المجلد الاول مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك اللهم أنت الذي علمت الناس في دينهم حكما وفي دنياهم أحكاما. وجعلت أمة خاتم الرسل المرحومة أكرم الأمم كلها منزلا ومقاما. ومازلت ألهمت من شئت وتلهم من تشاء منهم في كل قرن استعمال السنن المطهرة على وجهها إلهاما. ونهيتهم عن التفرق في الدين وأوضحت لهم سبيل اليقين فأصبحوا بنعمتك بررة كراما. وما انفك عدو لهم نفوا عن الدين وينفون عنه انتحال١ المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين حتى عاد علم الحق معتدلا قواما. . ونصلي عليك أيها النبي الكريم، بك من الله علينا بالإيمان وهدانا إسلاما. لطفا بنا ورحمة علينا وبركة فينا وإحسانا إلينا وإكراما. فكان ذلك لزاما. ولولاك ما اهتدينا ولا صلينا ولا علمنا أحكاما. فكنت أنت داعينا إلى الله ﷾ وهاديا لنا ورؤوفا بنا وفينا إماما. ونسلم عليكم أهل البيت الطاهرين الطيبين أنتم أصبتم من سعادة الدارين سهاما. وقمتم بالحق الحقيق بالاتباع كما يحق قياما. ورضي الله عنكم أصحاب النبي ﷺ بكم انتظم مبتغي الأمة الأمية بدءا وختاما. ومنك استتب أمر الملة المكرمة أصلا وفرعا واهتماما. ورحمة الله وبركاته عليكم أهل الحديث أنتم كشفتم للناس عن صراح٢ الحق وصحاح السنة وقح٣ الشريعة ظلاما. وعن وجه الدين القويم والصراط المستقيم لثاما. وكيف وقد جعلكم الله تعالى للمتقين إماما. . وبعد: فلما جمع الإمام الهمام عز المسلمين والإسلام سلالة السلف الصلحاء تذكار العرب العرباء وارث علوم سيد المرسلين خاتم المفسرين والمحدثين شيخ شيوخنا الكاملين المجتهد المطلق العلامة الرباني قاضي قضاة القطر اليماني محمد _________ ١ أي ادعاء ٢ الصراح بالضم والفتح الخالص من كل شيء. ٣ أي خالصها.

1 / 2

ابن علي بن محمد اليمني الشوكاني المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف الهجرية رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الفرودس منزله ونزله ومأواه المختصر الذي سماه: "الدرر البهية في المسائل الفقهية" قاصدا بذلك جمع المسائل التي صح دليلها واتضح سبيلها تاركا لما كان منها من محض الرأي فإنه قالها وقيلها غير ملتفت إلى ما اشتهر فالحق أحق بالاتباع وغير جامد على ما ذكر في الزبر١ فلمسلك التحقيق اتساع بل محض فيه النصح النصيح ومخض٢ عن زبد الحق الصريح وأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر وأشار إلى تدقيقات نفسية تحوها صحف الأكابر ونسبة هذا المختصر إلى المطولات من الكتب الفقهية نسبة السبيكة الذهبية إلى التربة المعدنية كما يعرف ذلك من رسخ في العلوم قدمه وسبح في بحار المعارف ذهنه ولسانه وقلمه سأله جماعة من أهل الانتقاد والفهم النافذ العاضين على علوم الاجتهاد بأقوى لحي٣ وأحد ناجذ٤ أن يجلي عليهم عروس ذلك المختصر ويزفه إليهم ليمعنوا في محاسنه النظر فاستمهلهم ريثما يصحح منه ما يحتاج إلى التصحيح وينقح فيه ما لا يستغني عن التنقيح ويرجح من مباحثه ماهو مفتقر إلى الترجيح ويوضح من غوامضه ما لا بد فيه من التوضيح فشرحه بشرح مختصر من معين عيون الأدلة معتصر وسماه: "الدراري المضية شرح الدرر البهية" وفيهما قال قائل: إن شئت في شرح النبي ... تقدح بزند فيه واري٥ فاعكف على الدرر التي ... سلكت بسمط٦ من دراري وشرحه هذا كان بالقول فجعلته شرحا ممزوجا وصيرته على منواله منسوجا مستوعبا للفظه ومعناه ومستصحبا لفحاويه ومبناه مضيفا إليه مذاهب الفقهاء ليظهر ضعفها أو قوتها عند تقابل الأدلة وتعارضها بالآراء لا للأخذ بها على ما كان بأي حال فإن الرجال تعرف بالحق لا الحق بالرجال ثم زدت عليه أشياء من حاشية الماتن٧ على شفاء الأوام التي سماها! وبل الغمام! ومن غيرها عند النظر الثاني _________ ١ أي في الكتب. ٢ مخض اللبن أخذ زبده. ٣ أي منبت اللحية. ٤ الناجذ آخر الأضراس وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان. ٥ ورى الزند خرجت ناره. ٦ السمط الخيط ما دام فيه الخرز وإلا فهو سلك. ٧ يعبر مؤلف هذا الشرح كثيرا عن مصنف الأصل بلفظ "الماتن" وهو مولد مستكره فأصل "المتن" الظهر في اللغة ثم استعمله طلاب العلم في الكتاب المختصر إذا كان عليه شرح فاشتقاق اسم فاعل من هذا وليس بمصدر اشتقاق خاطئ.

