Rawdat al-Hukkam wa Zinat al-Ahkam

روضة الحكام وزينة الأحكام

Baare

محمد بن أحمد بن حاسر السهلي

Daabacaha

رسالة دكتورة، جامعة أم القرى

Sanadka Daabacaadda

1419 AH

Goobta Daabacaadda

مكة المكرمة

المملكة العربية السعودية

وزارة التعليم العالي
جامعة أم القرى
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
قسم الدراسات العليا الشرعية
فرع الفقه والأصول
شعبة الفقه

كتاب روضة الحكام وزينة الأحكام

تصنيف أبي نصر القاضي شريح بن عبد الكريم بن أحمد الروياني

الشافعي المتوفى سنة (٥٠٥هـ) رحمه الله

دراسة وتحقيق

رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه

إعداد الطالب

محمد بن أحمد بن حاسر السهلي

إشراف صاحب الفضيلة

الشيخ الدكتور حسين بن خلف الجبوري

١٤١٩ هـ

1

بسم الله الرحمن الرحيم

2

بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص الرسالة

عنوان الرسالة: (كتاب روضة الحكام وزينة الأحكام، لأبي نصر القاضي شريح بن عبد الكريم بن أحمد الروياني المتوفي سنة ٥٠٥هـ، دراسة وتحقيق).

موضوع الكتاب: (في أدب القضاء وعند الشافعية، رتبة مصنفة على مقدمة، وأبواب في البداية والنهاية، وجعل بينها كتباً، وأورد تحت كل باب، وكتاب المسائل المتعلقة به، مع ذكر الخلاف القائم في كل مسألة).

وقد حوت الرسالة: (مقدمة وقسمين).

المقدمة: (شملت أهمية الموضوع، أسباب اختياره، المنهج الذي سرت عليه، والعقبات التي اعترضتني في التحقيق).

القسم الأول: الدراسة وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في عصر المؤلف تحدثت فيه عن (الحالة السياسية، والاجتماعية، والحركة العلمية).

الفصل الثاني: في حياة المؤلف وآثاره وبينت فيه (اسمه ونسبه، ولادته ونشأته، مكانته العلمية والاجتماعية، مؤلفاته، وفاته، ترجيحاته، تفريعاته، وطبقته).

الفصل الثالث: في التعريف، بالكتاب تعرضت فيه (لأهمية القضاء واسم الكتاب، ونسبته إلى مؤلفه، سبب تأليفه، مصادره، منهجه، أسلوبه، موضوعه، أهميته، مميزاته، المآخذ عليه، ووصف المخطوط).

القسم الثّاني: (وحوى مئتين، وأربعة وعشرين عنوانا، ذكر الخلاف مع الحنفية في ستة عشر منها، وذكر الخلاف مع الإمام مالك في ثلاثة كذلك).

منهج التحقيق: (لم أتعرض للمقابلة، لأن المخطوط، لا توجد له نسخة أخرى، صوبت الخطأ في الصلب بين معكوفتين، ونبهت عليه في الحاشية، حذفت المكرر من الألفاظ من الصلب، وأثبته في الحاشية، أتممت النقص، ووثقت النصوص الواردة في الكتاب ما استطعت إلى ذلك سبيلا وعلقت على بعض المسائل بقدر الحاجة، عزوت الآيات إلى أماكنها من سور المصحف العثماني، عزوت الأحاديث والآثار إلى مواضعها من كتب السنة والآثار مع بيان درجتها ما أمكن، عرفت بالفرق، والغريب من الكلمات، والأعلام، وغير ذلك مما تدعو حاجة البحث إليه وختمت العمل بفهارس فنية: للآيات، الأحاديث والآثار، الأديان والفرق، الأماكن، مصادر الكتاب، الأعلام، الكلمات الغريبة، المصادر والمراجع، الدراسة، ومواضيع الكتاب).

أهم نتائج البحث:

  1. أن أدب القاضي من فروع الفقه المهمة، عُني فيه العلماء بفض النزاع بين الناس بالعدل الذي هو من أهم مقاصد الشرع.

  2. أن الكتاب أصيل في بابه، قديم في مجاله، فهو من الكتب التي لها قصب السبق في هذا المجال وهو المتن الثاني الذي وصل إلى طلاب العلم بعد كتاب ابن القاص.

  3. أن الكتاب جمع بين العلم النظري، والتطبيق العملي، فصنفه القاضي شريح بعد أن برع في العلم، وتولى منصب القضاء، فكان عملاً متقناً، وبناء محكماً.

  4. أن الكتاب يقدم فائدة عظيمة، لوزارات العدل، والمحاكم الشرعية، وكتابات العدل، ومكاتب المحاماة، والأقسام الشرعية، والدراسات العليا في الجامعات والمعاهد الدينية.

الطالب محمد بن أحمد بن حاسر السهلي

المشرف د/حسين بن خلف الجبوري

العمید د/محمد بن علي بن فراج العقلا

1

المقدمة

4

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعرب والعجم، ومن أوتي الفصل في القول وجوامع الكلم، وعلى آله وصحبه سادة الدنيا وقادة الأمم، ومشعل الهدى في دياجي الظلم أما بعد:

فالحمد لله الذي يسر لي طريق العلم، وجعلني من طلاب العلم الذي هو من أفضل القربات الموصلة إلى مرضاته، وأفضل ما تشغل به الأوقات، وتفنى فيه الأعمار، وتصهر من أجله الأجسام ويسهر في تحصيله الليالي، وترخص في طلبه المهج، وتضاعف في سبيله الجهود، وتقطع له أبعد المسافات، وتُصلي النفس بنار الغربة عن الأوطان، وتعاني من لوعة الفرقة للأهل والخلان، مع الشعور باللذة والراحة من ذلك.

وإن أشرف العلوم وأجلها العلوم الشرعية، وخصوصاً الفقه الذي تعرف من خلال تعلمه أحكام الدين. ومن فروع ذلك العلم العظيم أدب القضاء الذي به تستأصل شأفة الشر، ويقطع دابر الفساد، ويحسم النزاع بين الناس بالعدل والقسط، لأن من أهم مقاصد الشرع أن يعيش المجتمع الإسلامي في جو تسوده المحبة والوئام، وتنبذ فيه الفرقة والخصام.

ونظراً لأهميته في واقع الأمة، ومساس الحاجة إليه، ودوره العملي في الحياة، أسرجت زورق الجد، ولبست دروع البحث، وأعددت العدة، وأخذت الأهبة، وجبت فيافي الأيام ومخرت عباب الليالي، وتنقلت بين رياض المكتبات الخاصة والعامة، وجلت في حقول مراكز البحث في الجامعات، وصوبت سهام الجهد نحو مخطوط يخدم هذا الجانب المهم من جوانب الفقه المتشعبة، فغصت في أحشاء المخطوطات، وخضت غمار خزائن التراث طمعاً في صيد ثمين، أو الظفر بكنز دفين، وبينما أنا كذلك إذا وقعت ريشة نظري على عنوان لمخطوط في أدب القضاء عند فقهاء الشافعية موسومٍ بكتاب روضة الحكام وزينة الأحكام، للقاضي شريح الروياني، فطفقت أنقب في بطون الكتب عن معلومات تكشف لي أهمية الكتاب، ومكانة مؤلفه، فوجدت کتب الفقه بعده تفید منه، و کتب التراجم تشيد به، وكتب الفنون تثني عليه وتذكر أن لمصنفه مكانة علمية، واجتماعية مرموقة، فحدى بي الشوق للوصول إليه، ويسر الله لي مصورة عن مخطوطه، وشرعت في القراءة فيها، فألفيته نفيساً في بابه قوياً في خطابه، دقيقاً في أحكامه، يغري القارئ بحسن عرضه، ويشده بأسلوبه، ويشنف أذن السامع بوقع عبارته، كما ألفيت مصنفه أحد أعلام الإسلام، وأوعية العلم وأساطين الفقه وفطاحل الشافعية وحفظة المذهب ورجال التفريع

3

وأهل الترجيح، وجهابذة الفكر، وعمالقة التصنيف، وفحول القضاة، فكتاب بهذه المثابة، ولمصنفه هذه المكانة، قمين أن يفك أسره، ويعاد أنسه، ويلبس سندسه، ببذل الجهد في إخراجه، وقد دعاني لتحقيقه أسباب كثيرة منها:-

  1. الرغبة الأكيدة في المشاركة بإخراج كتاب من كتب التراث الإسلامي على أسس علمية سليمة، لأن مراحل الدراسة تتوفر فيها للطالب أمور لا تتوفر في غيرها.

  2. أن الكتاب من أوائل الكتب التي ألفت في أدب القضاء عند الشافعية، فهو مصدر أصيل ونبع صاف له في أكثر الكتب التي صنفت بعده بصمة، وله على أكثر العلماء الذين ظهروا بعده يد، وفي جيد كل طالب علم منه.

  3. ظهور الملكة العلمية المميزة عند مصنفه، شهدت بها التفريعات، والترجيحات، والإضافات التي أصبحت السمة البارزة في الكتاب حتى نال إعجاب العلماء وشهدوا لمصنفه بغزارة العلم وسعة الاطلاع من خلال اطلاعهم على هذا الكتاب.

  4. أن الكتاب زبدة علم، وعصارةُ فكر، وخلاصةُ عمر، وثمرة تجربة، فهو من آخر مصنفات القاضي شريح الروياني حيث صنفه بعد أن صنف في الأصول والفروع وبعد مجاوزة الستين من عمره، وبعد توليه منصب القضاء.

  5. اعتماد مصنفه في صياغة مادته العلمية على أصول أغلبها مفقود، ففي إخراجه حفظ لها.

وبعد استشارة واستخارة، شرح الله صدري لتحقيقه، فقمت بسبر أغوار فهارس الرسائل الجامعية داخل البلاد وخارجها، والاستعانة بمركز الملك فيصل بالرياض، ومعهد البحوث العلمية بالجامعة، وتأكد لي حسب ما تيسر لي من معلومات أنه لم يسبقني أحد بتسجيله، وبعد ذلك أخبرت صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور رويعي بن راجح الرحيلي، فشد أزري، ووقف إلى جانبي وشجعني على هذا الاختيار، ووافق على وضع خطة لتحقيقه، فتوكلت على الله ووضعت الخطة وقدمتها لمجلس الدراسات العليا الشرعية منظوما عقدها في مقدمة وقسمين.

المقدمة شملت: سبب اختيار الموضوع، والمنهج الذي سرت عليه، والعقبات التي اعترضتني أثناء التحقيق.

القسم الأول: الدراسة: وفيه ثلاثة فصول:

4

المبحث الأول: في الحالة السياسية.

المبحث الثاني: في الحالة الإجتماعية.

المبحث الثالث: في الحركة العلمية.

الفصل الثاني: في المؤلف وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: في حياته وآثاره وفيه خمسة مطالب.

المطلب الأول: في اسمه ونسبه ولقبه، وكنيته وأصله.

المطلب الثاني: في ولادته ونشأته.

المطلب الثالث: في شيوخه وتلاميذه.

المطلب الرابع: في مكانته العلمية والاجتماعية.

المطلب الخامس: في مؤلفاته ووفاته وفيه فرعان:

الفرع الأول: في مؤلفاته.

الفرع الثاني: في وفاته.

المبحث الثاني: في ترجيحاته وتفريعاته وفيه مطلبان:

المطلب الأول: في ترجيحاته.

المطلب الثاني: في تفريعاته.

المبحث الثالث: في طبقته.

الفصل الثالث: في التعريف بالكتاب وفيه تمهيد وستة مباحث:

التمهيد: في أهمية القضاء.

المبحث الأول: في اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه.

المبحث الثاني: في سبب تأليف الكتاب.

المبحث الثالث: في مصادر الكتاب.

المبحث الرابع: في منهجه وأسلوبه وفيه مطلبان:

المطلب الأول: في منهجه.

المطلب الثاني: في أسلوبه.

المبحث الخامس: في موضوع الكتاب وأهميته ومميزاته والمآخذ عليه وفيه أربعة مطالب.

5

المطلب الأول: في موضوعه.

المطلب الثاني: في أهميته.

المطلب الثالث: في مميزاته.

المطلب الرابع: في المآخذ عليه.

المبحث السادس: في وصف المخطوط.

القسم الثاني: التحقيق، وقد حوى مئتين وأربعة وعشرين موضوعاً نصب الخلاف مع الحنفية في ستة عشر منها، ونصب الخلاف مع الإمام مالك في ثلاثة منها. وذكرت أن المتوفر لدي مصورة للمخطوط من معهد المخطوطات بالقاهرة، وأن فهارس المخطوطات تذكر أن هناك نسخة أخرى في المكتبة الظاهرية بدمشق، فإذا وافق المجلس على الموضوع سعيت للوصول إليها، وبعد العرض على المجلس وأخذ الموافقة، بذلت كل ما في وسعي من إمكانات، وسلكت السبل كلها واستخدمت الوسائل جميعها وقرعت الأبواب الموصلة إليها حتى حصلت على مصورة لتلك النسخة وعندما بدأت في قراءتها، وجدت لوحتين قبل اللوحة التي تحمل عنوان الكتاب، قد كتبت بخط مغاير للخط الذي ألفته من النسخة التي بين يدي، فاستبشرت خيراً، وخلت بأني نلت أمنيتي، وحصلت على بغيتي، وبعد تجاوزها، ومقارنة بقية اللوحات مع لوحات النسخة الأولى، إنجلى لي الأمر وانقشع الغمام واتضحت الرؤية بأنهما نسخة واحدة، فعندئذ توقفت عن العمل، وتقدمت بخطاب للمجلس شرحت فيه حقيقة ما حصل، لأن الخطة الموحدة التي أقرها المجلس لتحقيق التراث الإسلامي عام (١٤١٢هـ) تنص على: عدم السماح بتحقيق المخطوط على نسخة واحدة، إلا إذا كان ذا قيمة علمية عالية، ولقناعة المجلس بتوفر ذلك الشرط في المخطوط وافق على إتمام العمل فيه على نسخة واحدة، فملأت الكنانة، وشحذت الهمة، وأيقضت العزم، ودفعت عجلة السير إلى الإمام طالباً العون من الله متبعاً الخطوات الآتية:

  1. قمت بنسخ المخطوط على قواعد النسخ والإملاء الحديثة، مع وضع علامات الترقيم.

  2. وضعت خطاً مائلاً عند نهاية الصفحة من كل لوحة، وأثبت رقمها في الحاشية اليسرى من صفحة الرسالة، ورمزت للصفحة الأولى بالرمز (أ)، وللصفحة الثانية بالرمز (ب). تسهيلاً للمراجعة.

6

٣ - إذا وجد خطأ في المخطوط، أثبت ما أظنه صواباً في الصلب بين معكوفتين، وأثبت ما أظنه خطأ في الحاشية بين قوسين، فإن كان فقهياً قلت والصواب ما أثبته مع ذكر المصدر إن وجد، وإن كان نحوياً قلت والصواب ما أثبته تمشياً مع قواعد النحاة، وما أضفت من إضافة قلت زيادة يقتضيها النص، ويستقيم بها المعنى، أو كلمة بمعناها.

٤ - وضعت مصطلح "انظر" لجميع النصوص التي نقلها المصنف عن غيره من العلماء، لأنه ينقلها بالمعنى، وأما ما أضيفه من تعليق، فإن كان بالمعنى ذكرت المصطلح نفسه مع ذكر المصدر، وإن كان بالنص وضعته بين قوسين مع ذكر المصدر عقبه بدون هذا المصطلح.

