بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة
كتبها: أحد طلبة العلم
1 / 1
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) أما بعد:
فإن دين الإسلام هو خاتم الرسالات أتم الله بكماله النعمة على عباده ولما كان الأمر كذلك فإنه دون أدنى شك صالح لأن يعمل به في كل زمانٍ ومكان، ومما يجعله كذلك اتسام تشريعاته باليسر والسهولة ودرئه للمفاسد ومراعاة المصالح وتقديم العامة منها على الخاصة، وجمعه في وقتٍ واحدٍ بين التمسك بالمباديء والقيم وبين الواقعية والمراد بالواقعية هنا أنه يمكن تطبيقه على أرض الواقع بلا حرجٍ ومشقة، لا بمعنى الخضوع للواقع كما يحلو للبعض أن يفسر به الواقعية، والمسلم يؤمن بذلك على كل حال لكنه حينما يدرس عن قرب ما استجد من أمور (١) ليرى هل يجد لها في الإسلام حكمًا ينبهر حينما يجد أن علماء الإسلام قديمًا وحديثًا كتبوا في مسائل كثيرة دقيقة ومتنوعة ومما ساعدهم على ذلك عملهم بالقياس وتطبيقهم للقواعد الفقهية التي يمكن أن يندرج تحتها كثيرٌ من المسائل بل لقد ألف بعض العلماء قديمًا كتبًا في النوازل خاصة، وفي العصر الحاضر أقيمت المجامع الفقهية لبحث النوازل المستجدة، وقد من الله علينا بدراسة مقرر (فقه النوازل) بمرحلة الدكتوراة فشعرنا حينها بشعورين متناقضين شعور بالفرح والسرور وشعور بالأسى والحزن فالسرور اسشعارًا بنعمة الله علينا بهذا الدين وانتسابنا إليه، والأسى لأن كثيرًا من المسلمين في بلادٍ كثيرةٍ
_________
(١) - وقد استجدت أمور كثيرة وخاصةً في النواحي المالية والطبية، وقد تكون بعض النوازل مما عمت به البلوى واحتاج إليه الناس، وبعضها بسبب تساهلهم في الحرام وتقليدهم للكفار، وقد قال عمر بن عبد العزيز ﵀: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
2 / 1
أعرضوا عنه واستبدلوه بآراء البشر وأفكارهم، ومما حبب إلينا هذا المقرر أسلوب شيخنا الدكتور/ عبد الله بن محمد الطريقي (حفظه الله) حيث كان يطرح المسائل للنقاش ويكلفنا بالبحث فيها لنقف على مصادر بحثها عن كثب، فنسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن ينفعنا بما تعلمنا وأن يجعله حجةً لنا لا علينا.
2 / 2
بعض النوازل في العبادات
3 / 1
استعمال مياه الصرف الصحي
التمهيد: مياه الصرف الصحي بعد أن يتم تنقيتها وإزالة ما علق بها من أوساخ هل تصبح طاهرة باعتبار ما آلت إليه أم أنها تبقى نجسة باعتبار حالها الأول.
هذا يتطلب منا الرجوع إلى أقوال العلماء في كيفية تطهير الماء.
أقوال العلماء في تطهير الماء:
١- قال الجمهور: تطهير المياه إما بصب ماءٍ طهور عليها، أو نزح بعضها، أو زوال التغير بنفسه. إلاّ أن الشافعية والحنابلة يشترطون فيما نزح بعضها بان يبقى بعد النزح قلتان فأكثر، وللمالكية في النزح قولان.
٢- وقال الحنفية: يطهر الماء النجس بنزح مقدار منه، لكن يختلف مقدار ما ينزح لتحصل به الطهارة للباقي باختلاف نوع النجاسة واختلاف أحوالها.
ومما سبق يتضح لنا أن الجمهور يرون تغير الماء بنفسه إما بالشمس أو غيرها سببًا في طهارته، لأنه استحال إلى شيءٍ طاهر.
وقد اختلف العلماء في الاستحالة.
١- فقال الحنفية والشافعية وهي رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية (١): يطهر الشيء باستحالته عن النجاسة، واستدلوا بما يلي:
١- أن عين النجاسة قد زالت واستحالت فلم يبق لها أثر فينبغي أن ينتفي حكمها، لأنها صارت من الطيبات، والله تعالى يقول: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث (. قال ابن حزم: (إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم وانتقل إلى اسمٍ آخر وارد على حلالٍ طاهر فليس هو ذلك النجس ولا ذلك الحرام، بل قد صار شيئًا آخر ذا حكم آخر) .
