Refutation of the Theory of Mixing Islam with Other Religions
الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان
Daabacaha
دار العاصمة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٧ هـ
Noocyada
مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله وحده.
أما بعد:
فإن نازلة الدعوة إلى الخلط بين دين الإسلام وبين غيره من الأديان الباطلة كاليهودية، والنصرانية، التي تعقد لها أمم الكفر المؤتمرات المتتابعة باسم "التقريب بين الأديان" و"وحدة الأديان" و"التآخي بين الأديان "و"حوار الحضارات" هي أبشع دعائم "الكهفين المظلمين": "النظام العالمي الجديد" و"العولمة"، الذين يهدفان إلى بث الكفر والإلحاد، ونشر الإباحية وطمس معالم الإسلام وتغيير الفطرة.
ولهذا أفردت هذا الكتاب لكشف مخاطر هذه النازلة بالمسلمين وبيان بطلانها، وتحذير المسلمين منها.
وقد نهينا عن هذه النظرية الإلحادية: "وحدة الأديان" في سورة فرضها الله على المسلمين" في جميع صلواتهم في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ .
وهذا من جلائل المعاني وأعظم حكم التشريع.
وقد طبع هذا الكتاب - بحمد الله تعالى - من الطبعة الأولى عام ١٤١٧ أربع طبعات، داخل المملكة وخارجها، وكان منها طبعة رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء عام ١٤٢٠.
والآن هذه الطبعة الثانية فيها إضافات، أهمها:
١- في ص / ١٦ سياق قوله تعالى: ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة / ٤٢] . وتفسير السلف لها: " لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ... " وهذا من جلائل المعاني في القرآن العظيم.
٢- في ص / ٤٩-٥٥ نقلان مهمان عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في أن دين جميع الأنبياء واحد لا يدخله النسخ، شرائعهم متعددة، وجميعها منسوخة بشريعة خاتمهم محمد ﷺ فمن لم يؤمن به وبشريعته فهو كافر. مع التنبيه ص / ٤٥ على خطأ المقولة الحادثة: " الأديان السماوية".
٣- في آخر الكتاب ملاحق ثلاثة، وهي فتاوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في: "بطلان الدعوة إلى وحدة الأديان" و"تحريم بناء المعابد الكفرية مثل الكنائس" و"التحذير من وسائل التنصير".
ثم إتباع هذه الطبعة بفهارس الآيات، والمرويات، والفوائد، والموضوعات. والحمد لله رب العالمين.
المؤلف
بكر بن عبد الله أبو زيد
٢٠ جمادى الأولى ١٤٢١
بسم الله الرحمن الرحيم
Bog aan la aqoon
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الذي هدانا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، فأكمله- سبحانه- لنا وأتمه، وأتمَّ به علينا النعمة، ورضيه لنا دينا، وجعلنا من أهله وجعله خاتما لكل دين وشرعة، ناسخا لجميع الشرائع قبله، وبعث به خاتم أنبيائه ورسله محمدا ﷺ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام / ١٥٣]، وجعل نهايته: رضوان الله والجنة ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة /: ١٥، ١٦]، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة / ٧٢]، وجعل الذلة والصغار على
من خالف أمره: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾
1 / 5
[آل عمران / ٨٣] . ونعوذ بالله من طريق: "المغضوب عليهم": "اليهود":
"الأمة الغضبية، أهل الكذب، والبُهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السُّحْت- وهو الرِّبا والرِّشا- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السِّحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حُرْمة، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشّهم، وسليم الناصية- وحاشاه أن يوجد بينهم- ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم: لعنة، ولقاؤهم: طيرة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت" (١) .
_________
(١) ما جاء بين القوسين من: «هداية الحيارى» لابن القيم. وهكذا في المواضع بعده من هذه المقدمة.
1 / 6
ونعوذ بالله من طريق "الضالين": "النصارى":
"المُثلَّثة، أمة الضلالة، وعُبَّاد الصليب، الذين سبُّوا الله الخالق مسبَّة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء، بل قالوا فيه ما: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها: أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزَلَ عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات، ودُفِنَ، فدِينُها: عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا! فدينهم: شرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله "القس" والحرام ما حرَّمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير".
ونعوذ بالله من كل: "عابد أوثان، وعابد نيران، وعابد شيطان، وصابئ حيران؛ يجمعهم الشرك، وتكذيب الرسل، وتعطيل الشرائع،
1 / 7
وإنكار المعاد، وحشر الأجساد، لا يدينون للخالق بدين، ولا يعبدونه مع العابدين، ولا يوحدونه مع الموحدين. وأُمَّة "المجوس" منهم تستفرش الأمهات، والبنات، والأخوات، دع العمات، والخالات، دينهم: الزَّمر، وطعامهم: الميتة، وشرابهم: الخمر، ومعبودهم: النار، ووليهم: الشيطان، فهم أخبث بني آدم نحلة، وأرداهم مذهبا، وأسوأهم اعتقادا.
وأما زنادقة الصابئة، وملاحدة الفلاسفة، فلا يؤمنون بالله، ولا ملائكته، ولا كتبه، ولا رسله، ولقائه، ولا يؤمنون بمبدأ، ولا معاد، وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار لما يريد، قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، آمر ناهٍ، مرسل الرسل، ومنزِّل الكتب، ومثيب المحسن، ومعاقب المسيء، وليس عند نُظَّارهم إلا تسعة أفلاك، وعشرة عقول، وأربعة أركان، وسلسلة ترتب فيها الموجودات هي بسلسلة المجانين أشبه منها بمجوَّزات العقول".
فالحمد لله الذي أعاذنا من سبل الضلالة، التي تجمعها هذه الطرق الخمسة الشيطانية:
طريق المغضوب عليهم: اليهود، وطريق الضالين: النصارى، وطريق الصابئة: الزنادقة الملاحدة الحيارى، وأخلافهم أخلاف
1 / 8
السوء من الشيوعيين، ومن شاكلهم، وطريق المجوس: مجمع الخبائث قولا، وفعلا، واعتقادا، وطريق المشركين: عبدة الأوثان، مكذبة الرسل والأنبياء.
الحمد لله الذي أعاذنا منها، "وأغنانا بشريعته- شريعة الإسلام- التي تدعو إلى الحكمة، والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل، والإحسان، والنهي عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، فلة المنة والفضل على ما أنعم به علينا، وآثرنا به على سائر الأمم، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة، وأن يفتح لنا أبواب التوبة، والمغفرة، والرحمة".
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعالى وتقدس عن كل مبطل كذاب، ومشرك يعدل به غيره من الآلهة المخلوقين، والأرباب المكذوبين: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون / ٩١، ٩٢] .
" وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من بريته، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، ابتعثه بخير
1 / 9
ملة، وأحسن شرعة، وأظهر دلالة، وأوضح حجة، وأبين برهان، إلى جميع العالمين، إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، حاضرهم، وباديهم؛ الذي بشرت به الكتب السالفة، وأخبرت به الرسل الماضية، وجرى ذكره في الأعصار، في القرى والأمصار، والأمم الخالية. ضُربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر إلى عهد المسيح ابن البشر".
* أما بعد: ففي الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله، بالدعوة إلى الله، والتبصر في الدين، ومواجهة موجات الإلحاد والزندقة، وردِّ دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة: القومية. البعثية. . . الماركسية. العلمنة. الحداثة. . . وصد عاديات التغريب، والانحراف، والغزو المعنوي بجميع أنواعه وضروبه، وأشكاله، بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين؛ إذ نزعت في المواجهة نزعا عنيفا بوقاحة، وفراهة؛ كيدا للمسلمين، وطعنا في الدين، وليًّا بألسنتهم، لإفساد نزعة التدين بالإسلام، والدخول فيه، وتذويب شخصيته في معترك الديانات، ومطاردة التيار الإسلامي، وكبت
1 / 10
طلائعه المؤمنة، وسحب أهله عنه إلى ردة شاملة.
وكل ذلك يجري على سنن الصراع والتقابل والتدافع، كما قال أبو العلاء المعري:
يُجْنَى تزايد هذا من تناقص ذا ... كالليل إن طال غال اليوم بالقِصَر
وأعلى من ذلك وأجلُّ قول الله تعالى-: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة / ٢١٧] .
وقوله- سبحانه: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء / ٨٩] .
