاينمان شرحا فيزيائيا لطيفا للسبب الذي يجعل جميع النظريات التي تحتوي على متغيرات خفية محكوم عليها بالفشل، طرح في بحثه هذا أيضا تساؤلا أكثر تشويقا: هل يمكن ابتكار جهاز كمبيوتر ذي طبيعة ميكانيكية كمية؟ وتحديدا، لو أن بتات الكمبيوتر الأساسية كانت أجساما كمية، كدورة مغزلية للإلكترون مثلا، فهل يمكن للمرء عندئذ إجراء محاكاة رقمية تحاكي بدقة متناهية سلوك أي منظومة ميكانيكية كمية، ومن ثم تتعامل مع أي عمليات محاكاة ميكانيكية كمية لا يستطيع أي كمبيوتر تقليدي أن يتعامل معها بكفاءة؟
كانت إجابته المبدئية المدوية في بحث عام 1982 هي: «محتمل». إلا أنه استمر يفكر في هذه المسألة، يحفزه في ذلك بحث أجراه تشارلز بينيت، وهو فيزيائي يعمل بمعامل آي بي إم بين أن كثيرا من المعلومات المتعارف عليها في فيزياء الحوسبة غير صحيحة. وبالتحديد، كان الافتراض أنه في كل مرة يجري فيها الكمبيوتر عملية حسابية، يتعين عليه بث طاقة على هيئة حرارة (على أي حال، أي شخص لديه جهاز كمبيوتر محمول يعرف إلى أي مدى يمكن أن تصل سخونته). لكن بينيت أوضح أنه يمكن، من حيث المبدأ، إجراء عملية حوسبة بالكمبيوتر «بطريقة عكسية». أو بعبارة أخرى، يمكن من الناحية النظرية إجراء تلك العملية الحسابية ثم إجراء العمليات العكسية فننتهي من حيث بدأنا، دون أي فقدان للطاقة في صورة حرارة.
وبرز السؤال: هل سيعمل عالم ميكانيكا الكم بجميع تذبذباته الكمية على إفساد هذه النتيجة؟ في بحث قدم عام 1985، أوضح فاينمان أن الإجابة هي لا. ولكن من أجل القيام بهذا، كان عليه أن يتوصل إلى نموذج نظري لكمبيوتر كمي عام؛ أي، منظومة ميكانيكية كمية بحتة يمكن التحكم في تطورها بحيث تنتج العناصر المنطقية الضرورية التي تمثل جزءا من منظومة حوسبة عامة (أي: «و»، «ليس»، «أو» ... إلخ). وصمم فاينمان نموذجا لكمبيوتر كهذا وشرح كيفية تشغيله ومن ثم توصل إلى هذا الاستنتاج: «عند أي معدل، يبدو أن قوانين الفيزياء لا تضع أي عوائق أمام تقليص حجم أجهزة الكمبيوتر إلى أن تصبح البتات بحجم الذرات، ويصبح سلوك الكم الحاكم المهيمن على الأمور.»
على الرغم من أن القضية الفيزيائية العامة التي كان يتناولها كانت أكاديمية إلى حد بعيد، فقد أدرك أن إمكانية صنع كمبيوتر يبلغ حجمه من الصغر حدا تصبح معه قوانين ميكانيكا الكم هي التي تحكم سلوك عناصره أمر قد تكون له فائدة عملية حقيقية. وفي أعقاب تصريحه بأن كمبيوتر الكم الذي وضع له مخططا نظريا صمم ليحاكي الحاسبات التقليدية في كل عملية منطقية تجري بشكل متتابع، أضاف قائلا: «إن ما يمكن عمله، في أنظمة الكم القابلة للعكس هذه ، للحصول على السرعة المتاحة بواسطة العمليات المتزامنة، أمر لم ندرسه هنا.» إن الاحتمال المشار إليه في هذا السطر وحده يمكنه بسهولة تغيير وجه العالم. ومرة أخرى، طرح فاينمان فكرة كان من شأنها أن تهيمن على التطورات البحثية في ميدان علمي بأسره لجيل كامل، على الرغم من أنه لم يحقق هو بنفسه النتائج الأساسية النهائية.
صار مجال الحوسبة الكمية واحدا من أكثر المجالات النظرية والتجريبية إثارة، وبالتحديد بسبب طرح فاينمان الذي قال فيه إن الحاسبات التقليدية لا يمكنها أبدا محاكاة أنظمة الكم. فأنظمة الكم أكثر ثراء بكثير، ومن ثم يمكن أن يجري «كمبيوتر كمي» أنماطا جديدة من الخوارزميات الحسابية التي تتيح له إتمام عملية حسابية بكفاءة وواقعية كانت ستستغرق من أكبر أجهزة الكمبيوتر التقليدية المتاحة اليوم وقتا أطول من عمر الكون بأكمله!
الفكرة الأساسية هي حقا تلك السمة البسيطة التي استغلها فاينمان بكل وضوح في لوس ألاموس، والتي تعرضها بوضوح صياغة فاينمان لميكانيكا الكم المعروفة بتكامل المسار. فمنظومات الكم بطبيعتها سوف تستكشف عددا لانهائيا من المسارات المختلفة في آن واحد. فلو أمكن جعل كل مسار يمثل عملية حسابية محددة، يمكن لمنظومة كم أن تصبح معالجا موازيا مثاليا من صنع الطبيعة!
تأمل المنظومة التي ناقشها فاينمان في البداية، جسيم ميكانيكي كمي مبسط له حالتان من اللف المغزلي، يمكننا تسميتهما اللف «العلوي» و«السفلي». فإذا رمزنا لحالة اللف العلوي بالعدد «1» والسفلي بالعدد «صفر»، فإن منظومة اللف المغزلي بذلك تصف معلومة حسابية واحدة نمطية. غير أن السمة المهمة لمنظومة ميكانيكية كمية مثل تلك هي أنه إلى أن نقيسها لنعرف إن كانت في حالة علوية أم سفلية، تقول لنا ميكانيكا الكم إن هناك احتمالا محددا أن تكون في أي من الحالتين، وهو ما يعدل القول إنها في حقيقة الأمر في كلتا الحالتين في الوقت نفسه! وهذا يجعل بت الكم، أو «الكيوبيت» حسبما صار يعرف الآن، مختلفا اختلافا كبيرا عن البت التقليدي. فإذا تمكنا من العثور على سبل لتشغيل الكمبيوتر بكيوبيت كهذا دون قياسه فعليا، ومن ثم إرغامه على أن يكون في حالة محددة، فإن هناك احتمالا قائما أن نوجد معالجا كميا يجري أكثر من عملية حسابية في آن واحد.
Bog aan la aqoon