_________
(١) - وفرق الشافعية بين ما هو نجس لعينه أو لمعنى فيه، وفي الفتاوى الهندية عد المطهرات فذكر منها الاستحالة.
4 / 1
٢- القياس على ما يطهر بالاستحالة كالمسك فإنه طاهر مع أنه من الدم، لأنه استحال عن جميع صفات الدم، والخمرة تطهر إذا انقلبت بنفسها خلًا، والدم يصبح منيًا، والعلقة تصبح مضغة، ولحم الجلالة الخبيث يصبح طيبًا إذا علف الطيب، وما سقي بنجس إذا سقي بالماء الطاهر، والجلد يصبح طاهرًا بعد الدبغ. قال ابن تيمية ﵀: وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحًا في الملاحة أو صارت رمادًا، أو صارت الميتة والدم والصديد ترابًا كتراب المقبرة فهذا فيه خلاف، ثم قال: والصواب أن ذلك كله طاهر إذ لم يبق شئ من النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها. وقال ابن قدامة ﵀: يتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة.
اعتراض ودفعه: أن الخمر إذا انقلبت خلًا بنفسها طهرت، وإذا خللت لم تطهر فيقاس عليها غيرها. والجواب: أن الخمرة إنما لم تطهر لأنه يحرم تخليلها، ولأن اقتناء الخمر حرام فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرمًا، والله أعلم.
٢- وقيل بأن النجاسات لا تطهر بالاستحالة وهي وراية عن أحمد وقول لمالك، وللشافعي فيما نجاسته عينية كالميتة، واستدلوا بما يلي:
١- أن النجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحًا وصديدًا.
٢- واحتياطًا للشك في النجاسة. ٣- ولأن الأجزاء الجديدة هي تلك الأجزاء السابقة للنجاسة. ٤- قياسًا على الجلالة فمع أن النجاسة استحالت لم يحكم بطهارتها.
ونوقش بأن النجاسة قد زالت، وأما الجلالة فإنها تطهر بإطعامها الطاهر.
الترجيح: الراجح هو طهارة مياه الصرف الصحي إذا زالت النجاسة تمامًا لزوال أوصافها وهي اللون والطعم والرائحة فتعود المياه إلى أصلها وهو الطهورية وإن كان ينبغي للمسلمين اجتنابها اكتفاءً بالمياه الأخرى ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا احتياطًا، ولأن النفس قد تعاف تلك المياه وتستقذرها، وهذا ما أفتتنت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
المراجع:
4 / 2
مجلة البحوث الإسلامية. العدد ٣٥، الصفحة ٣٥. وذكر بها عدد من المراجع الفقهية وغيرها.
4 / 3
زكاة الأسهم والسندات
تعريف الأسهم والسندات:
السهم: صك يمثل حصة في رأس مال شركة مساهمة.
أو نقول الأسهم: صكوك متساوية القيمة، غير قابلة للتجزئة وقابلة للتداول بالطرق التجارية، وتمثل حقوق المساهمين في الشركات التي أسمهوا في رأس مالها.
السندات: جمع سند، والسند: صك مالي قابل للتداول، يمنح للمكتتب لقاء المبالغ التي أقرضها، ويخوله استعادة مبلغ القرض، علاوة على الفوائد المستحقة، وذلك بحلول أجله. أو نقول: تعهد مكتوب بملبغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.
الفرق بين السهم والسند:
١- السهم يمثل جزءً من رأس مال الشركة، وأما السند فيمثل جزءً من قرض على الشركة أو الحكومة. ٢- السهم تتغير قيمته.
٣- حامل السند يعتبر مقرضًا أما حامل السهم فيعتبر مالكًا لجزء من الشركة، ولذلك فإن السهم يعطي حامله حق التدخل في الشركة.
٤- للسند وقت محدد لسداده أما السهم فلا يسدد إلاّ بعد تصفية الشركة.
٥- السند عند الإفلاس يوزع بالحصص، أما السهم فيأخذ مالكه نصيبه بعد سداد الديون.
حكم الأسهم والسندات:
الأسهم هي أجزاء تمثل رأس مال لشركة قد تكون صناعية أو زراعية، فهي جائزة شرعًا إذا كان النشاط مباحًا، ومما يدل على جوازها القياس على ما حدث مع تماضر الأشجعية في عهد عثمان بن عفان «) بعد استشارة الصحابة حيث أعطيت مقابل سهمها من التركة ٨٠ ألف دينار، وكانت التركة أنواعًا من المال النقدي والعيني.
