مع منافاتِه العدلَ عندهم فهو مخالفٌ لقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام/ ١٦٤، فاطر/ ١٨]. ثم تنوَّعوا ما بين ردّ وتأويلٍ، فردَّتْه طائفة منهم عائشة وابن عباس والشافعي في "مختلف الحديث" (^١) وغيرهم، وقالت عائشة: إنكم لتُحدِّثونا عن غير كاذبين، ولكنّ السمع قد يُخطئ. وأقسمتْ أن النبي ﷺ ما قال ذلك، ثم روت حديثين وأحدهما معناه يوافق معنَى ذلك الحديث. ولهذا قال الشافعي في "مختلف الحديث" لما قال: ما قالتْه عائشةُ أشبهُ بكتابِ الله، لكن روايتها الأخرى هي الصحيحة.
قلت: فأما الحديث الأول ففي الصحيحين (^٢) عن ابن أبي مليكة قال: توفّيتْ لعثمانَ ابنةٌ بمكةَ، وجئنا لنشهدَها، وحضَرها ابن عمر وابن عباس، وإني لجالسٌ بينهما، أو قال: جلستُ إلى أحدهما، ثم جاءَ الآخر فجلسَ إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله ﷺ قال: "إن الميت يُعذَّب ببكاء أهلِه". فقال ابن عباس: كان عمر يقول بعضَ ذلك، ثم حدَّثَ قال: صَدرتُ مع عمر من مكة حتى إذا كنّا بالبيداءِ إذا هو برَكْبٍ تحت ظلِّ سَمُرةٍ، فقال: اذهبْ فانظر من هؤلاء الركبُ، قال: فنظرتُ فإذا صُهيبٌ، فأخبرتُه، فقال: ادْعُه لي، فرجعتُ إلى صهيبٍ فقلت: ارْتحِلْ فالْحَقْ أميرَ المؤمنين. فلما أصيبَ عمرُ دخل صُهَيبٌ يبكي يقول: وا أخاه وا صاحباه! فقال عمر: يا صهيبُ أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله ﷺ: "إن الميت يُعذَّب ببعضِ بكاءِ أهلِه عليه"؟! قال ابن عباس: فلما مات عمرُ ذكرتُ ذلك لعائشة،