247

Ray Fi Abi Cala

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

Noocyada

25

أنكر أن يكون في غير اللزوميات إلحاد، فعمم ذلك فيما لم يره من كتب قائلا: «... ولا إن شاء الله في كتبه مما لم يصلنا، اللهم إلا نزر يسير ...» فحكم على ما لم يصلنا من كتب المعري بحسن الرغبة وطيب الأمل أنها خالية مما يكفر إن شاء الله.

ومن فهمه في نفس دارسيه حديثا ما نقرأ في دائرة المعارف الإسلامية، (1: 382، 83)، من الترجمة العربية، أنه ليست هناك عقيدة إسلامية لم يسخر منها أبو العلاء، وأنه كان يرى الدين من صنع العقل الإنساني، ونتيجة للتربية والعادة، ولم يقبل أية صورة من صور الحياة الأخرى، وكان ينظر إلى الفناء على أنه خلاص سعيد من الحياة ... إلخ!

ولو قرئ أبو العلاء ليفهم من نفسه وفي نفسه، لكان حاله في الدين كحاله في الدنيا، خاضعا لمؤثرات تتطلب التفسير المطرد الصحيح، سواء أكان ذلك التفسير بالناموس النفسي الذي وصفناه أم كان بغير ذلك مما يمكن أن يقوله غيرنا، ما دام تفسيرا قائما على أصل صحيح غير ادعائي ولا تحكمي كما كان ذلك حتى الآن، وإذ ذاك سيكون القول بتفلسف أبي العلاء، وشرح فلسفته أخف مما هو الآن حدة، وأضيق دائرة، وأقل تحكما في فهم حياة الرجل ما دام الدرس قائما على أساس من التجربة الخبيرة بالدنيا والناس.

والآن وقد اطمأننا إلى هذا التفسير النفسي لحياة أبي العلاء الأديب وفهم أقواله على أساسه بقي علينا أن نتقدم إلى بحث آخر هو:

أبو العلاء بين قوله وفعله

إذ سمعنا مفلسفي الرجل أنفسهم يقولون: إن الفلسفة بحث تخضع حياة الباحث لنتائجه، وناقشناهم في ذلك كله من أمر صاحبهم، (انظر ص99 وما يليها)، بعدما افتقدنا الأصل الفلسفي الذي يقيم عليه الفيلسوف فلسفته وهو مذهبه في المعرفة، فلم نظفر للرجل في هذا بمذهب، وبعدما التمسنا رأيه في شئون حياة الإنسان العملية التي زعموا لأبي العلاء بها عناية خاصة، فوجدناه فيها جميعها ينفي ويثبت، ويأمر وينهى ، ويحسن ويقبح، فلم نستطع من أجل ذلك كله أن نجد لسلوك أبي العلاء العملي أصلا فلسفيا نقيمه عليه ونعزوه إليه. وقررنا بذلك أننا لا نستطيع أن نعزو أسلوبه في الحياة إلى فكرة فلسفية سيطرت عليه؛ لأننا لا نجدها ولا نراه يثبت على شيء منها، فلا نعرف إلى أي قوليه ننسب فعله إن كان له فعل ثابت متسق قد اطرد، وإنه لخليق بنا - والأمر كذلك - أن نعلل أفعاله بغير التفلسف الذي يتبع فيه السلوك النظر ويتأثر الفعل بالرأي.

ونحن قد اطمأننا فيما مضى إلى أن أبا العلاء الذي لا نلمح فيه سمات الفيلسوف - بل نجد منه الإخلال الواضح بالمنهج الفلسفي - إنما هو رجل وجداني، متفنن، قوي الإحساس، دقيقه، صادق التعبير عنه، جريء القول به، قد أعطانا سجلا نفسيا لعوالمه المختلفة، لعلنا لا نظفر بمثله من أديب، سجل اعترافاته بدقة وتفصيل، معلنا قصده إلى الاعتراف، ومصمما على المصارحة، كما اطمأننا إلى أن حياة الرجل كانت - كما يقضي بذلك الواقع الجسمي - خاضعة لفعل الناموس النفسي المعروف الذي تدين الحياة والحضارة لآثاره في أعمال من نقصتهم الدنيا بعض قواهم، فعوضوا نقصهم وسدوا عجزهم، وأن حياة صاحبنا قد تعرضت بذلك للون من الاستعلاء الكابت في دوريها الواضحين، فكان ذلك خليقا بأن ينقل الرجل بين عوالم متغايرة وأجواء نفسية متقابلة يصدق تعبيره المحس الدقيق عنها، فيترك في قوله تلك الآثار الواضحة من التعارض الذي يبدو جليا بينا لمن قرأ أدبه، فوصل بين أطرافه وربط بين أجزائه، ونظر إلى الوحدة المتصلة بين أوله وآخره وبعيده وقريبه. وإذا ما بطل التعليل الفلسفي لبعض فعله أو كله، فقد بقي علينا ولا بد أن ننظر إلى ما يمكن أن يكون لهذا الفهم النفسي للرجل من أثر في فعله؛ لنفهم حياته العملية كما فهمنا حياته القولية فهما ذا أصول ثابتة صادقة، تمدها الخبرة النفسية وتؤيدها المعرفة العلمية، لا فهم نقول ومرويات يعتريها ما يعتري الأخبار دائما من اضطراب وتأثر، ولا فهم فروض ينال منها الهوى والتحكم، وذلك هو تمام ما ندعو إليه في فهم شخصية الأديب فهما يجدي على فهم أدبه، فهما متمثلا متذوقا.

فلننظر أولا فيما عرف وصح نقله عن أسلوب حياة الرجل، فأما:

زهد أبي العلاء

Bog aan la aqoon