... وكون الأسهم تحتوي على نقود فهذا لا يمنع من حلها ولا يكون بيع نقدٍ بنقدٍ لأن النقد تابع لغيره والقاعدة تقول: يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، وفي الحديث عن ابن عمر ﵁ أن النبي «) قال: من باع عبدًا وله ما ل فماله للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع. رواه مسلم.
وأما السندات فمحرمة لأنها مبنية على الربا.
زكاة الأسهم والسندات:
سنبدأ بالسندات لأن الأسهم تحتاج إلى تفصيل.
5 / 1
١- السندات محرمة لما سبق ولكن هل تزكى؟ ما يأخذه من الربا يجب عليه أن يتخلص منه بإعادته إلى صاحبه وإذا لم يعلم صاحبه فيتصدق به جميعه بنية جعل الثواب لصاحبه. وقال الشيخ الزحيلي: بالرغم من تحريم السندات فإنها تجب زكاتها لأنها تمثل دينًا لصاحبها، وتؤدى زكاتها عن كل عام عملًا برأي جمهور الفقهاء غير المالكية، لأن الدين المرجو (وهو ما كان على مقرٍ موسرٍ) تجب زكاته في كل عام، وشهادات الاستثمار أو سندات الاستثمار هي في الحقيقية سندات وتجب فيها الزكاة وإن كان عائدها خبيثًا وكسبها حرامًا، وتزكى السندات كزكاة النقود... وذلك لأن تحريم التعامل بالسندات لا يمنع من وجود التملك التام فيجب فيها الزكاة، أما المال الحرام غير المملوك كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة... والربا ونحوها فلا زكاة فيه لأنه غير مملوك لحائزه ويجب رده لصاحبه الحقيقي منعًا من أكل أموال الناس بالباطل فإن بقي في حوزة حائزه وحال عليه الحول ولم يرد لصاحبه فيجب فيه زكاته رعاية لمصلحة الفقراء. أ.هـ وذكر ابن تيمية ﵀ أن المال إن كان أهله غير معروفين ولا معينين كالأعراب المتناهبين تجب فيه الزكاة.
٢- الأسهم: تنقسم الأسهم إلى ثلاثة أنواع:
١- الأسهم في شركة زراعية فتخرج زكاتها كما في زكاة الزروع والثمار.
٢- أسهم في شركات تجارية فتجب زكاة الأسهم جميعها كعروض التجارة، وتقدر فيها الأسهم بقيمتها في السوق وقت وجوب الزكاة
٣- أسهم في الشركات الصناعية فهذه اختلف في زكاتها:
أ- فقيل: تجب الزكاة في صافي الربح لا في المعدات والمباني ونحوها، اختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه المعاملات الحديثة وأحكامها.
ب - وقيل: لا فرق بين الأسهم في شركاتٍ صناعية أو تجارية ما دامت معدة للتجارة ولما في التفريق بينهما من المشقة، واختار هذا القول الشيخ يوسف القرضاوي.
5 / 2
٣- وفرق بعض العلماء بينها بحسب النية فإن كان المساهم يقصد الاستمرار في تملك حصةٍ شائعة في الشركة وأخذ العائد الدوري فلا يزكي الأصول، وإن كان تملكه على سبيل المتاجرة فيزكيها باعتبار قيمتها السوقية، وهذا قول الشيخ: عبد الله بن منيع.
ونوقش هذا القول بأنه تفريق بين المتماثلين.
وأجيب بأن النية لها دور في تغيير الزكاة كما في التملك للقنية والسكنى، والتملك للتجارة، ولأن من لا يقصد المتاجرة قد تمضي عليه فترة طويلة لا يبيع فيها ثم قد تنخفض الأسعار بخلاف الأول فإنه يبيع ويشتري دومًا.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول لما تقرر لدى الفقهاء من أن آلات الصناعة والمباني ونحوها لا زكاة فيها إذا لم تكن هي ذاتها معدة للتجارة.
المراجع:
١ـ مجلة مجمع الفقه الإسلامي. العدد (٤)، ج (١) ص ٧٠٧.
٢ـ بحوث في الاقتصاد الإسلامي، لعبد الله بن سليمان بن منيع ص (٦٧) .
٣- مجموع رسائل الشيخ/ عبد الله المحمود. ٤- زكاة الأسهم والسندات للشيخ/ صالح السلان. ٥- أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة.
