وفي ترب الحياة بزرة وإن تراكمت فوقها ألف خريف، وثلوج ألف شتاء، تظل حية طيبة يسمع تنهداتها الشاعر ويرى النبي نور شذاها، تشرق شمس يوم هنا فتذيب الثلوج، فتهب الرياح، فتنتثر الأوراق، فنسمع - إذ ذاك - ما يسمعه الشاعر ونرى ما يراه النبي
ليهجروها حانقين ضالين، ليلعنوها يائسين قانطين •••
سرت في طريقي أنشد مجدا لأمتي بعيدا، فسمعت على ضفاف النيل لصوت عصر المأمون صدى جميلا جديدا
ورأيت الشاعر والفيلسوف والأديب إلى جانب الأمير جالسين، وعلى أنقاض هياكل الظلم والخرافة معاهد تشيد للعلوم والفنون والآداب
فقلت في نفسي: وهل تحقق حلمنا أيام آياتها أعجب من أعاجيب الموحيات فتمجد نفحات الشعراء، وتعزز شوكة الأمراء؟ ويسير الفريقان في طريق واحدة إلى محجة واحدة، وتصبح مصر كعبة العلماء، وقاعدة ملك النبوغ والذكاء
أجل، إن دولة العلم والأدب لأعظم شأنا، وأسمى مجدا، وأثبت أعلاما من دولة النار والسيف والدماء.
الفريكة، نيسان، سنة 1913 (7) الشرق
تمهيد
تتمثل في هذه القصيدة حالة الشرق الحاضرة في ظل تقاليده وعاداته، تمثيلا يشمل بعض الإشارات من لفظ ومعنى تقربه حيا من بصر القارئ وبصيرته. ولكن القصيدة لا تحيط بالشرق كله، وقد تنحصر بالشرق الأوسط والشرق الأدنى؛ لما للإسلام فيهما من حرمة وسيادة. ويسمع للهند فيها صوت شديد تختلط فيه أصوات الماضي الجامد بأصوات الحاضر الثائر؛ لما للأجانب والكهان في الهند من السيادة والنفوذ، والشرق بين الاثنين حائر اليوم، تتنازعه عوامل العلم والدين فيثور تارة وطورا يعتريه الفتور فيعود إلى القديم الجامد وعينه في الجديد اللامع الخلاب. وبكلمة أخرى: إن الشرق يتكلم فتسمع في كلمه صوت الشاعر وصوت الفيلسوف وصوت الأمير وصوت الصحافي وأصوات الكهان والعلماء - أم أم! الله الله!
والعجيب الغريب أن ذكاء بعض الأدباء والشعراء في مصر كبا كبوة عند هذه الكلمة التمثيلية، فاستعاذ بالله من طمطمانيات الشعر المنثور، واعتصم منها بشيء من الأدب القديم العقيم، وبأشياء من السخافات في النقد والمبتذلات.
Bog aan la aqoon