1 / 3

في هذا الكتاب فعاد بحمد الله تعالى كما قيل اللبأ وابن طاب١ هذا وقد أمليت هذا الشرح على طريق الارتجال بالاستعجال إرشادا إلى طرق من العلم طالما تركت وهزا لطبائع جامدة طالما ركدت راجيا من الله تعالى أن أكون ممن تعلم علم رسول الله ﷺ وعلمه وأذاعه وحفظه على الناس وفيهم روجه وأشاعه فدونك هذا المشروح والشرح يلقي إليك زمام التفويض في المدح والقدح يا من له في أوج التحقيق صعود وعليه من ملابس التدقيق برود كيف وهو يروي غليل طالبي فقه السنة ويشفي عليل السائقين إلى مساق الجنة فليسعد به كل طالب الحق الصادق ويضن به كل ذي باطل زاهق ولئن رده القاصرون فسيقبله الماهرون وإن ذمه الجهلة فسوف يمدحه الكملة وسميت هذا الشرح الأنيس بل العلق النفيس! الروضة الندية شرح الدرر البهية! والله ﷾ أرجو أن يعين على التمام وينفعني به ومن أخلفه وجميع المتبعين للسنن في هذه الدار ودار السلام إنه ولي الإجابة وبيده الهداية والإصابة. قال ﵁: بسم الله الرحمن الرحيم أحمد من أمرنا بالتفقه في الدين وأشكر من أرشدنا إلى اتباع سنن سيد المرسلين وأصلي وأسلم على الرسول الأمين وآله الطاهرين وأصحابه الأكرمين.
كتاب الطهارة باب هذا الباب قد اشتمل على مسائل: "الأولى الماء طاهر ومطهر" ولا خلاف في ذلك وقد نطق بذلك الكتاب والسنة وكما دل الدليل على كونه طاهرا مطهرا وقام على ذلك الإجماع كذلك يدل على ذلك الأصل والظاهر والبراءة فإن أصل عنصر الماء طاهر مطهر بلا نزاع وكذلك الظهور يفيد ذلك والبراءة الأصلية عن مخالطة النجاسة له مستصحبة "لا يخرجه

