فرحلتُ إلى الوادِي المقدَّس طُوَى، والعزمُ بأيْدِي المطايَا شَبَّر شُقَةَ البَيْن وطَوَى، حتى نزلْتُ تُربةً عُجنتْ بماءِ الوحْي، على رَغْمِ أنْفِ النَّوَى، ومسَحْتُ بها المُحيَّا، وحَيِيتُ أكْرمَ مَحْيَا، بين الصَّخرةِ والطُّور، والبيتِ المُتلأْلئ فيه سَبَحاتُ النُّور:
قَطعْنَا في مسافتِه عِقابًا ... وما بعد العِقاب سِوَى النَّعِيمِ
ولما رأيتُه طَشْتَ ذهبٍ مملوءًا بالعقارب، غسلْتُ يدَ الأمل فيه من الرَّغائب، وانثنَيْتُ للشَّام شَامةِ وجْهِ البُلدان، وجَنَّةِ الله في أرْضِه المحفُوفةِ بالحُور والوِلْدان، المفروشةِ بسُنْدُس النَّبات والأشْجار، واللاَّبسةِ حُلَل الرِّياض المُزرَّرةِ بالأنْواء، المُسجَّفةِ بزُرْق الأنْهار، فقالت لي: أهلًا وسهْلًا، ومدَّتْ كرمًا ونُزْلًا، وتلقَّتْنِي بصَدْرٍ رحِيب، فبِتُّ فيها بين تكريمٍ وترْحيب:
مِن فوقِ أكْمامِ الرَّيا ... ضِ وتحْتِ أذْيالِ النَّسِيمِ
ولقِيتُ بها من فضلائِها الأعْيان، وأُدبائِها النَّقِيَّة الأذْهان والأرْدَان، كلَّ كريمٍ تُحسَد عليه العيون والآذان، هو لعَيْن المجدِ قُرَّة، ولوجْهِ المكارِم غُرَّة، ولقلْبِ الدهرِ فَرْحةٌ ومسَرَّة.
فكان ممَّن اجْتلاهُ ناظرِي، وعكَف عليه في حَرَمِ كَرمِه خاطرِي: