رأي شيخ الإسلام ابن تيمية
في التفاسير المطبوعة
جمع وتعليق: بشير جواد القيسي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Bogga 1
[email protected] رأي شيخ الإسلام ابن تيمية
في التفاسير المطبوعة
جمع وتعليق: بشير جواد القيسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث للخلق أجمعين، وبعد:
يحتل شيخ الإسلام مرتبة الصدارة بين علماء الأمة وأعلامها في تمحيص تراثها، وما كتبته في شتى المعارف والعلوم، وتعد قدرة الشيخ متميزة بين أقرانه في فرز الموضوعات، واختيار الأقرب للصواب، ولقد حبى المولى سبحانه هذا الإمام مواهب جليلة وكثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
سعة الاطلاع، ومشاركته في أغلب العلوم الإسلامية، وقبل كل هذا وبعده، ورع الشيخ، وتقواه، والبعد عن الأهواء والبدع، إضافة إلى صفاء السريرة، ونقاء الطوية.
كل هذه السمات جعلت من الشيخ علما من أعلام الأمة، واستحق بجدارة لقب (شيخ الإسلام) .
ومن العلوم التي برع بمعرفتها وتقييمها علوم القرآن والتفسير، ونخص بالذكر في بحثنا هذا رأي شيخ الإسلام في التفاسير المطبوعة.
والشيخ رحمه الله كان له معرفة واسعة بالتفاسير، فقد نقل عنه أنه ربما اطلع على مائة تفسير من أجل آية واحدة، والرجل في نفسه مفسر مقتدر، فهذا الإمام الذهبي تلميذه ينقل عنه أنه جلس يفسر «سورة نوح» في دمشق أكثر من سنة، هذا من جانب سعة الاطلاع والمعرفة، أما من جانب تقييمه للمادة العلمية للتفاسير لا سيما المشهور منها؛ فسيريك هذا البحث طرفا من تقييم شيخ الإسلام لهذه التفاسير السالفة لعصره، مع الدقة العلمية والإنصاف.
فقد بين محاسن كل تفسير وما أخذ عليه، ولعل جيلنا اليوم -والأمة تمر بمنعطف خطير- يحتاج إلى تلقي المعلومات عن هذا الشيخ، إضافة إلى تعلم منهج الدقة في البحث العلمي، والبعد عن الاستعجال، والتروي في إصدار الأحكام مع توفر جانب الإنصاف.
لذا فإن هذا البحث يهدف لعدة أشياء نذكر منها:
1- تجميع ما كتبه شيخ الإسلام في هذا المضمار.
2- تعليم المرء المسلم كيفية إصدار الأحكام، وإن تنوع الأحكام واختلافها يمكن أن تجمع في الشخص الواحد، وإن لكل تفسير طابعا يختص به دون غيره.
Bogga 2
3- أن الحق يؤخذ من الكل، وإن منهج الانتقاء والاصطفاء هو المرتكز الذي اتخذه شيخ الإسلام لنفسه، أما المبالغة في الركون لجانب مع إهمال جوانب الحق الأخرى، فهو نوع من التعسف لا تزال الصحوة المباركة ترزح تحت تأثيره.
4- إضافة دراسة جديدة -ليست لأول مرة- تحظى بنقولات من كتب شيخ الإسلام فيها من التفصيل أكثر مما ذكره السابقون.
ولسنا -ولله الحمد- ندعي الإحاطة بما كتبه شيخ الإسلام.
ولذا اتخذنا من التفاسير المطبوعة (¬1) منهجا لهذا البحث، وذلك للفائدة العملية، والبعد عن الأكاديمية.
وشيخ الإسلام لم يكتب في علوم القرآن مؤلفا مستقلا إلا ما كان من الرسالة المسماة «مقدمة في أصول التفسير» ، وبعض المسائل والفتاوى المنثورة في مجلد (13) من «مجموع الفتاوى» .
أما بقية كلامه فمبثوث عبر مؤلفاته، والتي بلغت قرابة المائة مجلد.
ولقد انتهيت مع بعض الأخوة -ولله الحمد- من جمع كلام شيخ الإسلام في علوم القرآن.
ومما يجدر بالملاحظة أن جمع شتات كلام شيخ الإسلام في الموضوع الواحد أمرا كان يتمناه هو نفسه، كما أشار أكثر من مرة في مؤلفاته، إضافة إلى صعوبة حصول القارئ على جميع مؤلفات الشيخ.
