Richard Feynman: Noloshiisa Cilmiga
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Noocyada
من وجهة نظر إنسان مثلي، شب عن الطوق في حقبة اتسمت بالازدهار العلمي والبيروقراطية الشديدة، تعد الشدة والسرعة الكبيرتان اللتان مضى بهما مشروع مانهاتن أمرا يكاد يكون غير مفهوم. كان الوقت الذي مضى منذ كانت القنبلة مجرد تصور نظري حتى إتمام تجربة ترينيتي أقل من خمس سنوات! وكان الوقت الذي مضى منذ تعيين فاينمان وآخرين في المشروع أقل من ثلاث سنوات! أنجزت أبرع العقول في علم الفيزياء، التي كان حافزها في البداية الاعتقاد بأن العدو (ألمانيا) كان هو الآخر بصدد صنع سلاح نووي، في ثلاثة أعوام ما قد يستغرق في زماننا الحالي فترة لا تقل عن عقد أو عقدين من الزمن. إن مشروع فصل النظير المشع، وهو المشروع الهائل الذي أنجز في مختبر أوك ريدج بتنيسي وحده والذي ضاعف بنسبة تزيد على مليون مرة إجمالي كمية اليورانيوم 235 في العالم خلال تلك السنوات الثلاث - في ظل ظروف بالغة الخطورة أرسل فاينمان عام 1945 لمحاولة تصحيحها - من شأنه أن يستغرق في زمننا الحالي وقتا لا يقل عن تلك المدة لمجرد إخلاء البيئة المحيطة قبل السماح له بالبدء.
كان فاينمان يتعجل ليكون إلى جوار آرلين في ساعاتها الأخيرة يوم 16 يونيو، لكن بعد أن توفيت، أدرك أنه لم يعد بيده ما يمكنه فعله، فجمع متعلقاتها، ورتب لإقامة الشعائر الجنائزية فورا، وعاد، محطما، إلى لوس ألاموس على نحو مثير للدهشة ليواصل عمله في المساء التالي. لم يوافق بيته على ذلك وأمره بالعودة إلى منزله بلونج أيلاند كي يحصل على قسط من الراحة. لم تكن أسرته قد أخطرت مسبقا بوصوله، وبقي معهم إلى أن تلقى برقية مشفرة بعدها بحوالي شهر تستدعيه للعودة من جديد إلى نيو مكسيكو. عاد في الخامس عشر من يوليو، وأرسلت إليه سيارة لتحمله إلى منزل بيته كي يتناول شطائر أعدتها له السيدة روز، زوجة بيته، ثم استقل حافلة إلى موقع صحراوي مقفر يسمى «خورنادا دل مويرتو»، حيث انضم إلى زملائه لمشاهدة اختبار القنبلة التي وصلوا الأيام بالليالي طيلة السنوات الثلاث الأخيرة عاكفين على تصميمها وصنعها؛ القنبلة التي ستغير شكل العالم إلى الأبد.
كل من شاهد الانفجار شعر بالرهبة، لكن بصور متباينة. فالبعض، مثل أوبنهايمر، تذكر الشعر، وكان ما تذكره في تلك اللحظة فقرة غامضة من شعر باجافاد جيتا تقول: «الآن صرت الموت، مدمر العوالم.» أما فاينمان، الذي استطاع تجنب الخرافات لحظة وفاة زوجته، والعاطفية بعدها مباشرة، فقد حافظ على رباطة جأشه وتماسكه. أخذ يفكر في العمليات التي كونت تلك السحب التي أحاطت بموجة الانفجار، والعمليات التي جعلت الجو يتألق بالضياء أثناء تأينه نتيجة لحرارة الانفجار، وبعدها بمائة ثانية، عند وصول صوت الانفجار المدوي أخيرا إلى منصة المراقبة، كان يبتسم. فقد أثبتت الطبيعة صحة الحسابات التي بذل فيها جهدا مضنيا.
الفصل السابع
مسارات نحو العظمة
هناك متعة في فهم الأشياء القديمة من وجهة نظر جديدة.
ريتشارد فاينمان
كانت تلك أجمل الأوقات، وفي الوقت نفسه أكثرها مرارة. رحل ريتشارد فاينمان عن لوس ألاموس في أكتوبر من عام 1945 نجما جديدا لامعا في مجتمع الفيزياء. كان أوبنهايمر قد حاول سابقا في عام 1943 إقناع رئيس قسم الفيزياء بجامعة كاليفورنيا ببيركلي أن يعرض عليه وظيفة، قائلا له: «إنه بلا أدنى شك أكثر الفيزيائيين الشبان نبوغا هنا ... إن تميزه معروف جيدا، سواء في برينستون ... أو لعدد لا يستهان به من «كبار العلماء» العاملين في هذا المشروع، وقد عرض عليه بالفعل وظيفة لفترة ما بعد الحرب، ومن المؤكد أنه ستعرض عليه غيرها.» كان أوبنهايمر يقصد عرضا جاء من بيته الفطن دائما، الذي كان بحلول نوفمبر عام 1943 رتب لعرض أكاديمي لفاينمان للعمل في جامعة كورنيل، بحيث يعتبر فاينمان في إجازة رسمية من كورنيل أثناء وجوده في لوس ألاموس. وتباطأ رئيس جامعة بيركلي الرصين في تقديم العرض حتى صيف 1945، قائلا لفاينمان: «لم يسبق لأحد أن رفض وظيفة عرضناها عليه.» ولكن فاينمان رفض العرض. لقد عرف بيته وأحبه، وكان الأخير يكون مجموعة ممتازة في كورنيل. علاوة على ذلك، استطاع بيته أن يجعل عرض جامعة كورنيل منافسا لعرض بيركلي وبراتب أعلى، وهكذا غادر فاينمان لوس ألاموس في الخريف، واتجه إلى كورنيل ليكون أول من غادر الموقع من قادة المجموعات.
كان تنبؤ أوبنهايمر صائبا، كما كان الحال في أغلب الأحيان. وفي خلال عام واحد، تلقى فاينمان مزيدا من العروض بوظائف ثابتة بمعهد الدراسة المتقدمة، وجامعة برينستون، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وقد رفضها جميعا حتى يتمكن من الاستمرار ضمن مجموعة بيته. وتسببت تلك العروض في ترقيته بكورنيل من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك.
كان من الطبيعي أن ترفع كل هذه الموافقات والعروض من معنويات فاينمان. إلا أنه على الرغم من ذلك كان منهكا، متشائما، ومكتئبا. فعلى الرغم من أن وفاة زوجته كانت أمرا متوقعا، فإنها كانت صدمة مروعة له. لقد كانت آرلين طوق النجاة له في الحياة. وما ضاعف من شعوره بالاكتئاب في أعقاب وفاتها إحساس غريب بالغربة والضياع اجتاحه لدى معرفته أنه قد صار في الإمكان صنع الأسلحة النووية، وأن الولايات المتحدة لن تظل طويلا المحتكرة الوحيدة لها. فعلى سبيل المثال، تذكر فاينمان في وقت لاحق أنه كان مع والدته في نيويورك بعد الحرب مباشرة وفكر في عدد من يمكن أن يقتلوا لو أن قنبلة ألقيت على المدينة.
Bog aan la aqoon