Rawda Bahiyya
شرح اللمعة
الاهداء
إن كان الناس يتقربون إلى الاكابر بتقديم مجهوداتهم فليس لنا أن نتقرب إلى أحد سوى سيدنا ومولانا إمام زماننا وحجة عصرنا (الامام المنتظر) (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
فاليك يا حافظ الشريعة بألطافك الجلية، وإليك يا صاحب الامر وناموس الحقيقة أقدم مجهودي المتواضع في سبيل إعلاء كلمة الدين وشريعة جدك المصطفى، وبقية آثار آبائك الانجبين، دينا قيما لا عوج فيه، ولا امتا، ورجائي القبول والشفاعة في يوم لا ترجى إلا شفاعتكم أهل البيت.
عبدك الراجي السيد محمد كلانتر
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية
مقدمة
تأليف
الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي
جميع الحقوق محفوظة لفريق مساحة حرة
[![](../Images/logo4.png)](http://www.masaha.org)
<http://www.masaha.org>
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى: محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، الهداة المهديين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وبعد؟ فقد كان يراودني باستمرار منذ أمد طويل أن الكتب الدراسية في أوساطنا العلمية بحاجة ملحة إلى تجديد في التنسيق، وعناية. في الطباعة، واهتمام في الاخراج. ولان قدر لبعض هذه الكتب، وغيرها: من أمهات كتب الفقه والحديث، والاصول والرجال أن تطبع فمما يبعث الاسف في النفوس أنها طبعت طبعات تجارية، دون اهتمام كاف في التعليق، ومن غير عناية لائقة في الاخراج. مع أنا نرى في الآونة الاخيرة كثيرا من الجامعات العلمية، قامت بتجديد طبعات الكتب الدراسية التي يتناولها طلابها بالدرس، فأعانتهم على الاقبال على مطالعتها بلا ملل، ولا سأم، لما أضفت عليها من أناقة الاخراج، وبقية الجوانب الفنية الاخرى.
فكان يحز في نفسي أكثر من ذي قبل - غبطة لا حسدا - أن كتبنا الدراسية لم يقدر لها مثل هذا الاهتمام، ومثل تلك العناية من قبل ذوي الاختصاص في هذا المضمار. ومن بين هذه الكتب، بل وأكثرها أهمية في نفسي من أي كتاب آخر كتاب.
(الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)
ففي ذلك الكتاب الجليل يلتقي الباحث بمصدر خصب من مصادر الفقه الاسلامي: بتعبير واف، وأدب رفيع 5 فقد جمع " الشهيدان " عليهما رحمة الله ورضوانه في هذا الكتاب الضخم عمق الفكرة إلى جزالة البحث، ودقة النظر إلى سلامة الذوق وغزارة المادة إلى اعتدال الاسلوب، وإحكام الوضع إلى جمال التعبير.
ولذلك كله اهتم به رواد العلم أساتذة وطلابا، تعليقا عليه ودراسة له، حتى تجاوزت شروحه العشرات. أجل.. لقد اهتم به طلاب المعرفة منذ شروقه، وتزايد اهتمامهم حتى الوقت الحاضر، وسيبقى هذا الاكبار له متزايدا ما دام في الوجود من يدرك الحقيقة، ويميز بين الشمس، وسائر الكواكب.
~
نعم سيظل منارا يهتدى به حتى ظهور (من تحيا البلاد بمحياه) (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وملا به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ومنذ عهد غير قريب - عندما كنت أدرس هذا الكتاب العظيم في حلقات طلابية متناوبة - كنت ألمس ضرورة القيام بمهمة طبع هذا الكتاب النفيس، وإخراجه بشكل بديع يلائم مستواه الرفيع، ويليق بمكانته العلمية السامية، بعد تحقيقه، والتعليق عليه بما يوضح ما يشكل فهمه على دارسيه، وتفسير مشكلاته. وحل معضلاته: من تحقيق معانيه
Bogga 9
وتوضيح ألفاظه، وإعلال كلماته الغامضة، وإعراب جمله المعقدة، كما سيرى ذلك كله القارئ الكريم.
