فَلَوْ قَاسَ هَذِا القِيَاسَ تُرْكِيٌّ طُمْطُمَانِيٌّ، أَوْ رُومِيٌّ أَعْجَمِيٌّ؛ مَا زَادَ عَلَى مَا قِسْتَ قُبحًا وسَمَاجَةً.
وَيْلَكَ! وَمَنْ قَالَ مِنْ خَلْقِ اللهِ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا نَزَلَ أَوْ تَحَرَّكَ، أَوْ نَزَلَ لِيَوْمِ الحِسَابِ أَفَلَ فِي شَيْءٍ، كَمَا تَأْفُلُ الشَّمْسُ فِي عَيْنٍ حَمِئَة؟
إِنَّ اللهَ لا يَأْفُلُ فِي خَلْقٍ سِوَاهُ إِذَا نَزَلَ أَوِ ارْتَفَعَ كَمَا تَأْفُلُ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالكَوَاكِبُ، بَلْ هُوَ العَالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْء فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ مِنْ نُزُولِهِ وَارْتِفَاعِهِ.
وَهُوَ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ لَا يَأْفُلُ فِي شَيْءٍ، بَلِ الأَشْيَاءُ كُلُّهَا تَخْشَعُ لَهُ، وَالمَوَاضِعُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالكَوَاكِبُ خَلَائِقُ مَخْلُوقَةٌ، إِذَا أَفَلَتْ أَفَلَتْ فِي مَخْلُوقٍ، فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ، كَمَا قَالَ اللهُ، وَاللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، لَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ شَيْءٌ.
ثُمَّ انْتَدَبَ المَرِيسِيُّ [١٩/و]، الضَّالُّ لِرَدِّ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ فِي الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ: «سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ كَمَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ»، فَأَقَرَّ الجَاهِلُ بِالحَدِيثِ وَصَحَّحَهُ، وَثَبَّتَ رِوَايَتَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ تَلَطَّفَ لِرَدِّهِ وَإِبْطَالِهِ بِأَقْبَحِ تَأْوِيلٍ، وَأَسْمَجِ تَفْسِيرٍ.
وَلَوْ قَدْ رَدَّ الحَدِيثَ أَصْلًا؛ كَانَ أَعْذَرَ لَهُ مِنْ تَفَاسِيرِهِ هَذِهِ المَقْلُوبَةِ الَّتِي لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ العَرَبِيَّةِ.
فَادَّعَى الجَاهِلُ أَنَّ تَفْسَيرَ قَوْلِ رَسُولِ الله ﷺ: «سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ»: تَعْلَمُونَ أَنَّ لَكُمْ رَبًّا لَا تَشُكُّونَ فِيهِ كَمَا أَنَّكُمْ لَا تَشُكُّونَ فِي القَمَرِ أَنَّهُ قَمَرٌ، لَا عَلَى أَنَّ أَبْصَارَ المُؤْمِنِينَ تُدْرِكُهُ جَهْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى