يهرعون إليه وازدحموا حوله، فأشرفت أم ولد للرشيد من قصر هناك، فقالت: ما للناس؟ فقيل لها: قدم رجل من علماء خراسان يقال له: عبد الله بن المبارك، فانجفل الناس إليه. فقالت: هذا هو الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي يجمع الناس عليه بالسوط والعصا والرغبة والرهبة (^١).
ويقول الحافظ ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) عن الإمام الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ): (كان الأوزاعي في الشام معظمًا مكرمًا، أمره أعز عندهم من أمر السلطان، وهمَّ به بعض الولاة، فقال له أصحابه: دعه عنك فوالله لو أمر الشاميين أن يقتلوك لقتلوك. ولما مات جلس عند قبره بعض الولاة فقال: رحمك الله، فوالله لقد كنت أخاف منك أكثر مما أخاف من الذي ولاني) (^٢).
ولما مرت جنازة سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام (ت ٦٦٠ هـ) بالظاهر بيبرس وشاهد كثرة الخلق الذين معها، قال لبعض خواصه: اليوم استقر أمري في الملك؛ لأن هذا الشيخ لو كان يقول للناس اخرجوا عليه لانتزع الملك مني (^٣).
ومهما يكن من أمر فإن الخلفاء والسلاطين كانوا حريصين بدورهم على الموازنة، وهم ملوك مسلمون مذعنون لأحكام الشرع بالجملة، وكانت الشريعة مرجعيتهم العليا وإن اتفق لهم من
(^١) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير (١٣/ ٦١١).
(^٢) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير (١٣/ ٤٥٤).
(^٣) انظر: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٨/ ٢١٥).