وأكثر من كتب في علوم القرآن والتفسير لم يستفد كثيرا من كلام شيخ الإسلام؛ للأسباب المذكورة آنفا.
وفقدان كلام الشيخ بين تلك العلوم نقص فيها.
فبصماته في كل العلوم واضحة للعيان.
وآثاره متميزة، والمحروم من حرم قراءة ما كتبه.
ولعل سبب بعد الكثير عن علوم شيخ الإسلام التشويه والتنفير من هذا الإمام في القرون السابقة.
Bogga 3
والأمة الإسلامية في نهضتها بعد سقوط الخلافة الإسلامية استطاعت أن تعيد لشيخ الإسلام مكانته الحقيقية، فكان لهذا الأمر خير وفير ونعمة سابغة، ولا أبالغ إن قلت: إن بوادر الصحوة المباركة مدينة لهذا الإمام الجليل، هذا ما يسر الله لي جمعه، فإن أحسنت فبتوفيق ربي، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
Bogga 4
1- ابن جرير الطبري
ولد أبو جعفر محمد بن جرير بن زيدون بن كثير الطبري في آمل طبرستان أواخر سنة (224) ، أو أوائل سنة (225) . رحل إلى بغداد بعد سنة (240) ، وكان في نفسه أن يسمع من إمام الأئمة أحمد بن حنبل، ولكنه لم يوفق لرؤية الإمام؛ فدخل بغداد بعيد وفاته بقليل. ثم انحدر إلى البصرة، وسمع من شيوخها، وكتب في طريقه عن شيوخه الواسطيين، ثم رحل إلى الكوفة، فكتب فيها عن أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني، هناد بن السري، وأضرابهم. وعاد إلى بغداد وتفقه بها على مذهب الإمام الشافعي، ومكث فيها طويلا حتى وفاته، فيما عدا مدة رحل منها إلى بعض البلدان، من بينها رحلة إلى مصر والشام بين (253 - 256) ، وعودة قصيرة إلى طبرستان سنة (290) .
وفي مدينة السلام بغداد اكتملت علوم الطبري، فصار أحد علمائها الأعلام، وكتب كتبه النافعة، ولا سيما التفسير والتاريخ... وقد أثنى عليه إمام الأئمة ابن خزيمة، المتوفى سنة (311) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» ، وابن خلكان، والذهبي، وغيرهم كثير.
واسم الكتاب كما سماه هو «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» كتبه في سبع سنوات.
وطبع الكتاب كاملا بالمطبعة الميمنية بمصر سنة (1321) ، ثم بمطبعة بولاق سنة (1323 - 1330) وغيرها، وأخرج منه العلامة المحقق الأديب الكبير محمود شاكر ستة عشر مجلدا، طبعت في دار المعارف بمصر، ثم توقف عن إتمامه، وأعيد نشره على هذه الطبعة عشرات المرات بطريقة التصوير.
كلام ابن تيمية في تفسير الطبري:
أكثر شيخ الإسلام من ذكر ابن جرير الطبري، فلا يوجد مجلد من «مجموع الفتاوى» ، وكتاب «منهاج السنة النبوية» ، أو «درة تعارض العقل والنقل» ، أو «الصارم المسلول» ، أو «اقتضاء الصراط المستقيم» ، وغيرها، إلا وفيه ذكر لتفسير ابن جرير الطبري. ولقد وصف شيخ الإسلام ابن جرير بعدة أوصاف، نذكر منها أمثلة على سبيل المثال لا الحصر:
(أ) «مجموع الفتاوى» (3/ 382) :
«أهل العلم والسنة مثل: محمد بن جرير الطبري» .
(ب) «مجموع الفتاوى» (8/ 373) ، وصف تفسيره بالمشهور فقال:
«قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره المشهور» .
Bogga 5
(ج) «منهاج السنة» (7/ 212، 249) :
«أما أئمة التفسير فروى الطبري....» .
(د) «منهاج السنة» (7/ 13) :
«أما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل : محمد بن جرير الطبري، وبقي ابن مخلد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وأمثالهم، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات....» .
(ه) «منهاج السنة» (7/ 178) :
«من أئمة التفسير الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة، كتفسير ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وغيرهم من العلماء الأكابر، الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير» .
(و) «منهاج السنة» (7/ 299 - 300) ، وذكر فيه أنه حتى ابن جرير لا يستسلم لنقله، بل يتثبت من ذلك:
«وكتب التفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف، مثل: تفسير الثعلبي، والواحدي، والبغوي، بل وابن جرير، وابن أبي حاتم، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليل على صحته باتفاق أهل العلم، فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف....» .
(ز) «مجموع الفتاوى» (13/ 385) ، تكلم شيخ الإسلام مجيبا عن أحسن التفاسير، واعتبر أن تفسير ابن جرير من أصح التفاسير:
«أما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير، والكلبي» .
(ح) في رسالة «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57) ، ذكر شيخ الإسلام تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أن ابن جرير اعتمد هذه النسخة فقال:
Bogga 6
«تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي (¬1) ، عن ابن عباس -وهو معروف مشهور- ينقل منه عامة المفسرين الذين يسندون التفسير، كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم....» .
(ط) «الرد على البكري» صفحة (17) ، تكلم عن مقاتل، والكلبي، وأن ابن جرير الطبري لا يذكر عنهما شيئا فقال:
«وقد صنف في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم كتب كثيرة يذكرون فيها ألفاظهم بأسانيدها مثل: تفسير وكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وبقي بن مخلد، وسنيد، ودحيم، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن جرير، وأبي بكر بن أبي داود، ومن هؤلاء من لا يذكر شيئا عن مقاتل والكلبي (¬2) » .
(ي) «منهاج السنة» (7/ 302) ، ومع ما ذكره شيخ الإسلام من مدح للطبري، فإنه لا يستسلم لسند الطبري كما ذكر في الفقرة (و) ، وقد رد بعض الأحاديث؛ لضعف في أسانيدها، ومثال ذلك في الجزء المذكور من «منهاج السنة» أعلاه.
(ك) «مجموع الفتاوى» (13/ 389) :
«ومعلوم أن في كتب التفسير من النقل عن ابن عباس من الكذب شيء كثير عن رواية الكلبي عن أبي صالح وغيره، فلا بد من تصحيح النقل لتقوم به الحجة، فليراجع كتب التفسير التي يحرر فيها النقل مثل: تفسير محمد بن جرير الطبري الذي ينقل من كلام السلف بالإسناد، وليعرض عن تفسير مقاتل والكلبي» .
(ل) وقال في «منهاج السنة» ، أن في تفسير الطبري ضعاف، وموضوعات، ومقاطيع، ومراسيل:
«ومع هذا، فلا يخلو تفسيره من ضعاف، وموضوعات، ومقاطيع، ومراسيل، فلا بد من البحث عن صحة ما وجد فيه مثل التفاسير الأخرى» .
(م) «مجموع الفتاوى» (13/ 385) ، بين شيخ الإسلام أن ليس في تفسير الطبري أي بدعة، وقد نقلنا ذلك في الفقرة (ز) .
(ن) «مجموع الفتاوى» (13/ 361) :
«تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير المأثورة، وأعظمها قدرا» .
Bogga 7
2- ابن أبي حاتم
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم المتوفى سنة (327) صاحب «الجرح والتعديل» ، عاصر ابن جرير الطبري.
تفسيره هذا شامل للقرآن، جمع فيه ما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وتابعي أتباع التابعين -أي: خمس مراتب- إلا أنه اختصر فحذف منه الطرق، والشواهد، والروايات. واطلعت على مجلدين منه؛ الأول: جزء من البقرة تحقيق أحمد بن عبد الله العماري الزهراني، وهو رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى بمكة، مطبوع باشتراك ثلاث دور نشر: مكتبة الدار، ودار طيبة، ودار ابن القيم، والمجلد الثاني في آل عمران، تحقيق الدكتور حكمت بشير الموصلي.
واطلعت على بقية أجزائه المحققة، وهي رسائل علمية في جامعة أم القرى، علما أن التفسير -وإلى يومنا هذا- لم يعثر عليه كاملا، والله أعلم.
كلام ابن تيمية في تفسير ابن أبي حاتم:
أكثر الفقرات التي تكلمنا فيها آنفا عن تفسير ابن جرير الطبري تشمل تفسير ابن أبي حاتم، وسنعيدها بالتلخيص:
(أ) «مجموع الفتاوى» (3/ 382) : عده من أهل العلم والسنة.
(ب) «منهاج السنة» (7/ 212) : عده من أئمة التفسير.
(ج) «منهاج السنة» (7/ 13) : عده من أهل العلم الكبار.
(د) «منهاج السنة» (7/ 178) : عده من أئمة التفسير الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة.
(ه) «منهاج السنة» (7/ 299، 300) : عده من التفاسير التي تنقل الصحيح والضعيف، فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف.
(و) «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57) : ذكر رواية علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس، أنا رواية معروفة مشهورة، وقد نقل عنها ابن أبي حاتم.
(ز) «الرد على البكري» صفحة (17) : أن ابن أبي حاتم لم يذكر عن الكذابين مقاتل والكلبي.
Bogga 8
(ح) «مجموع الفتاوى» (13/ 378) ، من التفاسير التي تحرر النقل (¬1) . ومن الأشياء التي ذكرها ابن تيمية على تفسير ابن أبي حاتم بالخصوص قوله في «مجموع الفتاوى» (15/ 201) :
«وابن أبي حاتم قد ذكر في أول كتابه في التفسير أنه طلب منه إخراج تفسير القرآن مختصرا بأصح الأسانيد، وأنه تحرى إخراجه بأصح الأخبار إسنادا، وأشبعها متنا، وذكر إسناده عن كل من نقل عنه شيئا» .
3- القرطبي
هو الإمام العلامة، محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي أبو عبد الله القرطبي من كبار المفسرين، وهو من أهالي قرطبة الذين رحلوا إلى الشرق، واستقروا في شمال أسيوط بمصر، وتوفي فيها سنة (671) . وتفسيره يسمى «الجامع لأحكام القرآن» ، ويعد من أهم الكتب التي ألفت في أحكام القرآن.
كلام ابن تيمية في تفسير القرطبي:
ذكر شيخ الإسلام تفسير القرطبي في معرض كلامه عن تفسير الزمخشري فقال في «مجموع الفتاوى» (13/ 387) :
«وتفسير القرطبي خير منه -أي الزمخشري- بكثير، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع، وإن كان كل هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد، لكن يجب العدل بينهما، وإعطاء كل ذي حق حقه» .
4- ابن عطية
هو الإمام القاضي، والفقيه الحافظ، أبو محمد بن عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الداخل إلى الأندلس -ابن خالد بن خفاف المحاربي. ولد سنة (481) بلرقة، وتوفي في الخامس والعشرين من رمضان سنة (542) (¬2) .
وقد طبع تفسيره في اثني عشر مجلدا بإشراف أربعة من الفضلاء واسمه «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» .
كلام ابن تيمية في تفسير بن عطية:
Bogga 9
(أ) «مجموع الفتاوى» (13/ 361) :
«وتفسير ابن عطية وأمثاله: أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرا ما ينقل تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير المأثورة، وأعظمها قدرا. ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة، من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب.
فإن الصحابة، والتابعين، والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول، وجاء قوم فسروا الآية بشكل آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة، والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة، وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا» .
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/ 385) ، عندما سأل عن مجموعة من التفاسير: «وتفسير بن عطية خير من تفسير الزمخشري وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها» .
(ج) «منهاج السنة» (5/ 257) ، ذكر قولا لابن عطية منقولا عن ابن عباس ثم رده.
ملاحظة:
1- الكلام في الفقرة (أ) انتقد بعض المعاصرين شيخ الإسلام في قوله: «فإنه -أي ابن عطية- كثيرا ما ينقل تفسير محمد بن جرير الطبري ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني به طائفة من أهل الكلام...» ، وقال المعترض: إن هذا ليس على إطلاقه فإن ابن عطية ينقل أحيانا ما نقله ابن جرير عن السلف، والحقيقة أن الصواب مع شيخ الإسلام ابن تيمية، فإن ابن عطية في المواضع التي تحتاج إلى تقرير، ويكون مناط التقرير متعلق بأقوال السلف، فإن مسلك ابن عطية هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وبهذا يتجلى دقة كلام شيخ الإسلام في تقييمه لتفسير ابن عطية من غير هضم لحقه.
2- بالغ بعض الفضلاء في ذم تفسير ابن عطية، واعتبروا أن ما في تفسيره من تقريرات في علم الكلام والعقائد أخطر من تقريرات الزمخشري الاعتزالية، وقد رد محققو تفسير ابن عطية هذا الكلام، والصواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام.
Bogga 10
5- الثعلبي (¬1)
هو الإمام الحافظ المفسر، أبو إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم المتوفى سنة (427) . كان أحد أوعية العلم صادقا موثقا بصيرا بالعربية طويل الباع بالوعظ. له كتابان في التفسير.
الأول «التفسير الكبير» وهو لا يزال مخطوطا (¬2) .
والثاني كتاب «عرائس المجالس في قصص الأنبياء» . وتفسير الثعلبي ليس في موضوعنا، ولكنا ذكرناه لتعلقه بتفسير الواحدي والبغوي، ولأن الكلام على تفسيره يشمل كتابه «عرائس المجالس» .
كلام ابن تيمية في تفسير الثعلبي:
(أ) «منهاج السنة» (7/ 90) :
«ثم علماء الحديث متفقون على أن الثعلبي وأمثاله يروون الصحيح والضعيف، ومتفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتباع ذلك. ولهذا يقولون في الثعلبي وأمثاله: إنه حاطب ليل يروي ما وجد، سواء كان صحيحا أو سقيما، فتفسيره وإن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة، ففيه ما هو كذب موضوع، باتفاق أهل العلم» .
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/ 345) ، قال في وصف الثعلبي نفسه:
«والثعلبي هو نفسه كان في خير ودين، وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع، والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة، واتباع السلف. والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، والآراء المبتدعة» .
(ج) «منهاج السنة» (7/ 311) :
«وتفسير الثعلبي في أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة، ومن الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور، سورة سورة» .
(د) «منهاج السنة» (7/ 355) :
Bogga 11
«التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب، مثل كثير من كتب التفسير: تفسير الثعلبي، والواحدي، ونحوهما...» .
(ه) «منهاج السنة» (7/ 434) :
«وكذلك أيضا في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أهل العلم بالحديث أنها كذب، مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره الثعلبي والواحدي في أول كل سورة، ويذكره الزمخشري في آخر كل سورة» .
(و) «منهاج السنة» (6/ 380) :
«ولو أنهم ينقلون ما لهم وما عليهم من الكتب التي ينقلون منها، مثل تفسير الثعلبي» .
(ز) «منهاج السنة» (7/ 12) :
«أما ما نقله من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك.
ولهذا يقولون: «هو كحاطب ليل» ، وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالها من المفسرين، ينقلون الصحيح والضعيف» .
(ح) «منهاج السنة» (7/ 34) :
«وأما ما يرويه أبو نعيم في «الحلية» ، أو في «فضائل الخلفاء» ، والنقاش، والثعلبي، والواحدي، ونحوهم في التفسير، فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيرا من الكذب الموضوع» .
(ط) «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» ، صفحة (57) ، تكلم شيخ الإسلام على عدة تفاسير، وذكر نسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن الثعلبي اعتمد علها، وفي نفس هذا النقل قسم شيخ الإسلام التفاسير التي تنقل بالمأثور إلى ثلاثة أقسام:
1- الذين يسندون التفسير، ومثاله ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم.
2- الذين يذكرون الإسناد مجملا، ومثل له بالثعلبي، والبغوي.
3- الذين يذكرون المتون دون الأسانيد، كالماوردي، وابن الجوزي.
وإليك عبارة شيخ الإسلام من كتابه المذكور:
Bogga 12
«وفي تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس، وهو معروف مشهور، ينقل منه عامة المفسرين الذين يسندون التفسير، كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي، والذين يذكرون الإسناد مجملا، كالثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون، كالماوردي، وابن الجوزي » .
(ي) «منهاج السنة» (7/ 177) :
«الثعلبي، والواحدي، وأمثالها...، وهؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم، وكثير من ذلك لا يعرفون هل هو صحيح أم ضعيف، ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر، لأن وظيفتهم النقل لما نقل، أو حكاية أقوال الناس، وإن كان كثير من هذا وهذا باطلا، وربما تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفها، ولكن لا يطردون هذا، ولا يلتزمون» .
(ك) «منهاج السنة» (7/ 91) :
«ولهذا لما اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، وكان أعلم بالحديث والفقه منه، والثعلبي أعلم بأقوال المفسرين (ذكر البغوي عنه أقوال المفسرين، والنحاة، وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي، وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئا من الموضوعات التي رواها الثعلبي، بل يذكر الصحيح منها، ويعزوه إلى البخاري وغيره، فإنه مصنف كتاب «شرح السنة» وكتاب «المصابيح» وذكر في الصحيحين والسنن، ولم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث أنها موضوعة، كما يفعله غيره من المفسرين، كالواحدي صاحب الثعلبي، وهو أعلم بالعربية منه، وكالزمخشري وغيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع» .
(ل) «منهاج السنة» (7/ 312) :
«وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي، والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي ةالةاحدي، لكنهما أخر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذها وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما» .