5 / 3
إثبات رؤية الهلال بالمنظار
اتفق العلماء على أنه لا يثبت دخول شهر رمضان بحساب الفلكيين، ويثبت دخوله برؤية الهلال، لقول الرسول الكريم «(: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. ولكن هل هذه الرؤية مقصورة على الرؤية بالعين المجردة؟.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في رسالة صنفها في هذه المسألة (١) كما جاء في المجلد (٢٥) من الفتاوى صفحة (١٣٢) إجماع العلماء على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة وهو ﵀ من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف. ونقل الحافظ في الفتح ج٤ صفحة (١٢٧) عن أبي الوليد الباجي: إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم. والأحاديث الصحيحة عن النبي «(كلها تدل على ما دل عليه الإجماع المذكور. ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال، ولكني أقصد منع الاعتماد عليها أو جعلها معيارًا للرؤية لا تثبت إلاّ إذا شهدت لها المراصد بالصحة، أو بأن الهلال قد ولد، فهذا كله باطل.
_________
(١) قصد مسألة إثبات دخول الشهر بالحساب، وسيأتي الكلام عن الرؤية.
6 / 1
وقال الشيخ محمد بن عثيمين ﵀: لا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية إذا لم يكن رؤية، فإذا كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة لعموم قول النبي «(: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا. أما الحساب فإنه لا يجوز العمل به ولا الاعتماد عليه، وأما استعمال ما يسمى (بالدربيل) وهو المنظار المقرب في رؤية الهلال فلا بأس به ولكن ليس بواجب، لأن السنة أن الإعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها. ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به فإنه يعمل بهذه الرؤية، وقد كان الناس قديمًا يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون (المناثر) في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار، على كل حال من ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية لعموم قوله «(: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا. أهـ.
ضوابط استخدام المنظار والمراصد:
١- الاستعانة بها لا الاعتماد عليها وجعلها معيارًا للرؤية لا تثبت الرؤية إلاّ إذا شهدت لها المراصد.
٢- عدم التكلُّف والتمحل في استخدامها.
٣- تحقق الرؤية البصرية من خلالها.
٤- أن تكون بأيدي إسلامية عدْلة.
٥- أن تعطي الصورة للموقع نفسه إذ لو لم تكن كذلك فقد تعطى صورة لموقع سابق فلا يكون الهلال ولد في نفس البلد.
المراجع:
١- مجلة البحوث الإسلامية. صفحة (٢٧٦) .
٢- من فتاوى أئمة الإسلام في الصيام. إعداد: أحمد بن عبد الله العلان صفحة (٤٤٨) .
٣- مجلة مجمع الفقه الإسلامي. عدد ٣ ج٢.
٤- فتاوى اللجنة الدائمة. ١٠/٩٨.
6 / 2
٥- - توضيح الأحكام، للشيخ: عبد الله البسام (١)
_________
(١) - ومن النوازل في العبادات أيضًا: معرفة أوقات الصلوات في الأماكن التي لا تغيب فيها الشمس أو لا تطلع لمدةٍ طويلة كستة أشهر، مثلًا ففي مثل هذه الحال إذا لم يكن الشفقان (شفق الغروب والشروق) يتمايزان فلا يتميز الليل والنهار في خلال أربعةٍ وعشرين ساعة فإنه يقدر الوقت بالنظر لأقرب البلدان إليها (وقال بعضهم بالنسبة لمكة والمدينة والأول أصح) ودليل التقدير القياس على ما ورد في حديث النواس بن سمعان ﵁ الذي ذكر فيه الدجال، وفيه: قالوا: يا رسول الله:: مالبثه في الأرض؟ قال: أربعون يومًا: يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم قالوا: يا رسول الله فذاك اليوم كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. فكذلك الحال هنا، وبالنسبة للصيام كذلك. وأما إذا لم يزد مجموع الليل والنهار عن أربعٍ وعشرين ساعة فيبقى الحال على الأصل ولو طال النهار عملًا بأحاديث التوقيت.
المراجع: قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ص٨٩.
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ١/٢٢٢.
ومن النوازل في الصيام: بعض المواد المختلف في تفطيرها للصائم كبخاخ الربو فقد قيل لا يفطر لأنه يصل للرئتين، وقيل: يفطر لأن به بعض المواد التي تصل للمعدة. وانظر مجلة الحكمة عدد١٤ ص٩٧.
وانظر في علاج الأسنان في نهار رمضان مجلة البحوث الإسلامية ٥٨/١١٣.
ومن النوازل في الحج: الطواف والسعي ورمي الجمار من الطابق العلوي، وقد ذكرت مسألة الطواف في مواهب الجليل ٣/٧٥ عند ذكره لاشتراط الطواف داخل المسجد حيث قال: ومثله والله أعلم من طاف على سطح المسجد، وهذا ظاهر ولم أره منصوصًا وصرح الشافعية والحنفية بأنه يجوز الطواف على سطح المسجد ولم يتعرض لذلك الحنابلة والله أعلم أ. هـ. ودليل الجواز أن الهواء له حكم القرار وقياسًا على الصلاة على سطح المسجد فإنه يجوز لكن بشرط ألا يخلو الأسفل من المصلين. وانظر: مجلة البحوث الإسلامية ١/١٨٢.
ومنها: إذا ضاقت منى عن الحجاج كما يحدث في هذه الأزمان لكثرة الحجاج بسبب سهولة السفر، فقيل: يسقط عنه المبيت لأن الواجب المبيت في منى فلو بات خارجها لم يجزه فيسقط عند العذر للعجز عنه وهذا القول للشيخ/ عبد العزيز بن باز ﵀ . وقيل: بل يبيت بالقرب من منى إلى أقرب خيمة، ولا بأس بذلك إذا اتصلت الخيام قياسًا على الصلاة خارج المسجد إذا اتصلت الصفوف وقال به الشيخ/ محمد بن عثيمين ﵀ .
ومن النوازل في الجهاد: العمليات الفدائية، أو الانتحارية، أو الاستشهادية، وإنما اختلف في تسميتها بحسب النظرة لها.
وصورتها: أن يقوم شخصٌ بتفجير نفسه وسط الأعداء فيحدث ذلك ضررًا فيهم ولكنه يكون هو أيضًا من جملة القتلى، وقد يقود سيارة ممتلئة بالمتفجرات فيصطدم بالأعداء ونحو ذلك.
الحكم الشرعي: قال أكثر العلماء المعاصرين بجوازها إذا ترتب عليها مصلحة كبيرة للإسلام والمسلمين، وممن قال بالجواز الشيخ/ عبد الله بن حميد ﵀، والشيخ/ عبد الله بن منيع، والشيخ الدكتور/ وهبة الزحيلي، والشيخ الدكتور/ يوسف القرضاوي، وبه صدرت الفتوى من مجموعة من علماء الأردن، ومن الأدلة على الجواز ما يلي:
١- قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) الآية. ووجه الدلالة: أن الله اشترى من العباد إتلاف أنفسهم وأموالهم في طاعته، وهلاكها في مرضاته.
٢- قصة الغلام الذي دل الملِك على كيفية قتله بأن يقول: باسم الله رب الغلام، وهذا بيانٌ منه للصفة التي تؤدي إلى قتله ولكنه من أجل الدين فجاز قال ابن تيمية: إن الغلام أمر بقتل نفسه من أجل مصحة الدين أ. هـ وكونه لم يباشر القتل بنفسه لا يؤثر فالمباشرة لا أثر لها في تغيير الحكم.
٣- حديث أبي هريرة ﵁: من خير معاش الناس رجلٌ ممسكٌ بعنان فرسه كلما سمع هيعةً أو فزعةً طار إليها يبتغي الموت من مظانه رواه مسلم. فهذه العمليات المراد بها: طلب الشهادة والنكاية بالعدو فهي جائزة. وإنما يحرم قتل النفس وإلقاؤها في التهلكة لا لغرضٍ شرعي.
٤- القياس على الانغماس في العدو الجائز، ومما يدل على جوازه " فعل البراء بن مالك ﵁ في حرب المرتدين حيث طلب من الصحابة أن يضعوه في ترس فيلقوه على الأعداء مع أنه يغلب على الظن الهلاك بمثل هذا العمل". وأيضاَ إنكار أبي أيوب ﵁ على من عابوا على من ألقى بنفسه وسط الأعداء، واحتجوا بقوله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم للتهلكة) فرد عليهم وذكر أنها نزلت في الصحابة لما قال بعضهم: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. وأيضًا قصة عمير بن الحمام –﵁ قال النووي تعليقًا على الحديث: فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة، وهو جائزٌ بلا كراهة عند جماهير العلماء. وقال الأبي: حمل الواحد على الجماعة وإن علم أنه يقتل في حملته أجازه عمر وأبو هريرة وفعله كثيرٌ من السلف، وليس من الإلقاء باليد إلى التهلكة، وتلو في ذلك (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) قال محمد بن الحسن: يجوز، حتى لو حمل واحد على ألف إذا طمع الفجأة، أو نكاية، أو يقتدي به غيره، أو يرهب العدو مما يريهم من صلابة المسلمين في دينهم، وإلا فهو مكروه) . وذكر ابن حجر من الفوائد في قصة أنس بن النضر: (جواز بذل النفس في الجهاد،..وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة) .
وأما التفريق بكون العمليات الاستشهادية الموت فيها محقق بخلاف الانغماس في العدو فيجاب بأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين، فقد جاء في القواعد للمقري قوله: قاعدة: المشهور من مذهب مالك أن الغالب مساوٍ للمحقق في الحكم. وقال الشاطبي في الاعتصام ٢/١٤: الحكم بغلبة الظن أصل الأحكام.