1 / 4

عن الوصفين" أي عن وصف كونه طاهرا وعن وصفه كونه مطهرا إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات. هذه المسألة الثانية من مسائل الباب وهي أنه لا يخرج الماء عن الوصفين إلا ما غير أحد أوصافه الثلاثة من النجاسات لا من غيرها وهذا المذهب هو أرجح المذاهب وأقواها. والدليل عليه ما أخرجه أحمد وصححه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه أيضا يحيى بن معين وابن حزم من حديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض١ ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله ﷺ: "الماء طهور لا ينجسه شيء". وقد أعله ابن القطان باختلاف الرواة في اسم الراوي له عن أبي سعيد واسم أبيه وليس ذلك بعلة وقد اختلف في أسماء كثير من الصحابة والتابعين على أقوال ولم يكن ذلك موجبا للجهالة على أن ابن القطان نفسه قال بعد ذلك الإعلال: وله طريق أحسن من هذه ثم ساقها عن أبي سعيد وقد قامت الحجة بتصحيح من صححه من أولئك الأئمة. وله شواهد منها حديث سهل بن سعد عند الدارقطني ومن حديث ابن عباس عند أحمد وابن خريمة وابن حبان ومن حديث عائشة عند الطبراني في الأوسط وأبي يعلى والبزار وابن السكن كلها بنحو حديث أبي سعيد، وأخرجه بزيادة الاستثناء الدارقطني من حديث ثوبان بلفظ: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو لونه أو طعمه"، وأخرجه أيضا مع الزيادة ابن ماجة والطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ: "إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه" وفي إسنادهما من لا يحتج به، وقد اتفق أهل الحديث على ضعف هذه الزيادة لكنه قد وقع الإجماع على مضمونها كما نقله ابن المنذر وابن الملقن في البدر المنير والمهدي في البحر، فمن كان يقول بحجيّة الإجماع كان الدليل عنده على ما أفادته تلك الزيادة هو الإجماع، ومن كان لا يقول بحجيّة الإجماع كان هذا الإجماع مفيدًا لصحة تلك _________ ١ جمع حيضة وهي الخزنة التي تتقي بها المرأة دم الحيض.

1 / 5

الزيادة لكونها قد صارت مما أُجمع على معناها وتُلقّي بالقبول فالاستدلال بها لا بالإجماع. وعن الثاني ما أخرجه عن اسم الماء المطلق من المغيرات الطاهرة. . هذه المسألة الثالثة من مسائل الباب ووجه ذلك أن الماء الذي شرع لنا التطهير به هو الماء المطلق الذي لم يضف إلى شيء من الأمور التي تخالطه فإن خالطه شيء أوجب إضافته إليه كما يقال ماء ورد ونحوه فليس هذا الماء المقيد بنسبته إلى الورد مثلًا هو الماء المطلق الموصوف بأنه طهور في الكتاب العزيز بقول سبحانه: ﴿مَاءً طَهُورًا﴾ وفي السنة المطهرة بقول ﷺ: "الماء طهور" فخرج بذلك عن كونه مطهرًا ولم يخرج به عن كونه طاهرًا لأن الفرض أن الذي خالطه طاهر واجتماع الطاهرين لا يوجب خروجهما عن الوصف الذي كان مستحقًا لكل واحد منهما قبل الاجتماع. قال في حجة الله البالغة: وأما الوضوء من الماء المقيد الذي لا يطلق عليه اسم الماء بلا قيد فأمر تدفعه الملة بادي الرأي، نعم إزالة الخبث به محتمل بل هو الراجح. وقد أطال القوم في فروع موت الحيوان في البئر والعشر في العشر والماء الجاري وليس في كل ذلك حديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم البتة، وأما الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين كأثر ابن الزبير في الزنجي وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الفأرة والنخعي والشعبي في نحو السِّنَّور فليست مما يشهد له المحدثون بالصحة ولا مما اتفق عليه جمهور أهل القرون الأولى، وعلى تقدير صحتها يمكن أن يكون ذلك تطييبًا للقلوب وتنظيفًا للماء لا من جهة الوجوب الشرعي كما ذُكر في كتب المالكية ودون نفي هذا الاحتمال خرط القتاد. وبالجملة: فليس في هذا الباب شيء يُعتد به ويجب العمل عليه وحديث القلتين أثبت من ذلك كله بغير شبهة ومن المحال أن يكون الله تعالى شرع في هذه المسائل لعباده شيئًا زيادة على ما لا ينفكون عنه من الارتفاقات وهي مما يكثر وقوعه وتعم به البلوى ثم لا ينص عليه النبي ﷺ نصًا جليًا ولا يستفيض في الصحابة ومن بعدهم ولا حديث واحد فيه والله أعلم انتهى. قلت: وقد أطال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تخريج حديث القُلّتين والكلام عليه جرحًا وتعديلًا لفظًا ومعنى في كتابه تلخيص الحبير في تخريج

1 / 6

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.