ففي هذا الكتاب الجليل رغم جلالة شأنه، وعلو قدره بعض العبارات المغلقة التي لا يتسنى فهمها بسهولة لكثير من الطلاب في مراحلهم الدراسية الاولى، دون بسط في الشرح، ومهارة في التوضيح. لذا كنت ولا أزال عند ما أمر خلال ساعات التدريس بهذا النوع من العبارات الغامضة يحز في نفسي ما يلاقيه بعض الطلبة من جراء ذلك الغموض.
~
ومما يزيد الاسف: أن الطالب لايجد ما يلجأ إليه في تذليل هذه المصاعب بيسر سوى ما يتلقاه من أستاذه، فيضطر إلى تسجيله، ليرجع إليه عند الحاجة. ولان وجدت بعض التعاليق الموضحة لما أبهم من عباراته فهي تستنزف من مطالعها الكثير من وقته، حيث إنها مبعثرة هنا وهناك على جوانب الصحيفة، ولربما وجد بعضها في صحيفة أخرى دون ترقيم يرشد إلى ربط الهامش بالعبارة التي يحوم المطالع حول حلها.
بل إن الكثير من التعاليق غير متصلة، فأولها في مكان، وآخرها في آخر. أو أنها أصعب فهما على الطالب من نفس العبارة. أو يحتاج فهمها إلى وقت أكثر مما يحتاجه الاصل. أو انها تغمض الطرف عن توضيح المقصود، وتذهب إلى الاطناب في ذكر الاقوال في المسألة، مع عدم توضيحها لاصل المسألة. وأمثال هذا وذاك مما لا يناسب المقام الستيعابه، فترك التعرض له اجدر
Bogga 11
كل هذا وذاك مما يلجئ المطالع إلى استيعاب جميع هوامش تلك الصحيفة من اجل العثور على بغيته، إلا اذا شاءت الصدفة أن يقع بصره لاول نظرة، أو في وسط الطريق على ضالته المنشودة. وما أقل هذه المصادفة، وما أشد تعب من هكذا دأبه.
~
اضف إلى ذلك كله نوعية حروف الهوامش: من حيث صغر حجمها مما يضطر البعض إلى استعمال المكبرات، ولربما بعد أن يقوم بكل ذلك لا يعثر على مراده فيرجع (بخفي حنين).
وأقدم بين يديك الآن نموذجا من عبارات هذا الكتاب، لترى معي ضرورة القيام بالتعليق عليها بالاسلوب المناسب لمستوى طلابه، ولتصدق بما حدثتك به سابقا، أو ليطمئن به قلبك إن كنت مصدقا: قال الشارح عليه رحمة الله ورضوانه - مبينا لقول (المصنف) (قدس سره): (والشاك في الحدث متطهر وفيهما محدث): إن لم يستفد من الاتحاد والتعاقب حكما آخر. وهي كما ترى عبارة يتعب تفهيمها، وتفهمها.
وسترى في ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 81. هامش 4 كيف أوضحناها - بحمد الله ومنه بأسلوب يتجاوب وحاجة الطالب.
وكذلك ما يقوله الشارح (قدس سره) في بحث تعدد الجنائز على التعاقب أثناء الصلاة على أولاها: نعم يمكن فرضه نادرا بالخوف على الثانية. ج 1 من طبعتنا الاولى ص 145. هامش رقم 1، فان تصوير هذا الفرض بمكان من الصعوبة على الطالب، مع التشويش الكثير في تعاليق المحشين
Bogga 12
على هذه العبارة. وعلى غرار هاتين ما تجده في قوله (رحمه الله): ولا فرق في المال المخوف ذهابه، والواجب بذله.. إلى قوله: لا أن الحاصل بالاول العوض على الغاصب وهو منقطع، وفي الثاني الثواب وهو دائم، لتحقق الثواب فيهما مع بذلهما اختيارا، طلبا للعبادة لو أبيح ذلك، بل قد يجتمع في الاول العوض والثواب، بخلاف الثاني. ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 152. هامش رقم 2.
وقوله (رحمه الله): إلا أن يؤخذ كون مطلق الوقت شرطا، وما بعد ذكره مجملا من التفصيل حكم آخر لليومية. ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 172. هامش 4.