٥ - عزوت الآيات إلى أماكنها من المصحف العثماني بذكر اسم السورة، ورقم الآية.

٦ - عزوت الأحاديث، والآثار إلى أماكنها من كتب السنة بذكر اسم المصدر والكتاب والباب، والجزء والصفحة، وما كان موجوداً في أحد الصحيحين اكتفيت بالعزو إليه، وإن كان في غيره عزوته إلى أماكنه من بقية كتب السنة مع الرجوع إلى كلام المحدثين فيه وإثبات قولهم فيه، وما لم أقف لهم على كلام عليه بينته بقولي لم أقف لهم على كلام عليه.

٧ - وثقت النصوص التي نقلها المصنف عن غيره سواء أكانت أقوالاً، أم أوجهاً في المذهب، أم أقوالاً لبعض العلماء وليست كذلك، حسب جهدي وطاقتي ما استطعت إلى ذلك سبيلا، بذكر اسم الكتاب، والجزء والصفحة، وما لم أجده إما أن أعتذر عنه، وإما أن أتركه بعد بحث طويل وجهد مضنٍ.

٨ - إذا ذكر القولين أو الوجهين مطلقين ووجدت من ذكرهما أثبتهما في الحاشية، وإذا ذكر أحدهما وسكت عن الآخر ووجدت من ذكره أثبته في الحاشية كذلك، وإذا وجدتهما مطلقين، قلت هكذا ذكرا، وإذا نقلت عن مصنف قلت هكذا نقلاً عن المصنف.

٩ - الأقوال التي ذكرها المصنف بصيغة "قال البعض، أو قال بعض العلماء" بحثت عن القائل به، فإذا وجدته نسبته إلى قائله، وإلا قلت نقل بهذه الصيغة.

7

١٠ - الأقوال التي نقلها المصنف بصيغة "قيل" تركتها كما أراد المصنف حتى لا يضيع النص بين الحواشي، إلا في مواضع يسيرة ورأيت المقام يقتضي التعليق عليها، أو نقلت عن المصنف.

١١ - إذا نقل المصنف أقوالاً عن المذاهب الفقهية الأخرى، وثقت تلك الأقوال من كتب مذاهبها المعتمدة.

١٢ - لا أتقيد بترتيب المصادر حسب الأقدمية، وإنما أقدم المصدر الذي نص المؤلف على اسمه، أو اسم مؤلفه، أو كانت المسألة فيه بصورة أوضح مما في غيره حسب فهمي.

١٣ - ترجمت لجميع الأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب من كتب التراجم الخاصة بهم، ولم أتعرض لترجمة الخلفاء الأربعة وزوجات النبي ﷺ، ولا للأئمة الثلاثة، وأما الإمام أحمد، وأتباعه، فلم يرد لهم ذكر في الكتاب.

١٤ - شرحت الكلمات الغريبة عن معاجم اللغة، ومن كتب غريب الحديث إن وجدت فيها.

١٥ - عرفت بالأماكن والبلدان التي ذكرت عند المصنف.

١٦ - ختمت هذا العمل بفهارس فنية هي:

أ - فهرس للآيات.

ب - فهرس للأحاديث والآثار.

ج - فهرس للأعلام.

د - فهرس للأديان والفرق.

هـ - فهرس لمصادر الكتاب.

و - فهرس للكلمات الغريبة.

ز - فهرس للمصادر والمراجع.

ح - فهرس للموضوعات التي احتواها الكتاب.

فهرس الموضوعات التي نصب الخلاف فيها مع الأحناف.

فهرس للموضوعات التي نصب الخلاف فيها مع المالكية.

8

هذا منهجي ولا يظن القارئ اللبيب، والسامع الأريب أن هذا العمل لقمة سائغة، وقعت في فم طفيلي دون مشقة أو عنت، وما علم أني كنت أنا والبحث في سجال، فتارة يكون هملاجاً سهلا يدعوني إلى المضي والإقدام، وتارات وتارات يكون حرونياً عنيداً يجعلني أهم بالترك والاحجام ولذا فقد رضعت لبان التعب في قراءة بعض أسطره، وعلكت الحصى في استقامة بعض عباراته، وشربت الكدر في شرح بعض مفرداته، واعتراني الوهن في توثيق نصوصه، ومسنى الإعياء في التعريف ببعض الأماكن وأهم تلك الصعاب ما يأتي:

١ - أن المخطوطة يتيمة، واليتيم عادة يمشي خائفاً يترقب، فتكثر هفواته وزلاته، فلم أجد نسخة أخرى تقف إلى جانبها توضح ما يشكل قراءته، لا سيما الناسخ كان يهمل النقاط على الحروف، ويبدل الهمزة التي تكتب على نبرة ياء وهذا جعلني أرجع للكتب المتقدمة، والمتأخرة عنه في كثير من المسائل، واسترشد بالمشرف حتى يقرب إلى فهمي ما يغلب على الظن أنه صواب.