(م) «الرد على البكري» صفحة (7) :
Bogga 13
«إذا كان تفسير الثعلبي، وصاحبه الواحدي، ونحوهما فيها من الغريب الموضوع في الفضائل والتفسير ما لم يجز معه الاعتماد على مجرد عزوه إليها فكيف بغيرها...» .
(ن) «الرد على البكري» صفحة (14) :
«ومثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء. كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري، وعبد الجبار بن أحمد، وعلي بن عيسى الرماني... فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يرون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما لكن منهم من يروي الجميع، ويجعل العهدة على الناقل، كالثعلبي ونحوه ، ومنهم من ينصر قولا، أو جملة إما في الأصول، أو التصوف والفقه بما يوافقها من صحيح أو ضعيف، ويرد ما يخالفها من صحيح وضعيف» .
(س) «مجموع الفتاوى» (22/ 442) :
«وإنما يروي أمثال هذه الأحاديث من لا يميز من أهل لتفسير، كالثعلبي ونحوه» .
(ع) «الرد على البكري» صفحة (20) :
«وأمثال هؤلاء ممن في كتابه من الكذب ما لا يحصيه إلا الله، فهل يجوز الاعتماد على ما يرويه هؤلاء؟ أو يكون أرفع من هذا، وإن كان فيها من الصدق ما لا يحصيه إلا الله. كتفسير الثعلبي، والواحدي، و«الشفا» للقاضي عياض، وتفسير أبي الليث، والقشيري مما فيه ضعف كثير، وإن كان الغالب عليه الصحيح» .
6- الواحدي
هو الأستاذ العلامة، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري، صاحب «التفسير وأسباب النزول» ، ولد سنة (398) على الراجح في نيسابور، وهو من تلامذة الثعلبي. توفي سنة (468) وله ثلاثة تفاسير:
1- الوجيز: وهو تفسير صغير مطبوع طبعة قديمة، وطبع طبعة حديثه.
2- الوسيط: طبع في أربع مجلدات طبعة أنيقة بتحقيق عدد من المشايخ والدكاترة.
3- البسيط: وهو تفسير موسع، ولكنه مفقود.
كلام ابن تيمية في تفسير الواحدي:
Bogga 14
أكثر المواطن التي ذكر فيها شيخ الإسلام الثعلبي ذكر فيها تلميذه الواحدي.
ونلخص الآن ما ذكره شيخ الإسلام:
(أ) «مجموع الفتاوى» (13/ 354) :
«الواحدي صاحبه (الثعلبي) كان أبصر منه بالعربية» .
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/ 354) :
«أبعد عن السلامة واتباع السلف -أي من الثعلبي-» .
(ج) «منهاج السنة» (7/ 355) ، إن تفسير الواحدي فيه كذب.
(د) «منهاج السنة» (7/ 434) ، ذكر أمثلة من الكذب منها حديث في فضائل سور القرآن في بداية كل سورة.
(ه) «منهاج السنة» (7/ 12) ، ذكر أن الواحدي كشيخه حاطب ليل.
(و) «منهاج السنة» ، ذكر أن الواحدي كشيخه من عاداته أن يروي روايات لا يعرف هل هي صحيحة أم ضعيفة؟ وكذا إسرائيليات باطلة؛ لأن وظيفته النقل فحسب، وقد يتكلم عن بعض المنقولات الضعيفة.
(ز) «الرد على البكري» صفحة (14) : أن الواحدي كشيخه لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين.
(ح) «مجموع الفتاوى» (13/ 385) :
«وأما الواحدي فإنه تلميذ الثعلبي، وهو أخبر منه بالعربية لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع، وإن ذكرها تقليا لغيره وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط، والوسيط، والوجيز فيها فوائد جليلة، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها» .
(ط) «منهاج السنة» :
«الثعلبي والواحدي أخبر بأقوال المفسرين من البغوي، والواحدي أعلم بالعربية منهما» .
(ي) «الرد على البكري» صفحة (7) : قال بعد أن ذكر الثعلبي، والواحدي، وغيرهما:
Bogga 15
«مع أن هؤلاء المصنفين أهل صلاح، ودين، وفضل، وزهد، وعبادة، ولكنهم كما قال مالك: أدركت في هذا المسجد سبعين شيخا، كل له فضل، وصلاح، ودين، ولو أئتمن أحدهم على بيت مال لأدى فيه الأمانة، يقول أحدهم: حدثني أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نأخذ عن أحد منهم شيئا، وكان ابن شهاب يأتينا وهو شاب، فنزدحم على بابه؛ لأنه كان يعرف هذا الشأن» .