وذلك فيما جَهَرَتْ به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى:
" نظرية الخلط بين الإسلام وبين ماهم عليه من دين محرَّف منسوخ " وزرع خلاياهم في أعماق أمة الإسلام في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد، فلا ولاء، ولا براء، ولا تقسيم للملا إلى مسلم وكافر أبدا، ولا لتعبدات الخلائق إلى حق وباطل. ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات، وصاغوا له
1 / 11
كوكبة من الدعايات، وعقدوا له المؤتمرات، والندوات، والجمعيات، والجماعات، إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغُوط، ومباحثات ظاهرة، أو خفية، معلنة، أو سرية، وما يتبع ذلك من خطوات نشطة، ظهر أمرها وانتشر، وشاع واشتهر.
وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار، وجد ودأب في نشر التنصير، وتوسيع دائرته، والدعوة إليه، واستغلال مناطق الفقر، والحاجة، والجهل، وبعث النشرات عبر صناديق البريد.
* من هنا اشتد السؤال، ووقع كثيرا من أهل الإسلام عن هذه: "النظرية" التي حلَّت بهم، ونزلت بساحتهم: ما الباعث لها؟ وما الغاية التي ترمي إليها؟ وما مدى مصداقية شعاراتها؟ وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين، وحكم من أجاب فيها، وحكم من دعا إليها، ومهد السبيل لتسليكها بين المسلمين، ونشرها في ديارهم، ونثر من أجلها وسائل التغريب، وأسباب التهويد، والتنصير، في صفوف المسلمين.
حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة: "طبع القرآن الكريم، والتوراة والإنجيل" في غلاف واحد؟
1 / 12
وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء "مسجد، وكنيسة، ومعبد" في محل واحد، في: "رحاب الجامعات" و"المطارات" و"الساحات العامة"؟
فما جوابكم يا علماء الإسلام؟؟
1 / 13
* * * * بين يدي الجواب:
ولا شك أن الوضع قائم مشهور، والسؤال وارد مطلوب، والجواب واجب محتوم، على كل من آتاه الله علما وبصيرة في دين الله، وهذا من بعض حق الله على كل عبد مسلم؛ لتبصير المسلمين في أمر دينهم، وكشف الحقيقة عما يحل بهم، حتى يصيروا على بصيرة من أمرهم، وحراسة الشريعة برد كل مكيدة توجه إليهم، وإلى دينهم: "دين الإسلام" وتطعن في الله، وفي كتابه، وفي رسوله، وسنته، وهو باب عظيم من أبواب مجاهدة الكافرين ودفع مكايدهم وشرورهم عن المسلمين، وهي تكون بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان. قال الله تعالى: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران / ٧٩] .
وقد رأيت أن أكتب الجواب عن هذا السؤال، مبينا له بالحجة، والبيان، والدليل، والبرهان، مرتبا له في مقامات ثلاثة:
* المقام الأول: المسرد التاريخي لهذه النظرية، وتشخيص وقائعها، وخطواتها في الحاضر والعابر؛ ليحصل تمام التصور لمحل السؤال.
1 / 14
* المقام الثاني: في الجواب على سبيل الإجمال.
* المقام الثالث: في الجواب على طريقة النشر والتفصيل، بتشخيص الأصول العقدية الإسلامية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها.
1 / 15
المقام الأول
المسرد التاريخي لهذه النظرية
وتشخيص وقائعها
إنها نظرية اليهود والنصارى، وهي حديثة بصنع شعاراتها، والعمل من أجلها على كافة المستويات - كما سيأتي - لسَحب المسلمين عن إسلامهم، لكنها قديمة عند اليهود، والنصارى، في كوكبة تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للإسلام، والمسلمين.
وبتتبع مراحلها التاريخية، وجدتها قد مرت في حقب زمانية أربع هي:
١ - مرحلتها في عصر النبي ﷺ: قد بين الله - سبحانه - في محكم كتابه، أن اليهود، والنصارى في محاولة دائبة؛ لإضلال المسلمين عن إسلامهم، وردهم إلى الكفر، ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية فقال - تعالى -: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة / ١٠٩] .
1 / 16
وقال - تعالى -: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة / ١١١، ١١٢] .
وقال - تعالى -: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة / ١٣٥] .
وهكذا في عدد من آيات الله، يتلوها المسلمون في كتاب الله؛ ليحذروا الكافرين من اليهود، والنصارى، وغيرهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة / ٤٢] .
ففي تفسير ابن جرير - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية " عن مجاهد - رحمه اله تعالى - أنه قال: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ اليهودية والنصرانية بالإسلام ".
وفي تفسير ابن كثير - رحمه الله تعالى - عن قتادة - رحمه الله تعالى - أنه قال عند هذه الآية: " ولا تلبسوا اليهودة والنصرانية بالإسلام، إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله ".
وهذا التفسير من أعظم الفقه بكتاب الله تعالى.
ثم خمدت محاولتهم حينا من الدهر حتى انقراض القرون المفضلة.
٢ - مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة: ثم بدت محاولاتهم مرة أخرى تحت شعار صنعوه، وموهوا به على الجهال، وهو: أن الملل: اليهودية، والنصرانية، والإسلام. هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله - تعالى - (١) .
وهكذا فيما يثيرونه من الشبه، ومتشابه القول، وبتر
_________
(١) الفتاوى: ٤ / ٢٠٣.
1 / 17
النصوص، مما يموهون به، ويستدرجون به أقواما، ويتصيدون به آخرين، من ذوي الألقاب الضخمة هنا وهناك؟
ثم تلقاها عنهم دعاة: " وحدة الوجود " و" الاتحاد " و" الحلول " وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة في مصر، والشام، وأرض فارس، وأقاليم العجم، ومن غلاة الرافضة وهي من مواريثهم عن التتر، وغيرهم حتى بلغ الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيزون التهود، والتنصر، بل فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام، وهذا فاشٍ فيمن غلبت عليهم الفلسفة منهم، ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق عندهم هو: " المحقق " وهو: الداعي إلى الحلول، والاتحاد. وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مواضع من كتبه (١) .
وقد قُمِعَت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء الإسلام لها، والمناداة عليها، وعلى منتحليها، بأنها كفر وردة عن الإسلام.
_________
(١) الفتاوى ٤ / ٢٠٣ - ٢٠٨، ١٤ / ١٦٤ - ١٦٧، ٢٨ / ٥٢٣. الصفدية: ١ / ٩٨ - ١٠٠، ٢٦٨. الرد على المنطقيين: ص / ٢٨٢ - ٢٨٣.
1 / 18
وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مواقف إسلامية مشهورة خالدة، ولغيره من علماء المسلمين الذين ردوا على هؤلاء الغلاة، مثل الحلاج: الحسين بن منصور الفارسي، المقتول على الردة سنة ٣٠٩ (١)، وابن عربي محمد بن علي الطائي، قدوة السوء للقائلين بوحدة الوجود، في كتابه: الفصوص، المتوفى سنة ٦٣٨، وابن سبعين. ت سنة ٦٦٩، والتلمساني. ت سنة ٦٩٠، وابن هود. ت سنة ٦٩٩، وغيرهم كثير (٢) .
٣ - مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر: وقد خمدت حينا من الدهر محتجرة في صدر قائليها،
_________
(١) لا أستعمل الرمز «هـ» إشارة إلى التاريخ الهجري؛ لأنه ليس لدينا في الإسلام سواه، والتاريخ الميلادي ليس قسيما له، وعند وروده منقولا أرمز له بحرف «م» .
(٢) تنبيه: عظمت الفتنة في عصرنا بمدح الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام والافتخار بهم، وإظهار مقالاتهم، وساعد على ذلك طبع المستعربين - المستشرقين - لكتبهم ونشرها، وكل هذه مخاطر يجب الحذر منها، وعلى من بسط الله يده أن يكف أقلام أصحابها وألسنتهم، طاعة لله ولرسوله ﷺ في نصرة هذا الدين وحماية لأهله من شرورهم.
1 / 19
المظهرين للإسلام، المبطنين للكفر والإلحاد، حتى تبنتها حركة " صن مون التوحيدية " ويقال " المونية " (١) .، وقبلها " الماسونية " (٢) وهي: " منظمة يهودية للسيطرة على العالم، ونشر الإلحاد والإباحية "، تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله، فكلهم مؤمنون. وقد وقع في حبال دعوتهم: جمال الدين بن صَفدَر الأفغاني، ت سنة ١٣١٤ بتركيا (٣) وتلميذه الشيخ محمد عبده بن حسن التركماني. ت سنة ١٣٢٣ بالإسكندرية (٤) .
وكان من جهود محمد عبده، في ذلك، أن ألف هو، وزعيم الطائفة ميرزا باقر الإيراني، الذي تنصر، ثم عاد إلى الإسلام، ومعهم ممثل جمال الأفغاني، وعدد من رجال الفكر في: " بيروت " ألفوا فيه جمعية باسم: " جمعية التأليف والتقريب " موضوعها التقريب بين الأديان الثلاثة. وقد دخل في هذه الجمعية بعض الإيرانيين، وبعض الإنجليز، واليهود، كما تراه
_________
(١) الموسوعة الميسرة: ٢ / ٦٦٩ - ٦٧٤. ط ٣.
(٢) الموسوعة الميسرة: ص / ٤٤٩ - ٤٥٤. ط١.
(٣) انظر: كتاب: «صحوة الرجل المريض» لموفق بني المرجه: ص / ٣٤٥، وكتاب: «جمال الدين الأفغاني في الميزان» .
(٤) المراجع السابقة.
1 / 20
مفصلا في كتاب: " تاريخ الأستاذ الإمام: ١ / ٨١٧ - ٨٢٩ " تأليف محمد رشيد رضا. المتوفى سنة ١٣٥٤.
ومن جهود محمد عبده في ذلك، مراسلات بينه، وبين بعض القساوسة، كما في كتاب: " الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده: ٢ / ٣٦٣ - ٣٦٧ " جمع محمد عمارة.
وقد جالت مطارحات في هذه النظرية، بين عدد من المؤيدين، والمعارضين، بين محمد عبده، ومحمد حسين هيكل، والطبيب حسن الهراوي، وعبد الجواد الشرقاوي، وذلك في مجلة: " السياسة الأسبوعية بمصر " في الأعداد / ٢٨٢١ لشهر صفر عام ١٣٥١، وما بعده.
وفي: " صحيفة الهلال " في الأعداد / ٤٨٤، ٤٨٥ لعام ١٣٥٧، ١٣٥٨، مقالات بعنوان: " هل يمكن توحيد الإسلام والمسيحية؟ " بين كل من / محمد فريد وجدي، ومحمد عرفة، وعبد الله الفيشاوي الغزي، وبين القساوسة، وكان الحوار، وكانت المراسلات جارية في هذه المقالات في الجواب على هذا السؤال: هل يمكن التوحيد بين الإسلام والمسيحية من جهة
1 / 21
الأسلوب الروحي فقط، أو من جهة الأمور المادية؟ وكان النصراني إبراهيم لوقا يستصعب توحيد الإسلام والمسيحية في كلا الأمرين جميعا، ولكنه استسهل الجمع بين المسلمين والنصارى في مصالح الوطن، ثم قال:
" لا سبيل إلى الوحدة الكاملة إلا بأن تعتنق إحداهما مبادئ الأخرى، فإما إيمان بلاهوت المسيح، وتجسده، وموته، وقيامه، فيكون الجميع مسيحيين، وإما إيمان بالمسيح كواحد من الرسل النبيين، فيصبح به الجميع مسلمين ".
٤ - مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر: في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، وحتى عامنا هذا ١٤١٦. وفي ظل " النظام العالمي الجديد ": جهرت اليهود، والنصارى، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم، وبين المسلمين، وبعبارة أخرى: " التوحيد بين الموسوية، والعيسوية، والمحمدية " باسم:
" الدعوة إلى التقريب بين الأديان ". " التقارب بين الأديان ". ثم باسم: " نبذ التعصب الديني ".
1 / 22
ثم باسم: " الإخاء الديني " وله: فتح مركز بمصر بهذا الاسم (١) .
وباسم: " مجمع الأديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم (٢) .
وباسم: " الصداقة الإسلامية المسيحية ".
وباسم: " التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية ".
ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات:
* " وحدة الأديان ". " توحيد الأديان ". " توحيد الأديان الثلاثة ". " الإبراهيمية ". " الملة الإبراهيمية ". " الوحدة الإبراهيمية ". " وحدة الدين الإلهي ". " المؤمنون ". " المؤمنون متحدون ". " الناس متحدون ". الديانة العالمية ". " التعايش بين
_________
(١) في كتاب محمد البهي: «الإخاء الديني، ومجمع الأديان / سياسة غير إسلامية» . ص / ٣ قال ما نصه: «الإخاء الديني جماعة تمارس نشاطها المشترك بين المسلمين والمسيحيين في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة. . . . . .» .
(٢) في المرجع السابق: «مجمع الأديان: مبنى يقام في وادي الراحة بسيناء للعبادات الثلاث» .
1 / 23