٢ - أن المصنف فارسي الأصل، فقد وردت في الكتاب كلمات، لم استطع الوقوف عليها في كتب معاجم اللغة التي تيسر لي الاطلاع عليها، وأظن أنها فارسية، وكذلك وردت أسماء لأماكن، لم استطع التعريف بها، مع أني عانيت ذلة المسكين في سؤال بعض الزملاء، من الهنود، والباكستان، والأفغان، حتى بعض الحجاج، ومع ذلك لم تتوفر لدي معلومات عنها.

٣ - كثرة النصوص التي نقلها المصنف عن كثير من العلماء أصولها مفقودة، ولم استطع الوقوف عليها في الكتب التي تيسر لي الإطلاع عليها.

٤ - أن المحقق أسير النص الذي يقوم بتحقيقه، فإنه يقف معه حيث يقف، ويسير معه حيث يسير، فإذا لم يقف المحقق على توثيق نص، انقطع بسببه عن البحث وظل مشغولاً به طويلاً، وكذا إذا قصر فهمه عن إدراك مسألة، ترتب عليه خطأ في تحقيقها، أو التعليق عليها، وهذا ما جعلني أقف عند كل مسألة طويلاً، ومع وجود هذه العقبات إلا أني بفضل الله دأبت على مواصلة العمل في الآصال والبكر وعند تعسعس الليل وتنفس الصبح وعند لفح الهجير، وقرص الزمهرير، وحاكيت الطيور في غدوها وسامرت النجم في دياجير الظلم، حتى خرج بهذه الصورة التي أظن أنها أقرب صورة إلى مراد المؤلف.

9

فهذا عملي وثمرة جهدي، وما لقيت في إخراجه من عقبات، ولا أدعي فيه الكمال، فإن كنت وفقت فلله الحمد والفضل والمنه، لأنه الممد بالعمر والصحة والعافية والعون حتى خرج بهذه الصورة، وإن كانت الأخرى لا قدر الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وعزائي في ذلك أني لم آلو جهداً، ولم أدخر وسعاً سواء أكان مادياً، أم معنوياً في سبيل إخراجه، وأرجو أن لا أحرم الأجر، لأن لكل مجتهد نصيبا.

وأثني بالشكر والتقدير للقائمين على جامعة أم القرى وخصوصا كلية الشريعة. والدراسات الإسلامية وقسم الدراسات العليا الشرعية على بذلهم السخي ودعمهم المتواصل، وتشجيعهم لأبنائهم الطلاب على مواصلة دراستهم، وتذليل الصعاب أمامهم، فجزاهم الله خير الجزاء.

وأقدم خالص الشكر والتقدير لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور رويعي بن راجح الرحيلي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة، وأستاذ مادة الفقه بقسم الدراسات العليا الشرعية الذي تولى البحث بالعناية والرعاية منذ أن كان فكرة، وكم تمنيت أن يتم على يده، ولكن حالت بينه وبين البحث ظروفه ومشاغله، فأسأل الله أن يعينه عليها ويجزيه عني خيراً.

وأقدم أخلص الشكر وأعظم التقدير، وأبلغ الثناء، وأزكى التحية لأستاذي الفاضل وشيخي الأجل صاحب الخلق الكريم، والأدب الرفيع، والتواضع الجم والصدر الرحب والعلم الغزير والباع الطويل في التأليف والتحقيق والإشراف، صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ حسين بن خلف الجبوري، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة أم القرى وأستاذ مادتي الفقه والأصول بقسم القضاء على ما قدم لي من نصح، وتوجيه، وعلى ما أولاني من رفق وتلطف وحسن معاملة، وقد أفدت من علمه كثيراً، ومن خلقه أكثر فجزاه الله خير مايجزي عالماً عن تلاميذه.

كما أشكر أساتذتي جميعاً وزملائي كلهم وفي مقدمتهم سعادة الدكتور محمد بن عوض الثمالي وسعادة الدكتور عبد المحسن بن سعيد الزهراني وسعادة الدكتور محمد بن علي الدغريري وأشكر كل من أمحض لي النصح وأخلص لي في المشورة أو دلني على مرجع أو أعارني إياه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

10

القسم الأول: الدراسة

وفيه ثلاثة فصول

الفصل الأول: عصر المؤلف.

الفصل الثاني: حياة المؤلف وآثاره.

الفصل الثالث: التعريف بالكتاب.

11

الفصل الأول: في عصر المؤلف

وفيه ثلاثة مباحث

المبحث الأول: في الحالة السياسية.

المبحث الثاني: في الحالة الإجتماعية.

المبحث الثالث: في الحركة العلمية.

12

المبحث الأول: في الحالة السياسية:

لقد ورثت الدولة العباسية عن سالفتها الدولة الأموية، دولة شاسعة المساحات، بعيدة المسافات، مترامية الأطراف، كثيرة الأقطار، عامرة الأمصار.

وكانت منذُ فجر قيامها سنة (١٣٢هـ) قوية الأركان شامخة البنيان، نافذة السلطان، مهابة الجانب، قائمة بنفسها على مصالح رعاياها، ساهرة العين على أمن بلادها، وتدبير شؤون سياستها الخارجية، وتصريف أمورها الداخلية.

وكانت الخلافة العباسية مقربة للفرس في بداية حكمها، ومكنتهم من "قيادة الجيش، والمناصب الإدارية الكبرى في الدولة، كالوزارة، والكتابة، والولاية على البلدان ومع هذا امتاز العصر العباسي الأول بقوة الخلافة، وتركيز السلطة العليا بيد الخلفاء الذين كانوا يتمتعون بشخصيات قوية، وقدرات سياسية، وإدارية مكنتهم من المحافظة على وحدة الدولة، وكبح جماح العناصر المتطلعة إلى النفوذ من الموالي، وكان أفراد الجيش عوناً للخلافة، وأداة طيعة في يد الخلفاء"(١).

وبقيت على هذا الوضع، حتى أدخل العنصر التركي في صفوف جنودها ومن حينها "استبد هؤلاء الجند بما عرفوا به من جفاء، وغلظة، فتدخلوا في تعيين الخلفاء، والوزراء، والكتاب واعتدوا على بعضهم، وقتلوا عدداً منهم، وتدخلوا في مرافق الدولة المختلفة"(٢).

ومن هنا دب الوهن في جسم دولة الإسلام، وأخذ الضعف يزداد شيئاً فشيئاً، حتى سقطت بغداد على أيدي التتار سنة (٦٥٦هـ)، وبهذا تكون مدة حكم الدولة العباسية (٥٢٤ سنة)، وهذه المدة تقدر بأكثر من ثلث الفترة الزمنية التي عاشها الإسلام على وجه الأرض، منذُ هجرة المصطفى ﷺ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، إلى يومنا هذا.

وبما أن القرن الخامس هو القرن الذي عاش فيه القاضي شريح بن عبد الكريم الروياني وكان أحد قضاته، وهو جزء من تلك الحقبة الزمنية، التي حكمتها الدولة

(١) العالم الإسلامي في العصر العباسي ٧٤ - ٧٥، وانظر: نفوذ السلاجقة السياسي في الدولة العباسية/١٤.

(٢) الدولة البويهية والخلافة العباسية/٥.

13

العباسية، فلابد من لمحة سريعة للحالة السياسية التي كانت في عصره، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:

أولاً: حالة الخلافة العباسية في القرن الخامس.

ثانياً: الدولة البويهية.

ثالثاً: الدولة السلجوقية.

أولاً: حالة الخلافة العباسية في القرن الخامس:

لقد تعاقب على عرش الدولة العباسية مجموعة من الخلفاء في القرن الخامس وهم:

  1. القادر بالله: أبوالعباس، أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر بالله، ولد سنة (٣٣٦هـ)، وبويع بالخلافة بعد خلع الطائع لله، أبي بكر بن المطيع سنة (٣٨١هـ)، واستمرت خلافته حتى سنة (٤٢٢ هـ)(١)

  2. القائم بأمر الله: أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله، ولد سنة (٣٩١هـ)، بويع بالخلافة بعد موت أبيه سنة (٤٢٢هـ)، واستمرت خلافته حتى سنة (٤٦٧ هـ)(٢).

  3. المقتدي بأمر الله: أبو القاسم، عبد الله بن محمد بن القائم بأمر الله، مات أبوه في حياة القائم - وهو حمل في بطن أمه - بويع بالخلافة عند موت جده سنة (٤٦٧هـ)، واستمرت خلافته حتى سنة (٤٨٧ هـ)(٣).

  4. المستظهر بالله: أبو العباس، أحمد بن المقتدي بأمر الله، ولد في شوال سنة (٤٧٠هـ)، وبويع بالخلافة سنة (٤٨٧هـ)، واستمرت حتى سنة (٥١٢هـ)(٤).

هؤلاء خلفاء بني العباس الذين حكموا في القرن الخامس الذي عاش فيه القاضي شريح بن عبد الكريم - رحمه الله -، وهم بعض خلفاء الخلافة العباسية في عصرها الثاني، الذي هبت فيه زوابع الزمن، وعواصف الدهر بكثير من الصراعات، والفتن، وضعف فيه سلطان الخلافة، وهذا ما شجع "عدداً من أمراء الولايات على الإنفاصل بولاياتهم عن

  1. انظر: البداية والنهاية ٣١/١٢، تاريخ الخلفاء / ٤١١ - ٤١٧.

  2. انظر: المصدرين أنفسهما / ١١٠، ١٧ - ٤٢٣.

  3. انظر: البداية والنهاية ١٢ / ١٤٦، تاريخ الخلفاء/ ٤٢٣ - ٤٢٦

  4. انظر: المصدرين أنفسهما ١٨٢/١٢، ٤٢٦ - ٤٣١.

14

الخلافة العباسية بين دول مستقلة استقلالاً تاماً، ناصبت الدولة العداء، وبين دول مستقلة تدين بالطاعة للخلافة العباسية بالمظهر فقط(١).

ومن تلك الدول التي استقلت عن الدولة العباسية، مع إظهار الولاء لها ظاهراً: الدولة البويهية، ثم الدولة السلجوقية، وهما الدولتان اللتان كانت لهما السيادة على بغداد، وبلاد فارس التي عاش فيها القاضي شريح بن عبد الكريم الروياني - رحمه الله - وقد عاصر جزءاً من حكم كل واحدة منهما.

ثانياً: الدولة البويهية من سنة (٣٣٤ - ٤٤٧هـ):

وعندما أصبح الضعف سمة بارزة للعصر العباسي الثاني، وبدأت شمس دولة الإسلام في أفول، ونادى حكام الأقاليم بالإستقلال عن الخلافة، إما تاماً ظاهراً، وباطناً، مثل الدولة الأموية في الأندلس، وإما باطناً مع إظهار الولاء مثل:

الدولة البويهية التي بسطت جناح نفوذها على رقعة واسعة تمتد "ما بين قزوين(٢)، والخليج العربي، ومن أصبهان إلى حدود سورية(٣)".

وتنسب هذه الدولة إلى "أبي شجاع بويه"، وهذا الرجل لم يكن له علاقة بالخلفاء، إنما عاش من ضمن رعايا الدولة، بل من الطبقة الفقيرة، وكان يمتهن صيد الأسماك في سبيل توفير لقمة العيش له، ولأسرته، وقد أنجب ثلاثة أبناء هم: علي، والحسن، وأحمد(٤)، وكان هؤلاء الأبناء يطمحون إلى زعامة ترفع ذكرهم، وتخلد مآثرهم، وظلوا يسعون في سبيل الوصول إلى ذلك حتى: "أعطي علي بن بويه نيابة الكرج(٥)، فأحسن فيها السيرة، فالتف حوله الناس، وأحبوه، فلم يزل يترقى في مراقي الدنيا حتى آل به، وبأخويه الحال إلى أن ملكوا بغداد من أيدي الخلفاء العباسيين، وصار لهم فيها القطع، والوصل، والولاية، والعزل، وإليهم تجبى الأموال، ويرجع إليهم في سائر الأمور وكان ذلك سنة (٣٣٤هـ)

  1. البويهيون والخلافة العباسية/ ٥.

  2. قزوين: مدينة مشهورة من بلاد فارس فتحها المسلمون في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة (٢٤هـ). وانظر: معجم البلدان ٣٤٢/٤.

  3. تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن ٢٥٦/٣ - ٢٥٧.

  4. انظر: البداية والنهاية ١٧٣/١١.

  5. الكرج: مدينة فارسية تقع بين همذان، وأصبهان. انظر: معجم البلدان ٤٤٦/٤.

15

حينما "أقبل معز الدولة أحمد بن الحسن بن بويه في جحافل عظيمة من الجيوش قاصداً بغداد، فلما اقترب منها بعث إليه الخليفة المستكفي بالله الهدايا، والإنزالات، وقال - للرسول - أخبره أني مسرور به، وأني إنما اختفيت من شر الأتراك الذين انصرفوا إلى الموصل، وبعث إليه بالخلع، والتحف، ودخل معز الدولة بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة، فنزل باب الشماسة، ودخل من الغد إلى الخليفة، فبايعه ودخل عليه المستكفي، ولقبه بمعز الدولة، ولقب أخاه أبا الحسن بعماد الدولة وأخاه أبا علي الحسن بركن الدولة، وكتب ألقابهم على الدراهم، والدنانير"(١).

ومن هنا بدأت دولتهم، وظهر شأنهم، وعلا صيتهم، وارتفعت مكانتهم، وكان زمام الأمر في أيديهم، يفعلون ما يريدون، ويصنعون ما يشاءون حتى وصل بهم الأمر إلى التدخل في تقدير نفقات الخليفة، فقد قدروا "للخليفة بسبب نفقاته خمسة آلاف درهم كل يوم"(٢).

وهذا التدخل يعطينا صورة أن الخليفة العباسي كان "مسلوب السلطة في عهد بني بويه، إلا أنهم يدعون مظاهر احترامه في الحفلات، وينظرون إليه باعتباره زعيم المسلمين"(٣).

كما أن هناك تباين في المذهب العقدي بينهما، فالدولة العباسية كانت على المذهب السني، والدولة البويهية كانت على المذهب الشيعي(٤)، ولذلك كان البويهيون يظهرون الولاء للخلافة العباسية تقية، وليس حقيقة.

وبقيت بغداد، وبلاد فارس تحت سيطرة البويهين منذ دخولهم بغداد سنة (٣٣٤هـ)، حتى دخلها السلطان طغرل بك السلجوقي سنة (٤٤٧هـ)، وقبض على الملك الرحيم البويهي، وأودعه السجن، وبقي في السجن حتى مات سنة (٤٥٠هـ)، وبهذا

(١) البداية والنهاية ٢١٢/١١.

(٢) انظر: البداية والنهاية ١٧٣/١١

(٣) تاريخ الإسلام لحسن إبراهيم حسن ص ٢٥٦/٣ - ٢٥٧.

(٤) انظر: الكامل لابن الأثير ١٧٧/٨.

16

انتهى حكم الدولة البويهية(١)، وقد حكمت من القرن الخامس مايقارب نصفه الذي هو عصر القاضي شريح الروياني رحمه الله.