وقوله (رحمه الله): ولو جاهلا بحكمه الشرعي، أو الوضعي، لا بأصله أو ناسيا له، أو لاصله. ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 210. هامش 2 - 3 - 4 - 5 - 6.
وقوله (رحمه الله): والاولى تقديم الاجزاء على السجود لها، كتقديمها عليه بسبب غيرها وإن تقدم. وتقديم سجودها على غيره وإن تقدم سببه أيضا. ج 1 من طبعتنا الاولى ص 326. هامش رقم 5.
وقوله (رحمه الله): ولا فرق في الخوف الموجب لقصر الكمية، وتغيير الكيفية بين كونه: من عدو، ولص، وسبع، لا من وحل، وغرق بالنسبة إلى الكمية. وأما الكيفية فجائزة، حيث لا يمكن غيرها مطلقا. ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 368. هامش رقم 3.
كما أن بعض عباراته موجزة جدا، محتاجه إلى زيادة البسط والتوضيح
Bogga 13
ولقد أوضحناها بالمقدار اللازم، والكيفية المناسبة.
وذلك مثل قوله (قدس سره): وحجة مشترط السفر بظاهر الآية حيث اقتضت الجمع: مندفعة بالقصر للسفر المجرد عن الخوف، والنص محكم فيهما. ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 326. هامش رقم 5.
وقوله (رحمه الله): أو يمضي عليه أربعون مترددا في الاقامة، أو جازما بالسفر من دونه. ج 1 من طبعتنا الاولى. ص 373. هامش رقم 5.
وقوله رحمة الله عليه: لو اعتبرت المطابقة محضا لم يسلم احتياط ذكر فاعله الاحتياج اليه. ج 1 من طبعتنا الاولى ص 333 هامش رقم 6.
وقوله - (رحمه الله) -: ولا ترتيب بينهما، لانهما فيه عضو واحد ولا ترتيب في نفس أعضاء الغسل، بل بينها كأعضاء مسح الوضوء بخلاف أعضاء غسله، فانه فيها، وبينها. ج 1. ص 94. هامش رقم 1.
وكثيرا ما توجد أمثال هذه الموجزات في فضيلة صلاة المرأة في بيتها وفي فضيلة الصلاة جماعة مع العالم، وغيره.
وكذلك في كتاب المتاجر، كالمسألة الرابعة من مسائل بيع الحيوان وهي صعبة الفهم جدا.
وكذلك في أبواب النكاح والرضاع، ومسألة خيار العيب ذات الشجون التي تأخذ من الوقت الشيء الكثير حتي يخرج الدارس منها بسلام.
ومسألة توزيع الارث، وتقسيمه.
Bogga 14
وقد أفردنا للارث جزء مستقلا وكذلك ذكرنا حول (اللباء) شرحا وافيا لم يذكر في الكتب الفقهية. وغير هذا مما هو معروف لدى من عرف هذا الكتاب. وقد وفقنا بحمد الله تعالى لازاحة كل هذه العقبات عن طريق طالب العلم، ولم ندع له ما يصعب عليه فهمه إلا وأوضحناه، حتى شرح غريب الكلمات، وبيان أصل اشتقاقها، كالميضاة، والمهاباة، والاعتياض والتقاص في الاجزاء المطبوعة. وغيرها مما يقف عندها من كان من أهل اللغة فضلا عن غيرهم.
وكذلك تصدينا لاعراب بعض الجمل التي يختل المعنى بدونه. كما أننا تصدينا لشرح (الحيض) ووصفه عن طريق الاطباء بما يناسب المقام في هذه الطباعة الجديدة التي قام بها الاخ في الدين الحاج موسى البغدادي حفظه الله تعالى بجاه محمد وآله الطاهرين. كما عمدنا إلى تخطيط أشكال تقريبية تعين على تطبيق العبارة على الخارج المحسوس في أبواب متفرقة، كالقبلة، والوقت، والقضاء من كتاب الصلاة. وكذلك فيما يتعلق ببعض أبواب الصوم، والحج والارث، وغيرها.