واشترط الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني –﵀ للجواز وجود الأمير والجيش والحكم الإسلامي، ليكون ذلك أنكى للعدو ولاختيار الوقت المناسب، ولئلا يعود أثرها بالضرر على الأمة.
وأما الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين –﵀ فقال كما في اللقاء الشهري ص٧٤: هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل أول ما يقتل نفسه، فلا شك انه هو الذي تسبب في قتل نفسه، ولا يجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة، ونفع عظيم للإسلام كان ذلك جائزًا. وفي شرحه لرياض الصالحين ١/١٦٥ ذكر أنه من قتل النفس المحرم وفاعله ليس بشهيد، لأنه لم ينتفع بذلك الإسلام بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل فيفتك بالمسلمين، وإن كان إذا فعله متأولًا نرجو أن يسلم من الإثم.
وقال الدكتور/ محمد خليل هيكل بجوازها عند الضرورة فقط قياسًا على ما إذا تترس العدو بالمسلمين، والله أعلم.
المراجع:
١- تفسير القرطبي للآية (١٩٥) من سورة البقرة.
٢- مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق، لابن النحاس.
٣- العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي، لنواف هايل التكروري ط٢/١٤١٨هـ.
٤- العمليات الاستشهادية وآراء الفقهاء فيها لمحمد سعيد غيبة الناشر دار المكتبي دمشق ١٤١٧هـ.
٥- أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير لعبد الرحمن بن غرمان العمري.
6 / 3
النوازل المالية
7 / 1
الأوراق النقدية - زكاتها وجريان الربا فيها
تعريف النقد:
النقد لغة: تمييز الشيء وتقدير قيمته، ولهذا كان من خصائص الثمن أنه مقياسٌ للقيم.
والنقد هو: الثمن، وهو: ما يصح أن تجعل الباء في مقابلته فتقول مثلًا: بعت ثوبًا بعشرة إلاّ أنه إن كان نقودًا فهو الثمن دائمًا.
والنقد اصطلاحًا: هو كل شئ يلقى قبولًا عامًا كوسيطٍ للتبادل مهما كان ذلك الشيء وعلى أي حالٍ يكون.
ومن خصائصه: أنه مستودعٌ للقيمة فمن ملك النقد فكأنه ملك كل شئ لأنه يستطيع أن يشتري به ما يشاء، ولذلك لا ينبغي كنزه ومنعه من التداول أو الاقتصار على مبادلته ببعضه وجعله غايةً لا وسيلة، لأنه في ذاته لا غرض فيه كما ذكر ذلك الغزالي ﵀ . وقد منع الإسلام من مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلاّ مثلًا بمثل، لأن ذلك يؤدي إلى العزوف عن الأعمال بالضرب في الأرض، كما أن دورانه يؤدي إلى تكثير الاستفادة منه بخلاف تكدسه في أيدي فئةٍ قليلة.
نبذة عن تاريخ النقد:
كانت المقايضة أولًا وذلك بتبادل السلع، ثم الذهب والفضة كأساسٍ للتقييم، ثم ظهرت النقود من الذهب والفضة، ثم العملات المعدنية من غيرهما، ثم الورقية بعد أن كانت سندًا بدينٍ من الذهب لدى الصيارفة، وظهر أيضًا ما يشبه العملات مثل: الشيك وبطاقات الائتمان.
حكم العملات الورقية:
إن الحكم عليها مبني على النظر إليها وقد نظر إليها بعدة اعتبارات:
١- فقيل: هي سندات بدين على جهة إصدارها: وممن قال بهذا الشيخ/ أحمد الحسيني ﵀ . ودليل هذا القول: التعهد المسجل عليها بتسليم قيمتها لحاملها عند طلبه، وبدليل تغطيتها بالذهب والفضة، ولأنها ليست لها قيمة في ذاتها.
8 / 1
ويلزم على هذا القول عدم جواز السلم، أو صرف نقد الذهب بالفضة لاشتراط التقابض وهو غير متحقق هنا لأنها سندات بدينٍ كما سبق، ويحرم البيع في الذمة لأنه يكون بيع دينٍ بدين، ثم إنها إذا كانت سندًا بدين فيجري فيها الخلاف في زكاة الدين.
مناقشة هذه القول: هذا القول بُني على التعهد المكتوب، وهذا التعهد هو في مرحلة من مراحل تطور النقد كان تعهدًا حقيقيًا، وأما الآن فهو تعهد اسمي.
