Richard Feynman: Noloshiisa Cilmiga
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Noocyada
البداية
ربما كان الشيء بسيطا إذا استطعت أن تصفه وصفا كاملا بطرق عديدة مختلفة، دون أن تعرف في التو أنك تصف الشيء نفسه.
ريتشارد فاينمان
هل كان لأحد أن يخمن أن ريتشارد فاينمان الطفل سيصير على الأرجح أعظم علماء الفيزياء، وربما أقربهم للقلوب، طوال النصف الأخير من القرن العشرين؟ لم يكن هذا واضحا، على الرغم من وجود العديد من العلامات الأولية الدالة عليه؛ فقد كان ذكيا على نحو لا يقبل الجدل، وحظي بوالد يمنحه الرعاية والاهتمام ويسليه بالألغاز ويغرس فيه حب التعلم، مشجعا فضوله الفطري ومغذيا عقله متى أمكنه ذلك، وكانت لديه مجموعة أدوات الكيمياء، وأظهر افتتانا بأجهزة الراديو.
لكن هذه الأشياء كانت مألوفة إلى حد ما لدى الأطفال اللامعين في ذلك الوقت. ففي الجوانب الأساسية لحياته، بدا ريتشارد فاينمان طفلا يهوديا ذكيا عاديا من لونج أيلاند نشأ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وربما كانت تلك الحقيقة البسيطة هي التي حددت موضعه المستقبلي في التاريخ، بنفس قدر أهمية أي شيء آخر. نعم، كان عقله غير عادي، لكنه ظل متصلا بالواقع بقوة، حتى وهو مندفع لاستكشاف الجوانب الخفية الأكثر غموضا من وجودنا. نبع ازدراؤه للتباهي من حياته المبكرة التي لم يتعرض فيها لأي قدر منه، ونبع ازدراؤه للسلطة ليس فقط من والد غذى لديه حس الاستقلال، ولكن أيضا من حياة مبكرة نال فيها قدرا كبيرا من الحرية في أن يكون طفلا، وفي أن يسعى وراء أهوائه، وفي أن يرتكب الأخطاء.
ربما كانت أول إشارة على ما كان قادما في حياة فاينمان هي قدرته التي لا تكل - بكل معنى الكلمة - على التركيز على المشكلة التي تواجهه لساعات طوال في كل مرة، حتى إن والديه بدآ يقلقان عليه. وعندما كان مراهقا، حقق فاينمان استفادة عملية من افتتانه بأجهزة الراديو: إذ افتتح مشروعا صغيرا لإصلاحها. ولكن على عكس أعمال التصليح التقليدية، كان فاينمان يبتهج بحل مشكلات أجهزة الراديو ليس فقط من خلال الإصلاح، وإنما من خلال التفكير أيضا!
كان فاينمان يجمع بين تلك القدرة المميزة على تركيز كل طاقته على المشكلة التي يواجهها وبين موهبته الفطرية في الاستعراض. فعلى سبيل المثال، حدث أثناء أشهر عمليات إصلاح أجهزة الراديو التي قام بها أنه ظل يقطع المكان جيئة وذهابا وهو يفكر وجهاز الراديو المعطوب يطلق صوتا عاليا مزعجا أمام صاحبه كلما حاول تشغيله. وفي النهاية نزع فاينمان الشاب صمامين من الجهاز وبدل موضعيهما، وحل المشكلة. وأشك في أنه ترك الموقف كله يستمر فترة أطول من اللازم بهدف إحداث الأثر الذي أراده.
وفي وقت لاحق من حياته تكررت القصة نفسها تقريبا. لكن القصة الآتية حدثت عندما طلب من فاينمان المتشكك أن يفحص صورة محيرة مأخوذة من غرفة للفقاعات؛ وهي جهاز تترك فيه الجسيمات الأولية مسارات مرئية. فبعد أن فكر لبرهة من الوقت، وضع قلمه الرصاص على بقعة محددة من الصورة، وقال إنه لا بد من وجود رتاج في ذلك الموضع، وهو موضع تعرض فيه أحد الجسيمات لتصادم غير متوقع، محدثا نتائج أسيء تفسيرها. وغني عن القول أنه عندما عاد العلماء التجريبيون أصحاب الاكتشاف المزعوم إلى جهازهم وألقوا نظرة عليه، وجدوا الرتاج هناك!
ومع أن الأسلوب الاستعراضي يسهم في المعرفة بشخصية فاينمان، فإنه لم يكن مهما في عمله. كذلك لم يكن مهما افتتانه - الذي ظهر لاحقا - بالنساء. وكان المهم بحق هو قدرته على التركيز، الممزوجة بطاقة تكاد تكون غير بشرية يمكنه توظيفها في حل المشكلات. غير أن السمة الأساسية الأخيرة التي زينت كل هذا - عند اجتماعها مع السمتين السابقتين - هي التي ضمنت له العظمة في نهاية المطاف؛ تلك السمة هي ببساطة موهبة فذة تكاد لا تبارى في الرياضيات.
بدأت عبقرية فاينمان في الرياضيات تعلن عن نفسها بوضوح حين كان طالبا بالمدرسة الثانوية. فعندما كان في السنة الثانية علم نفسه حساب المثلثات، والجبر المتقدم، والمتسلسلات اللانهائية، والهندسة التحليلية، وحساب التفاضل والتكامل! وأثناء هذا التعلم الذاتي، بدأ في التجسد الجانب الآخر مما جعل فاينمان متفردا؛ فقد كان يعيد صياغة جميع المعارف بطريقته الخاصة، مبتكرا في كثير من الأحيان لغة جديدة أو صيغة جديدة تعكس فهمه الخاص. وفي بعض الأحيان، كانت الحاجة هي أم الاختراع. فأثناء كتابة كتيب عن الرياضيات المعقدة في عام 1933، وهو بعد في سن الخامسة عشرة، ابتكر «رموز الآلة الكاتبة» لتعكس العمليات الرياضية المناسبة، وذلك لأن آلته الكاتبة لم تحتو على مفاتيح تمثلها، ووضع مجموعة رموز جديدة لجدول من المتممات كان قد ابتكره من قبل.
Bog aan la aqoon