هذا كلام صريح يفهمه من يقرأ ولو ماشيا، ونحب أن يتدبره السوري ويجرد نفسه من الأوهام، لا شيء بلا شيء يا أخي، لا شيء مجانا.
لننظر إذن في الحال التي نحن فيها الآن، نحن كأمة محرومون حريتنا واستقلالنا، حريتنا بيد الأتراك، واستقلالنا بيد الدول المتحالفة، فهل نستعيد حريتنا بمجرد أن نطلبها من الأتراك؟ وهل ننال استقلالنا بمجرد أن نطلبه من الدول؟ هذا غير معقول.
أما إذا وعدتنا دولة من الدولة بحريتنا واستقلالنا ودعتنا إلى الجهاد معها في هذا السبيل فهل تظنها تفعل ذلك إكراما لسواد عيوننا؟ تركيا عدوة الأحلاف اليوم فمن مصلحتهم أن يتغلبوا عليها، أن يسحقوها، ومن مصلحتنا كذلك، ولكن إذا جاءتنا الحرية بهذه الطريقة السلبية فلا نحن مستحقونها ولا نحن نستطيع أن نحافظ عليها، والحقيقة أنها لا تجيئنا صافية تامة إلا إذا كان لنا يد في الجهاد في سبيلها.
علينا إذن أن ندعو إلى التطوع، وعلى القادرين منا أن يتطوعوا في الفرقة الشرقية، ذلك لأن الفرقة الشرقية وإن تكون إفرنسية فهي مؤسسة باتفاق خصوصي بين فرنسا وحليفاتها، ونحن ممن يعتقدون بصحة هذا المشروع، بوجوب هذه الحركة، بقداسة هذا الواجب، نحن ممن يدعون السوريين إلى التطوع؛ لأن التطوع اليوم إنما هو الخطوة الأولى إلى تحريرنا وتحرير بلادنا، بل الخطوة الأولى نحو استقلالنا التام في المستقبل.
التطوع لازم إذا كنا نريد حرية واستقلالا، التطوع لازم إذا كنا نريد أن نكون أمة من الأمم الراقية المتمدنة، التطوع لازم إذا كنا نحب أن نتحرر من ربقة الظالمين السفاحين. التطوع لازم إذا كنا نتوقع ممن ساعدنا من الدول أن تشاركنا بثمار النصر على العدو، التطوع لازم إذا كنا ندرك الحقيقة الأولية في التعاون والتضحية، التطوع لازم إذا كنا نريد أن نكون أسياد أنفسنا وأصحاب الرأي والعمل في شئوننا، وإذا كنا لا نضحي بشيء في سبيل حريتنا فلا نحن نستحقها ولا هي تليق بنا، إذا كنا لا نفادي بأنفسنا في سبيل الوطن فلا حق لنا به ولا حق لنا أن نعترض على من يحررونه ويعمرونه.
نيويورك، في 10 تشرين الأول، سنة 1917
لنا ولكم
لا غنى للأمم بعضها عن بعض وبالأخص المتجاورة منها، وما من أمة مهما عظم شأنها تستطيع أن تعتزل العالم فتقول لبقية الأمم: لا حاجة لي بكن ولا حاجة لكن بي، فالتبادل سنة الاجتماع، والتعاضد سنة العمران. قد كان للصين سور هدمته التجارة، وقد كان للشرق نطاق من التقاليد والخرافة قوض التمدن قسما منه كبيرا.
الأمم والشعوب في حاجة بعضها إلى بعض، والتعاون والتبادل من سنة الرقي والنجاح، أجل، وسيكون لهذه السنة بعد الحرب شأن عظيم، سيكون لها من المكانة والنفوذ ما لم يكن لها قبل الحرب، كيف لا والمخلصون النزيهون من المصلحين ينادون اليوم بالاتفاق الدولي وبالتحالف العام؟ لا يضر التضامن بالاستقلال بل يساعد في تعزيزه، ذلك لأن الاستقلال الذي يضرب نطاقا وهميا أو سياسيا أو تجاريا على أمة ما لا يلبث أن يتلاشى بتلاشي قوى تلك الأمة وخيراتها.
الشعوب لا تحيا إلا بمبادلة ثمار سعيها، والأمم لا ترتقي إلا بمبادلة ثمار العلم والعمل فيها، فإذا كانت هذه سنة العمران بين الأمم المستقلة بعضها عن بعض، حكما وسياسة، فكيف بها بالشعوب التي هي من دم واحد وقطر واحد ولغة واحدة؟
Bog aan la aqoon