============================================================
وأما الفرقة الثانية (1) فقد شاركت الأولى في بعض معناها إذ جعلت ذكر الله، عز وجل، وذكر الشيطان في القلب مستويين، فكأنما أمرت بذلك : ذكر الله عز وجل، وذكر الشيطان، والاشتغال بالله عز وجل، و (الاشتغال) (2) بالشيطان، ولم يبلغنا على أحد من الأقوياء ولا الضعفاء انه فعل ذلك ولا دان به .
لأن الله عز وجل، أمر عباده بطاعته، وندبهم إلى الاشتغال به عن خلقه : إبليس وغيره، وامرهم بالحذر منه حين يعرض بفتنته.
فاشتغل اولياء الله عز وجل، وأهل الخالصة من عباده بذكر ربهم، وذكر ما ندب إليه وأحبه، والزموا قلوبهم حذر ما حذرهم منه، على غير انتظار له، ولا اشتغال بذكره.
والحذر يلزم القلب من العناية بالنجاة من العدو والخوف من فتنته ، ثم لا يمنع الاشتغال بالله عز وجل، مع ترك ذكر العدو الاشتغال به ، أن يهيج الذكر والتيقظ حين يعرض العدو بخطرته.
وإن ذلك لموجود فيما هو أشد من الدنيا، فإن نام والحذر في قلبه من ذهاب النوم تيقظ في غير وقته الذي كان يستيقظ له من الحذر اللازم لقلبه .
فكذلك المشتغل بذكر ربه الذي لم يذهب عقله أولى أن يوقظه ويذكره الحذر من عدوه، وإن اشتغل بذكر ربه وترك ذكر عدوه والاشتغال به، لأن المستيقظ من النوم من غير ذكر دائم في قلبه، وكيف يذكر وهو نائم لا يعقل ولكنه أيقظه الحذر.
فكذلك العامل لله عز وجل ، المشتغل بذكره، اللاهي عن ذكر الشيطان بالاشتغال بربه، عز وجل، إذا عرض عارض منه ذكره الحذر في قلبه، وقواه الذكر على أن يفطن للعارض، وتحرك المعارض وفزع، إذ كان فيه عطبه، والنائم نيس في قلبه ذكر ولا عارض له يوقظه.
(2) ما بين الحاصرتين: سقطت من ط (1) في خ: الاخرى.
204
Bogga 203