378

Rayhaniyyat

الريحانيات

Noocyada

ثالثا:

تأسيس شركة للحكومة عمومية في كل ولاية، رأس مالها ما زاد من ثروة الأفراد والشركات الخصوصية، فينفق ريعها على المشاريع العمومية، والمعاهد العلمية والفنية والصحية، وقرر المؤتمر أيضا مبدأ الرئيس ولسن في الحكم الذاتي الاختياري لكل الأمم صغيرة وكبيرة، فجلت إنكلترا عن الهند وعن مصر، وجلت فرنسا عن سوريا وعن المغرب الأقصى، وخرجت ألمانيا وروسيا من بولندا ومن المستعمرات الجديدة التي احتلتها، ثم تأسست جمعية الأمم التي استولت على جنديات وحريات الأمم المشتركة بها، وكان رئيسها الأول رئيس أحزاب العمال الأميركية.

وحكم العمال الذي نحن فيه الآن يا بني هو الحلقة الرابعة من دائرة الأحكام البشرية التي ذكرتها، فمن الحكم الأبوي، أي: حكم الحكماء، إلى الحكم الاستبدادي، أي: حكم الملوك والأمراء، إلى الحكم الدستوري، أي: حكم الوجهاء والمتمولين، إلى الحكم الاشتراكي، أي: حكم العمال. إلى الغد يا بني، ولكنما الغد لله.

رفيق السفر والمؤتمر

1

قد كان أول اجتماعي به في مؤتمر واشنطون لتخفيض السلاح، وهو يمثل جريدة نيويوركية يكتب إليها رسالة كل يوم دون أن يحضر اجتماعات المراسلين بمحدثي الوفود المختلفة أو يؤم وزارة الخارجية متسقطا الأخبار، ومع ذلك كان يكتب المقال الذي لا يحتاج إلى كثير عمل ومشقة ويقبل لقاءه مبلغا من المال، وكان يقبل أيضا دعوة سيدات واشنطون الغنيات في حال أن ليس بينه وبين أمثالهن ما يحلل الخبز والملح، فهو اشتراكي وهن في غير تلك الحال لا يرين فيه ما يوجب غير التفاتة يمازجها شيء من التنازل والازدراء، إلا أن الغرائب تعددت في أيام ذاك المؤتمر، كيف لا واللورد ... يتناول الغداء وأحد المراسلين. إننا يا سيدي في بلاد ديمقراطية، والمسيو ستيفان لوزان «رئيس تحرير الماتان» يمشي إلى إدارة إحدى الجرائد وفي جيبه مقال مكهرب موضوعه لا شيء، عند احتياجه إلى المال، والمستر بلفور - يجيء بنفسه ليحدث المراسلين فيشرح لهم الفرق من وجهة أدبية بين الغازات السامة والطيارات المدمرة، ويتفلسف في شرعية استعمال الطيارات مثلا وعدم شرعية الغازات.

وهذه بعض الشعوذات السياسية التي نجا صديقي منها، أما زملاؤه المراسلون فما كانوا لينظروا إليه بعين الاهتمام التي كانت لسيدات واشنطون الغنيات، أو لتلك الجريدة التي كانت تنشر رسائله وتعلن عنها كأنها الدواء الوحيد لأدواء العالم كلها، قالوا إن حرفته التشاؤم وكفى، أما أنا فأحببت الاجتماع به؛ لأنه كان ينصر مبادئ طالما روضت هذا القلم في خدمتها، ويجاهد في سبيل الإنسانية جهادا مبرورا يستحق احترام كل من أخلص الحب للإنسانية، هذا من حيث التعارف والائتلاف. وهناك أمور تناكرت - أو بالحري تناقضت - حببت إلينا الاجتماع، منها أنه يكتب من اليسار إلى اليمين وأنا أكتب من اليمين إلى اليسار، أنه غربي إنكليزي وأني شرقي عربي، أنه ممثل أكبر جريدة في المؤتمر وأني ممثل أصغر الجرائد، أنه مادي محض وأني مادي روحي معا. كل هذه حببت إلينا الاجتماع فاجتمعنا وكان ذلك في نزله قبل العشاء.

وكنت قد طالعت بعض تآليفه واطلعت على رسمه في إحدى المجلات فأعددت نفسي إلى خبر يكذب الخبر - كما هي العادة في أكثر المؤلفين - ووعدتها بخيبة الأمل، فما كان شيء من الاثنين؛ لأن المستر ولز

9

شبيه برسمه وإن كان غير ما نتصوره في وجوه الاشتراكيين، وإنه ليصح فيه ما قالته أم «برنارد شو» في الكاتب المعروف «كننغهام غراهام»: «هذا الرجل لا يشبه الاشتراكيين بل يشبه الرجال الأماجد.» والمستر ولز من الأماجد، ولا غرو، وله فوق ذلك من رونق الشباب ما يدهشك جدا إذا علمت ما عدد سنيه وعدد مؤلفاته. أما المؤلفات فلا تقل عن الخمس والأربعين، فهب أنه بدأ يكتب في سن العشرين وكان له في كل سنة كتاب لكانت سنه 65 ولكن الحقيقة هي خلاف الرقمين، فهو في السادسة والخمسين من سنه، وفي السادسة والأربعين من شبابه، يسلب الزمان عشر سنوات وهو مطمئن إلى الزمان، هذا هو المستر ولز، وهذا ما أدهشني منه عند أول مقابلة.

Bog aan la aqoon