ثالثا: الدولة السلجوقية (٤٤٧هـ - ٥٥٩هـ)

وبعد أن سقطت الدولة البويهية، وزال حكمها، وانقضت أيامها، وتخلصت منها الخلافة العباسية سنة (٤٤٧ هـ) على أيدي السلاجقة وكان "فيها بدو ملك السلاجقة، وفيها استولى ركن الدولة أبوطالب طغرل بك محمد بن ميكائيل بن سلجوق على نيسابور، وجلس على سرير ملكها، وبعث أخاه داود إلى بلاد خراسان، فملكها"(٢). ثم أخذت شوكتهم تتقوى، وسلطانهم يمتد، ورقعة ملكهم تتسع حتى شمل الجزء الذي كان يحكمه بنو بوية، عندما "ملك طغرل بك بغداد، وهو أول ملوك السلاجقة"(٣).

وبهذا أصبح شأن السلاجقة ظاهراً، وقوتهم ضاربة تخشى، وبدأ الخلفاء من بني العباس يفكرون في رابطة قوية تربطهم بهذه الدولة الفتية، وكان هذا التفكير نفسه هاجساً عند سلاطين السلاجقة، فتوافقت الرغبات في تقوية علاقتهم ببعضهم "فالسلاجقة أرادوا أن تربطهم بالخلافة العباسية رابطة وثيقة، وليس هناك أقوى من رابطة المصاهرة، لتحقيق أغراضهم، إضافة إلى أنهم كانوا يؤملون أن يرزق الخليفة العباسي بولد من إبنه السلطان، فيصبح هذا الحفيد خليفة، فيضموا بذلك ولاء الخلافة التام لدولتهم، وأما الخلفاء العباسيون، فيبدو أن هدفهم، كان ضمان استمرارية حماية الدولة السلجوقية للخلافة من الأخطار"(٤).

وقد تمت المصاهرة بين الطرفين، فتزوج الخليفة القائم بأمر الله، ببنت داود أخ السلطان طغرل بك، وكان سنة (٤٤٨ هـ). وفي سنة (٤٥١هـ) تقدم طغرل بك إلى الخليفة، يطلب منه الموافقة على الزواج من بنته، فاعتذر الخليفة عن هذا الطلب، لأن العادة، لم تجر به، فغضب طغرل بك من اعتذار الخليفة، وأخذ يمارس عليه ضغوطاً حتى

(١) انظر: المصدر نفسه.
(٢) البداية والنهاية ٤٣/١١.
(٣) المصدر نفسه / ٦٦.
(٤) نفوذ السلاجقة السياسي في الدولة العباسية /١٠٠.

17

وافق ولكن بشروط شعر منها طغرل بك أنها تعجيزية، فاستاء من تلك الشروط، وأرسل إلى الخليفة كتاباً تهدده فيه، وعلى إثره عزم الخليفة على الخروج من بغداد، فانزعج الناس، لهذا الأمر، وظلت الوساطة بينهما جارية حتى (٤٥٣هـ)، حيث زفت بنت الخليفة العباسي، إلى السلطان طغرل بك(١) وبهذا تمت المصاهرة بين الجانبين.

ومن هنا يظهر أن موقف الخليفة كان في أشد الضعف أمام سلطة السلاجقة فلم يستطع الإصرار على رفض زواج السلطان من ابنته. وأن معاملة السلاجقة للخليفة، لا تقل سوءاً، عن معاملة البويهين، وظلت دولة السلاجقة قوية، فتية، حتى أنها أصبحت لا تقيم للخلافة وزنا، ولا تسمع لها قولاً، ولا تطيع لها أمراً، وأصبحت تشكل خطراً على الخلافة، فأحس الخلفاء بخطر دولة السلاجقة على خلافتهم، فأرادوا الخلاص، ولكن الفرصة، لم تكن سانحة لذلك، حتى جاء دور "الخليفة الناصر(٢) لدين الله، وأرسل إلى خوارزمشاه شاكيا من السلطان طغرل بك، ويطلب منه المساعدة عليه، وأرفق الرسالة بمنشور يقضي بإقطاع هذا الأمير كل البلاد التي كانت آنذاك تحت نفوذ السلاجقة، وقد وافق طلب الخليفة - فيما يبدو - رغبة خوارزمشاه في التوسعة، فسار على رأس جيشه، لقتال طغرل بك، والتقى به على مقربة من الري(٣) عام (٥٩٠هـ)، فدارت الدائرة على الجيش السلجوقي، وقتل طغرل بك"(٤).

وبمقتله إنتهى حكم دولة السلاجقة بعد أن حكمت ما يقارب (١٥٣ سنة) ويدخل في فترة حكمهم جزء من القرن الخامس الذي عاش فيه القاضي شريح الروياني.

  1. انظر: البداية والنهاية لابن كثير ٦٧/١٢، ٨٦ - ٨٧، ٩/١٣.

  2. الناصر لدين الله: هو أحمد أبو العباس بن المستضيء بأمر الله، ولد سنة (٥٥٣هـ)، بويع بالخلافة عند موت أبيه سنة (٥٧٥هـ)، وقد حكم مدة تقدر بـ (٤٧ سنة)، وكانت الدولة العباسية في مدة حكمه في عز وجلالة، توفي سنة (٦٢٢هــ). انظر: البداية والنهاية ١٠٦/١٢ هـ، تاريخ الخلفاء ٤٤٨.

  3. الري: من أمهات المدن الكبيرة في بلاد فارس في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة (١٩ هـ). انظر: معجم البلدان ١١٨/٣.

  4. الكامل لابن الأثير ٩٤/١٢، وانظر: البداية والنهاية ٩/١٣.

18