وأما كونها مغطاةً بالذهب والفضة فهذا أيضًا إحدى المراحل فيها والتي لم تعد الدول تلتزم بها، فقد تغطى بالذهب وقد يكون الغطاء عقارًا أو غيره وقد يكون جزئيًا. وأما أنها ليست لها قيمة في ذاتها فهذا حق فقيمتها اعتبارية، لأن السلطات تضمن في حال إبطالها قيمتها مما يجعل الثقة بتمولها وتداولها قوية، ثم إن هذا القول فيه من الحرج الشئ الكثير والله تعالى قد وضع الحرج عن هذه الأمة.
٢- النظر إليها باعتبارها عرضٌ من عروض التجارة، وممن قال بهذا الشيخ: عبد الرحمن السعدي ﵀:
لأنها مالٌ متقومٌ مرغوب فيه ومدخر يباع ويشترى، ومخالفٌ في ذاته ومعدنه للذهب والفضة، ثم أنه ليس بمكيل ولا موزون فليس من الأجناس الربوية حتى يلحق بها. وأما التعهد المكتوب فلا يخرجها عن حقيقتها ولا يجعلها كالذهب والفضة.
ويلزم على هذا القول أن تعامل كعروض تجارية فلا تجب فيها الزكاة مالم تعد للتجارة، ولا يجري الربا فيها.
مناقشة هذا القول: أنها وإن كانت عرضًا إلاّ أنها انتقلت عن جنسها إلى جنس ثمني بدليل أنه لو أبطل السلطان التعامل بها لفقدت قيمتها وهذا يلحقها بالذهب والفضة، وأما اختلاف ذاتها ومعدنها عن الذهب والفضة فلا تأثير لهذه المخالفة. فالعبرة بكونها أثمانًا في نظر الناس.
٣- النظر إليها على أنها بديل عن الذهب والفضة:
8 / 2
ويلزم على هذا القول أن تأخذ حكم الذهب والفضة، لأنها حالة محلها جارية مجراها بدليل أنها لا قيمة لها في ذاتها. وبناءً على هذا فما كان بديلًا عن الذهب فله حكم الذهب وما كان بديلًا عن الفضة فله حكم الفضة (١) .
مناقشة هذا القول: أن هذا مخالف للواقع فإن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهبًا أو فضة بل ولا يلزم تغطيتها بالكامل والعبرة بسن الدولة للتعامل بها وثقة الناس بها.
٤- أنها تأخذ صفة الثمنية وتسري عليها أحكام النقدين وهذا قول أكثر العلماء المعاصرين ومنهم: الشيخ: ابن باز، والشيخ: ابن عثيمين، والشيخ: القرضاوي وغيرهم.
وقيل: هي نقدٌ قائمٌ بذاته: وممن قال بهذا الشيخان: محمد رشيد رضا، وعبد الله بن منيع.
_________
(١) - فعند استبدال ما تفرع عن فضةٍ مثلًا بما تفرع عن ذهب يشترط التقابض فقط. وإذا استبدل ما تفرع عنها بمثله اشترط التساوي والتقابض. لأن عدم وجود الغطاء لا يعني إلغاءه لأن روح العملة وسر الثقة بها هو الغطاء ذهبًا أو غيره، وهذا قول الشيخ عبد الرزاق عفيفي ﵀ .
8 / 3
لأنها تقوم مقام النقدية فلا يصح أن تكون سلعًا تباع وتشترى، ولأنها تقوّم بها الأشياء والناس تثق بها كقوة شرائية ومستودعًا للادخار وتتمول وتبرأ بها الذمم فقامت مقام النقود، ولهذا أفتى ابن الصلاح بأنه يجوز العقد على الفلوس بعد أن منع من ذلك وقال: لأن جميع ذلك يروج رواجًا واحدًا وهو المقصود بها، وهي في حالة كونها مضروبة لا التفات فيها إلى مقدار الجرم لأنه لا يقصد فيها غير غرض النقدية والرواج. أ. هـ. وجاء في المدونة أن الإمام مالك ﵀ قال: ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة أ. هـ. وقال ابن تيمية ﵀: وأما الدرهم والدينار فلا يُعرف له حد طبيعي ولا شرعي بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح، وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق الغرض المقصود به بل الغرض أن يكون معيارًا لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثمانًا...والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيف ما كانت. أ. هـ وقال ابن القيم ﵀: فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال فيجب أن يكون محدودًا مضبوطًا لا يرتفع ولا ينخفض... فالأثمان لا تقصد لأعيانها بل تقصد للتوسل بها إلى السلع فإذا صارت في أنفسها سلعًا تقصد لأعيانها فسد أمر الناس وهذا معنى معقول يختص بالنقود ولا يتعدى إلى سائر الموزونات. أهـ
فعلى هذا تكون علة الربا في الذهب والفضة مطلق الثمنية وهي قاصرةٌ عليهما (أي: في السابق، قبل ظهور النقود من غيرهما) .