7- البغوي
هو الإمام الحافظ محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسر، صاحب التصانيف ك «شرح السنة» ، و«معالم التنزيل» ، و«المصابيح» ، وغيرها. توفي سنة (510) وقيل (516) وقيل بينهما، والله أعلم.
وتفسيره المسمى ب «معالم التنزيل» مطبوع عدة طبعات، وأحسنها تحقيق خالد عبد الرحمن الكعك، ومروان سوار في أربعة مجلدات بدار المعرفة في بيروت.
كلام ابن تيمية في تفسير البغوي:
(أ) سئل شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (13/ 386) السؤال التالي:
أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة الزمخشري، أم القرطبي، أم البغوي، أم غير هؤلاء؟
«أما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة، والأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، وحذف منه الأحاديث الموضوعة، والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك» .
(ب) في مقدمة أصول التفسير في «مجموع الفتاوى» (13/ 354) :
«والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي لكن صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، والآراء المبتدعة» .
(ج) «منهاج السنة» :
«البغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي، لكن هما أخبر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذا وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما» .
(د) «منهاج السنة» :
«ولهذا لما اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، وكان أعلم بالحديث، والفقه منه، والثعلبي أعلم بأقوال المفسرين، والنحاة، وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي.
Bogga 16
وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئا من الموضوعات التي رواها الثعلبي، بل يذكر الصحيح منها، ويعزوه إلى البخاري وغيره، فإنه مصنف كتاب «شرح السنة» ، و«كتاب المصابيح» ، وذكر ما في الصحيحين والسنن، ولم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث أنها موضوعة، كما يفعله غيره من المفسرين كالواحدي صاحب الثعلبي، وهو أعلم بالعربية منه، وكالزمخشري، وغيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع» .
ملاحظة:
ذكر الدكتور رمزي نعناعة في كتابه «الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير» صفحة (280) ، منتقدا شيخ الإسلام في تقييمه للبغوي، فقال:
«إن ابن تيمية لم يكن دقيقا في حكمه على البغوي بأنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة... ولعله لم يطلع (¬1) على تفسير البغوي، ولكنه حكم عليه بما حكم، لما يعرفه عنه من أنه من رجال الحديث البارزين، ومن كان هذا شأنه يستبعد عليه -عادة- أن يغتر بموضوع فيرويه على أنه صحيح لا غبار عليه...» .
وقد رد هذا الانتقاد الدكتور الفاضل عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي في كتابه البديع «شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه» الذي نال فيه الشهادة العالمية (الدكتوراه) قال:
«كلام شيخ الإسلام في هذا التفسير كان كلام خبير، ومطلع على ما فيه من حسن وقبح، وليس هو بالظن والتخمين كما يظنه الباحث؛ لأن مثل هذا الكلام لا يستطيع أن يقوله أحد في أي كتاب مستقل، أو تلخيص إلا بعد قراءة متأنية، وكلام شيخ الإسلام حول هذا التفسير في أماكن متعددة يفيدنا بأن هذا التفسير اختصار من تفسير الثعلبي والواحدي، وأنه حذف منه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والآراء المبتدعة، كما حذف أشياء أخرى، وسبب حذف هذه الأشياء ثقافته الواسعة في الدين، والعقيدة، والحديث، والفقه.
وأما ما اعتمد فيه على الثعلبي هو أقوال المفسرين، والنحاة، وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها منه.
Bogga 17
وقصص الأنبياء مما لم ينكر شيخ الإسلام وجوده في هذا التفسير، بل لم ينكر وجود الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، وإنما ذكر أن تفسيره أحسن من هذه التفاسير في الجملة، لا النفي عن وجود بعض المآخذ سواء كان سبب وجود هذه الأشياء متابعة للثعلبي والواحدي، أو رأي رآه المؤلف فذكره بإسناده، فبرأ عن نفسه العهدة.
وهناك كلام صريح منه في وجود الضعاف والموضوعات في تفسير البغوي لما في ذلك من تأييد لما ذكرته أن الكلام فيه في الجملة، ونظرا إلى التفاسير الأخرى لا ألبت في أمر لا يمكن ألبت فيه في غير الصحيحين، فذكر حديث:
(من يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرني على القيام به يكن أخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي من بعدي) .
وقال: كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: فإن قيل: فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين، والمصنفين في الفضائل، كالثعلبي والبغوي وأمثالهما، والمغازلي.
وقيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث، فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية العقلية أنها كذب، بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب» . اه.
