الكَلَامِ؛ لَعَلِمْتَ أَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ مُحَالٌ مِنْ كَلَامٍ لَيْسَ لَهُ نِظَامٌ.
وَيْلَكَ! وَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِ الله مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ قِرْدٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ لَمْ يُنْعِمِ اللهُ عَلَيْهِ فِي خَلْقِهِ إِذْ خَلَقَهُ حَتَّى خَصَّ بِنِعْمَتِهِ آدَمَ، وَمَنَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الخَلَائِقِ، وَأَيُّ مَنْقَبَةٍ لِآدَمَ فِيهَا إِذْ كُلُّ هَؤُلَاءِ خُلِقُوا بِنِعْمَتِهِ كَمَا خُلِقَ آدَمُ؟
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الثَّلْجِيِّ الجَاهِلِ فِيمَا ادَّعَى فِي تَأْوِيلِ حَدِيث رَسُولِ الله ﷺ: «المُقْسِطُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهَ يَمِينٌ» (١).
فَادَّعَى الثَّلْجِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَأَوَّلَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ تَأْوِيلِ الغُلُولِيِّينَ أَنَّهَا يَمِينُ الأَيْدِي، وَخَرَجَ مِنْ مَعْنَى اليَدَيْنِ إِلَى النِّعَمِ يَعْنِي بِالغُلُولِيِّينَ: أَهْلَ السُّنَّةِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ يَمِينَانِ، وَلَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِيَمِينَيْنِ، وَلَكِنْ يَمِينٌ وَشِمَالٌ بَزَعْمِهِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَيْلَكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ! إِنَّمَا عَنَى رَسُولُ الله ﷺ بِاليَدَيْنِ [مَا قَد أُطْلِقَ عَلَى التِي في مُقَابَلَة اليَمِينِ بِالشِّمَال، ولَكِنْ تَأْويلَه وكِلْتَا يَدَيْه يَمِين: أَي مُنَزَّه عَن الضَّعْف كَما في أَيْدِينَا الشِّمَال مِنَ النَّقْص، وعَدَمِ البَطْش] (٢) فَقَالَ: «كِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ» إِجْلَالًا لله وَتَعْظِيمًا أَنْ يُوصَفَ بِالشِّمَالِ، [وَقَدْ وُصِفَتْ يَدَاهُ بالشِّمَالِ واليَسَارِ، وكَذَلِكَ لَو لَم يَجُزْ إِطْلَاق الشِّمَال واليَسَار، مَا أَطْلَقَ رسولُ اللهِ ﷺ] ولو لم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: كِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ، لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ الله ﷺ، وَهَذَا قَدْ جَوَّزَهُ النَّاسُ فِي الخَلْقِ، فَكيف لَا يُجَوِّزُهُ الثَّلْجِيُّ فِي يَدَيِ الله أَنَّهُمَا جَمِيعًا يَمِينَانِ؟ وَقَدْ سُمِّيَ مِنَ النَّاسِ ذَا الشِّمَالَيْنِ؛ فَجَازَ فِي دَعْوَى الثَّلْجِيِّ أَيْضًا:
(١) صحيح، تقدم برقم (٣٠).
(٢) ما بين معقوفين ليس في الأصل وأثبته من «س».