238

Ray Fi Abi Cala

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

Noocyada

طلبت مكارما فأجدت لفظا

كأنا خالدان على الزمان

2: 321

هكذا انتهى الدور الأول الذي حدده أبو العلاء، ووصف حاله المكبوتة فيه ذلك الوصف الصريح الدقيق الذي سمعته. •••

أدرك أبو العلاء أن هذا القدر أخو الحياة، فقال: هل أطأ على غير الأرض، أو أبرز من تحت السماء؟! أدلجت فأصبح أمام المدلجين، وهجرت وهو مع المهجرين، قال وعرس مع القالة المعرسين (ف251) لا مفر له من هذا الواقع المادي، ولا مخلص له من همته ومطامحه، فهو يغير الميدان، ولكن المعركة هي المعركة، بل هي أحمى وطيسا، وأعنف صراعا. فإذا هو في الدور الثاني يعترف بالواقع الجسمي، وينكر الدنيا، أو ينكر ما في الفطرة من طلاب هذه الدنيا، ينكر ذاك كله استعلاء وتغطية وتعويضا وخضوعا دائما للناموس النفسي الذي بنى دفعه الحضارة الإنسانية بجهاد المتغلبين على ضعفهم.

هو في كلا دوريه منكر الواقع، مستعل عليه، حامل نفسه على غير ما تحتمل. أنكر أولا آفته، واعترف بالدنيا يطلبها وليس من المزاحمين فيها، ثم أنكر ثانيا فطرته في طلاب الدنيا حين اعترف بواقع ضعفه، فليسعد بالحرمان حين يسعد الناس بالنوال، فهو يدعي كراهة الدنيا، بل قل يأخذ نفسه صادقا بكراهيتها، فيرتفع عن الطلب، ويحقر المنى، ويرى الآخرة أفضل وأسعد، فهو في فنه الأدبي لهذا الدور يتحدث عن فضل الزهد وخيره، وقبح الحياة الدنيا وفنائها، ويذم الناس وجهلهم وجشعهم، ويفر منهم ويدعو إلى اعتزالهم، وما هو في كل ذلك إلا مكبوت يحاول قهر فطرته، فتغلبه حينا ويغلبها حينا، يغلبها فيوقع أنغاما حزينة راحلة واعظة مودعة مستروحة ريح الأخرى، وتغلبه فطرته فيقول الحقيقة في صدق وشجاعة، ويوقع ألحانا آسفة على الحرمان ناعية الفشل، ويسجل حقائق قوية جريئة عن نسك أصحاب الهمم البعيدة حين يزعمون النسك.

ومن المفهوم في هذا الدور وقد اعترف بواقع القدر الملازم أن يقول: العمى عورة والواجب استتاره في كل أحواله. ويتخذ مغارة ينزل إليها ويأكل فيها (الرسائل 130، ط أكسفورد) بعدما كان يقول: إن العمى نعمة.

21

وهكذا تعنون دوري حياة الرجل عبارتاه: العمى نعمة، والعمى عورة. •••

وأبو العلاء نفسه يصف هذا الدور الثاني أيضا في دقة وصراحة وشجاعة، فيقول: أنا لا أضبر - أثب - فهلا أصبر! كما يقول: وما اعتزلت إلا بعدما جددت وهزلت، فوجدتني لا أنفذ في جد ولا هزل، ولا أخصب في التسريح ولا الأزل، فعلي بالصبر، لا بد للمبهم من انفراج، (ف297)،

Bog aan la aqoon