وليست هذه أكبر عيوبنا اللغوية، قلت في بدء كلامي إني أتعشق هذه اللغة، فلي فيها إذا أمان يجوز الإفصاح عنها، وأماني الآن ثلاث لا غير، قد ذكرت القاموس، ونبهت إلى الألفاظ الفنية، وأشرت إلى أبي العلاء، فمن أماني إذا:
أولا:
أن يعاد تأسيس مجمع علمي؛ لينظر في ما تحتاج إليه اللغة من الألفاظ الجديدة الفنية والعلمية، فيجيزها بعد إعرابها وينشرها.
ثانيا:
أن يطبع المجمع العلمي أو إحدى شركات الطبع قاموسا عصريا مجردا من الألفاظ الوحشية والمترادفات البدوية والأمثال التي لا تنطبق على حياتنا اليوم، قاموسا مجردا بالأخص من المواد البذيئة كلها، ولا أريد بهذه إسقاط ما قد يتبادر إلى الذهن من المفردات الجنسية، بل أريد - وكل من لجأ إلى القاموس من الكتاب يعلم ما أريد ... هل تخلو صفحة منها؟ وكم من مادة لا تبدأ إلا بها؟ أوما حان لنا أن نعفو تلك «الناقة» وتلك «الجارية» المسكينة من الخدمة في القاموس؟ عار والله علينا - وآداب لغتنا تعد من آداب العالم الخالدة - أن تظل قواميسنا حافلة بالوحشيات والبذاءات، وها أننا بدأنا نشعر بوجوب تعليم البنات وتهذيبهن، والمدارس المختصة بهن تزداد عددا يوما فيوما، فهل بين قواميس اللغة ما يليق أن يستعملنه في دروسهن، أولا يحيط الكاتب علما باللغة إلا إذا حفظ الأمثال المضروبة بالناقة والجارية كلها؟ إن أمنيتي الكبرى أن أرى قبل أن أموت قاموسا عربيا عصريا نظيفا.
ثالث أماني:
أن ينشر أحد الطابعين منتخبات من لزوميات المعري؛ لأن فرائده الشعرية، ودرر فلسفته العقلية، تضيع في الكثير مما تكلفه من الترهات اللغوية، ومما تنحصر أهميته في أحوال زمانه، لذلك يقل من يطالعون اللزوميات، ويكثير من لا يقرنون المعري بغير الكفريات، فلو اخترنا من المجلدين الضخمين ألف بيت مثلا ونشرناها في كتاب جميل، لمكنا الكثير من العلم بشعره علما لا ينحصر ب «غير مجد في ملتي واعتقادي.»
و«في اللاذقية ضجة» بل يتجاوزها إلى بليغ حكمته، وسمو فلسفته، وجميل أدبه، ولا يظن أني أريد مجرد ما تدعى منها بالكفريات، لا والله، بل أريد مثل هذه الأبيات:
فلتفعل النفس الجميل لأنه
خير وأحسن لا لأجل ثوابا
Bog aan la aqoon