لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
وأنت يا ريحاني مخطئ في ما كتبته في ريحانياتك
2
التجاسر على أبي الطيب وكلامه عين الحكمة؟ سامحك الله! اجلس. ها هنا سر من أسرار الحياة.
وأخذ الأستاذ مسدسا وشرع يقلبه ويتأمله. - إني لأوثر السيف على هاته الآلة الدميمة، ألا فالسيف عنوان الفراسة، السيف راموز الشجاعة والبطولة، وهذه - مصوبا المسدس نحوي - سيمة الغدر، ضريبة الجبن، أم الاغتيال. إن ما يجيئنا من أوروبا ليذهب بالبأس والمنعة والنشاط والحضارة، تعلم الناس الدهاء وتشربهم روح المكر والجبن والخداع.
ولكن هذا غير ما أبتغي من قولي إن ها هنا - وأشار إلى المسدس - سر من أسرار الوجود والفناء، أعطني يا أبا حسن رصاصة، تأملها يا ريحاني، قطعة من الحديد صماء، لا توزن عشرة دراهم ولا تبلغ طور بنصري هذا، إذا وضعتها في هاته الآلة الإفرنجية الدميمة وأطلقتها عليك تخترق الأضلع منك، وتخمد جذوة الحياة فيك، الحياة هبة إلهية من لدنه تعالى. ألست من القائلين بهذا؟ يكللها نور العقل الذي يدرك الإنسان بواسطته ما خفي من الأشياء، وما دق من الحوادث وما بعد من الأكوان، وينظم بفضله الشعر، ويقيس الشمس، ويوزن النجوم، ويحلل طبقات الأرض ويخطط فلك السماوات وأبراجها، ويدس مع ذلك الدسائس لأخيه الإنسان - ينافق ويخادع ويجور ويتجبر - أما هاته الآلة فبكلمة واحدة من كلماتها تبطل كل أعماله السامية والسافلة معا.
ألا إن الرصاصة هذه لأبعد سرا من الحياة وأسبابها فإنها إذا استقرت في صدرك أو تحت أضلعك توقف الحركة الدموية فيك فتفسد القوة العاقلة الإلهية والشيطانية، فتدعك جثة باردة هامدة، أقبس سماوي في الإنسان تطفئه قطعة من الرصاص؟ ومهما يكن من عز له وسلطان - مليكا كان أو قائدا أو شاعرا أو نبيا - فهو إذا بغت بهاته الآلة الذرية الدميمة يقف مذعورا مرتجفا صاغرا - سيفك يا صاحب الدولة! ملكك يا صاحب الجلالة!
فقلت: وما أدراك أن عامل الرصاصة هذه كعوامل الزلازل والسيول في الأرض فتنبت نبتا جديدا وتجدد فيها أصول الحياة. - وإن جثة الإنسان لتعمل عمل الزلزال في تربة الأرض فتغذي الكلأ وتنميه وتبعث الخصب فيه. دعنا من هذا الآن وانظر إلى الواقع، ها إني أتحرك وأتكلم أمامك أرى الأشياء فأعقلها إلى حد ما، أحب وأكره أغضب وأعطف، أبتهج وأتألم، أضحك وأبكي، هي حقيقة لا إخالك تنكرها، وهاته الرصاصة حقيقة أخرى، إذا اعترضت الأولى أفسدتها، صرعتها، هدمتها، حولتها ترابا ودودا وكلأ وحيوانا، أمر غريب! سر عجيب! في هاته الرصاصة كلمة كامنة تمحو إذا بدت كلمة الله المتجسدة في الإنسان؟
فاستأذنت الأستاذ قائلا: ولكن حبة من القنب أو نقطة من السم إذا سرت في عروق الإنسان تفعل فعل هاته الرصاصة. - وهذا أغرب وأعجب، أفلا يؤيد كلامي أن أتفه الأشياء وأحطها لتفسد مبدأ الحياة في الإنسان، لتخمد مصدر النور فيه، لتهدم ما بناه الله، قم بنا أهدك إلى المسجد.
Bog aan la aqoon