الترجيح: الراجح هو القول الأخير وهو أنها ثمن قائمٌ بذاته كقيام الثمنية في الذهب والفضة وغيرها من النقود المعدنية وينبني على هذا القول ما يلي:
8 / 4
١- جريان الربا فيها كما يجري في النقدين، وتعتبر كل منها جنس قائم بذاته لاختلاف قيمته وجهة إصداره (١)، فعند استبدال عملةٍ بعملة يشترط التساوي والتقابض، وعند استبدال عملة بغيرها يشترط التقابض فقط، واعتبارها أجناس لاختلافها في القوة والقيمة وجهة الإصدار.
٢ـ تجب زكاتها إذا بلغت أدنى نصابين من ذهب أو فضة (٢) إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها.
٣ـ جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات.
وبهذا أفتى المجمع الفقهي في قراره رقم ٢١ (٩/٣) وكذلك هيئة كبار العلماء.
المراجع:
١ـ مجلة البحوث الإسلامية. ٣١/٣٧٣ - ٣٩/٢٣٩.
٢ـ مجلة البحوث الفقهية المعاصرة. ١٠/٧.
٣- مجلة المجمع الفقهي ع٣ ج٣ ص١٦٥٠.
٤ـ مجلة الاقتصاد الإسلامي. ٨٨/٣٠ - ١٤/١٦٢.
٥ـ الورق النقدي: حقيقته، تاريخه، قميته، حكمه - للشيخ عبد الله بن منيع.
٦ـ أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي - للشيخ ستر الجعيد.
_________
(١) - ويرى بعض العلماء أنها جميعها جنسٌ واحد إذا كانت عملة حكومية واحدة وهو رأي الشيخ مصطفى الزرقاء ﵀ .
(٢) - لأنه الأحظ للفقراء.
8 / 5
تغير قيمة العملة وأثره في التعامل والديون
التمهيد: إذا اقترض أو اشترى شخص شيئًا بمبلغٍ ما ولم يسلم الثمن فلما حان وقت السداد أبطل السلطان تلك العملة التي اتفق عليها البائع والمشتري أو نقصت قيمتها فما الحكم، هذا ما سنبحثه خلال هذا المبحث ويستوي في ذلك الشراء والقرض وغيره.
المسألة الأولى: إذا حرم السلطان العملة وأبطلها أو بطلت قيمتها لأي سبب.
أقوال العلماء:
قال الجمهور: يلزم برد القيمة أشبه كسرها أو تلف أجزائها. وهذا قول المالكية والحنابلة في القرض والثمن المعين وأوجبه ابن تيمية في سائر الديون.
وقال أبو حنيفة ﵀: ينفسخ العقد ويرد المبيع إن كان قائمًا أو قيمته أو مثله إن كان هالكًا وأما صاحبا أبي حنيفة ﵀ فوافقا الجمهور.
وقال الشافعية: يلزم برد المثل لأن ذلك ليس بعيب حدث فيها وقياسًا على نقص سعرها.
والراجح في هذه المسألة والعلم عند الله تعالى هو قول الجمهور لأن إلزامه بقبول المثل يعني أخذه لما لا قيمة له، وهذا ظلم تأباه نصوص الشرع.
المسألة الثانية: تغير قيمة العملة.
اتفق الأئِمة الأربعة على أنه يلزم رد المثل في النقدين (الدرهم والدينار) .
أما إذا نقص سعر الفلوس فقد قال أكثر العلماء يلزمه رد المثل، وفي المبسوط ٢٢/٣٤ أنه يرد المثل في المضاربة.
وقال أبو يوسف ﵀: يلزم برد القيمة في الفلوس، وذكر الراهوني قولًا لبعض المالكية برد القيمة فيما إذا نقصت كثيرًا حتى كان القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه. واختار هذا القول ابن تيمية وابن القيم (رحمهما الله) وذكره ابن تيمية ﵀ منصوص أحمد.
أدلة القول الأول: أن القول برد القيمة يفتح بابًا للربا يصعب غلقه.
أدلة القول الثاني: قياسًا على تحريم السلطان للعملة لما في كل منهما من الضرر، ولأن هذا هو مقتضى العدل، وقياسًا على الجائحة التي أمر الشرع بوضعها.
9 / 1