Ray Fi Abi Cala
رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه
Noocyada
4
لن تترك هذا القول دون تعليق؛ لأن الحاجة إلى من يكتب أو إلى من يقرأ لا يترتب عليها أن يشتغل أبو العلاء بالتعليم، ثم يكثر سواد الطلاب حوله، ثم يزوره الناس، ويكتبون إليه فتستحيل عزلته إلى أشد أنواع المعاشرة! •••
إنك لتلمح في صدر هذا الكلام - المبين لسبب فشله في طلب العزلة - إشارة إلى حالته الجسمية وحاجته بها إلى غيره دون مضي في ترتيب أثر آخر على هذه الحاجة، وكان من القريب أن يقدر أثر هذه الحاجة النفسي، فلعله يكشف وجه الرأي والتعليل لفعل أبي العلاء في العزلة. وهذا التفسير - فيما يبدو لي - هو تتمة الذي مضى من بيان أثر الناموس النفسي المعروف على المحرومين والمنقوصين، ويرجع إلى أن الرجل بعد دوره الأول في الاستعلاء على حالته المادية، وبعد فشله في ذلك وخروجه من بغداد، جعل يستعلي على الدنيا والناس، أو قل: جعل يستعلي على غريزته الاجتماعية وهو استعلاء شاق مرهق لا يتيسر النجاح فيه؛ ولهذا أعلن رغبته بل تصميمه على العزلة، ولكن غلبه من نفسه ما بقي فيها من الفطرة الاجتماعية، فلم يتهيأ له الاعتزال، فعلم وألف، ولقي الزوار، وتلقى الكتب. وهذه البقية الفطرية التي لم يتيسر له التغلب عليها هي التي ظل حتى آخر عمره يعترف بدفعها له وتأثيرها عليه اعترافا دقيقا صادقا شجاعا صريحا فيحدث عن حبه الدنيا وميله إلى لذائذها، وأنه لم يزهد فيها ولكنها أخطأته، فتجمل بالصبر مترفعا، وظل يقاسي هذا العناء النفسي الدائم، فيعلن حينا ترفعه عن عشرة الناس وانتقاصهم والنصح بالبعد عنهم، وما إلى ذلك من مختلف معانيه في الوحدة والنفرة، ولكنه لا يعتزل ولا ينفر. ولا يخطئك رغم ذلك من شعره ونثره ما يعطيك هذا التفسير النفسي الملحوظ من الاختلاط ثم الفرار عجزا مع استمرار مراودة الآمال؛ كقوله:
لجأت إلى السكون من التلاحي
كما لجأ الجبان إلى الفرار
ويجمع مني الشفتين صمتي
وأبخل في المحافل بافتراري
وكان تأنسي بهمو قديما
عثارا حم في شأو اغتراري
يئست من اكتساب الخير لما
Bog aan la aqoon