8- الزمخشري
هو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري من أئمة متأخري المعتزلة. ولد سنة (476) ، وهو من علماء اللغة والتفسير. توفي سنة (538) . تفسيره مطبوع ومتداول واسمه «الكشاف عن حقائق التنزيل» في أربعة مجلدات. وقد تعرض تفسير الزمخشري لانتقاد جمع من الأئمة؛ بسبب النهج الاعتزالبي في تفسيره.
كلام ابن تيمية في تفسير الزمخشري:
تنحصر انتقادات شيخ الإسلام للزمخشري في عدة نقاط نوجزها بالتالي:
(أ) احتوائه على الأحاديث الموضوعة، فقال شيخ الإسلام في «منهاج السنة» (7/ 91) :
«وهو من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع» .
(ب) «منهاج السنة» (7/ 434) :
Bogga 18
«إنه ذكر أحاديث فضائل السور سورة سورة في آخر كل سورة، وهي موضوعة» .
(ج) «مجموع الفتاوى» (13/ 386) :
«وأما الزمخشري فتفسيره محشو بالبدعة، وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات، والرؤية والقول بخلق القرآن، وأنكر أن الله مريد للكائنات، وخالق لأفعال العباد، وغير ذلك من أصول المعتزلة » .
(د) «الرد على البكري» صفحة (14) :
«مثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء، كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري... فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة....» .
(ه) «مجموع الفتاوى» (13/ 387) :
«وتفسير القرطبي خير منه -أي: من تفسير الزمخشري- وأقرب إلى طريقة الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع، وإن كان كل هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد لكن يجب العدل بينها، وإعطاء كل ذي حق حقه» .
(و) «مجموع الفتاوى» (13/ 385) :
«وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلا وبحثا، وأبعد عن البدع» .
9- القشيري
هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوري القشيري. ولد سنة (376) . وكانت إقامته في نيسابور. وتوفي فيها سنة (465) . من تصانيفه «التيسير في التفسير» ، و«لطائف الإشارات» ، و«الرسالة القشيرية» . وتفسير «لطائف الإشارات» طبع في مصر في ثلاثة مجلدات كبار بتحقيق إبراهيم بسيوني. وتفسير القشيري من التفاسير الصوفية.
كلام ابن تيمية في تفسير القشيري:
(أ) «الرد على البكري» صفحة (7) :
Bogga 19
«وإذا كان تفسير الثعلبي وصاحبه الواحدي ونحوهما فيها من الغريب الموضوع في الفضائل، والتفسير ما لم يجز معه الاعتماد على مجرد عزوه إليها فكيف بغيرها، كتفسير أبي القاسم القشيري، وأبي الليث السمرقندي، و«حقائق التفسير» لأبي عبد الرحمن السلمي الذي ذكر فيه عن جعفر -أي: الصادق- ونحوه ما يعلم أنه من أعظم الكذب» .
(ب) «الرد على البكري» صفحة (14) :
«ومثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء، كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري، وعبد الجبار بن أحمد، وعلي بن عيسى الرماني، وأبي عبد الله بن الخطيب الرازي، وأبي نصر بن القشيري -أبو القاسم القشيري-، وأبي الليث السمرقندي، وأبي عبد الرحمن السلمي، والكواشي الموصلي، وأمثالهم من المصنفين في التفسير، فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما، لكن منهم من يروي الجميع، ويجعل العهدة على الناقل، كالثعلبي ونحوه» .
(ج) «الرد على البكري» صفحة (20) :
«وإن كان فيها من الصدق ما لا يحصيه إلا الله، كتفسير الثعلبي، والواحدي، و«الشفا» للقاضي عياض، وتفسير أبي الليث، والقشيري مما فيه ضعف كثير، وإن كان الغالب عليه الصحيح» .
10- السلمي
هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري. ولد سنة (330) . وتوفي في نيسابور سنة (410) . تفسيره طبع بتحقيق سلمان نصيف جاسم التكريتي نال به شهادة الماجستير من جامعة القاهرة سنة (1975) ميلادية. وتفسيره من أشهر التفاسير الصوفية. اتهمه بعض أهل العلم بوضع الأحاديث للصوفية.
قال محمد بن يوسف القطان: كان يضع الحديث للصوفية.
أما الذهبي فقال في «ميزان الاعتدال» (3/ 523) : «تكلموا فيه وليس بعمدة» ، ثم قال: «أتى في التفسير بمصائب، وتأويلات باطنية» .
Bogga 20