كما أننا وضعنا في هذه الطباعة الجديدة صور الحيوانات التي يحل أكل لحمها، أو يحرم، ليسهل على رواد العلم وأبنائه معرفة أعيانها. ومما شحذ همتي، وزاد في شوقي وتحمسي لطبع هذا الكتاب الجليل بالاضافة لما تقدم من أسباب تعريف (الفقه الجعفري) إلى ذوي المذاهب الاسلامية الاخرى، حيث إن كتبنا الفقهية - مع شديد الاسف - لم تنشر ذلك الانتشار المناسب لاهميتها العلمية، بل ولا تصلح لان تنشر وهي
Bogga 15
على شكلها الحالى: من رداءة الطبع، وكثرة الاخطاء الاملائية والمطبعية وغير ذلك مما يشوه محتوياتها القيمة.
لذلك تجد أكثر أصحاب المذاهب، ومنهم الكثير من علمائهم - كما لمست ذلك بنفسي - لم يطلعوا على محتويات (الفقه الجعفري). بل ويجهل الكثير من متفقهيهم حقيقة وجود هذا المذهب. ولان عرفوا منه شيئا فبصورة مشوهة، رغم ما يمتاز به هذا المذهب: من خصوبة المادة، وعمق الفكرة، وأصالة المباني، بصورة تتجلى. بوضوح ناصع لكل باحث منصف، اطلع بنفسه على مصادر التشريع عندهم !. فلهذا سوف أقوم إن شاء الله تعالى بتوزيع قسط وافر : من نسخ كتاب (الروضة البهية) على كثير من أصحاب المذاهب الاخرى، خدمة للدين واعلاء لكلمة الحق حيث اعتقد أن خير كتاب يمثل (الفقه الجعفري) من حيث الشمول والايجاز هو هذا الكتاب الجليل المقدم له. نعم.. كل ذا وذاك عوامل دعتني بالحاح متواصل إلى طبع هذا الكتاب الشريف بالشكل الذي رسمته مخيلتي منذ حين بعيد.
~
بيد أن تأسيس (جامعة النجف الدينية) لم يكن بالامر الهين لمن أراد إتقانه، ووضع مناهجها الدراسية الملائمة للوقت لم يكن بأسهل من تأسيسها لمن أراد إحكامها. لذا فقد استوعب هذا وذاك جل أوقاتي، واستهلكا أكثر طاقاتي حتى لم أعد املك المجال الكافي الصالح للقيام بمهمة طبع هذا الكتاب العظيم بالصورة المرضية، والشكل المرسوم.
Bogga 16
أما الآن ولله الحمد والشكر على نعمه وبعد أن من - علي المولى الجليل بلطفه الجزيل، وذلل لي كل صعوبة في طريق الجهاد الاسلامي والمشروع الحيوي فأعانني على إتمام التشييد الفخم - بناية. (جامعة النجف الدينية) - ووضع النظام الاساسي لها، وتطبيقه بشكل برهن على إتقانه، وصلاحه للاستمرار، وتحويل منتسبيه إلى مالا يقاس عليه حالهم السابق.. بعد كل هذا، لم يبق لي عذر عن تحقيق تلك الامنية الغالية. (طبع هذا الكتاب الجليل). ولان كانت إدارة شؤون (جامعة النجف الدينية) والعمل من أجل توسعة ميادينها الحيوية، والقيام بتدريس بعض الحصص فيها يتطلب منى ما يتطلبه أي مشروع ضخم فلا يمنعني ذلك من القيام بتعهد مسؤوليه التعليق على هذا الكتاب وطبعه، بعد أن كانت هذه المهمة وأمثالها من جمله الاهداف التي اسست من أجلها هذه الجامعة:
Bogga 17
" جامعة النجف الدينية " وبعد الاتكال على الله العلي القدير شمرت عن ساعد الجد لاقوم بالتنفيذ فاخترت من أثق بفضله ودينه وجدارته الكاملة لمثل هذا العمل بما يتطلبه هذا الموضوع من جميع جوانبه، ودرس هذا الكتاب الجليل وأدرك جيدا وبوضوح ما يحتاجه الاستاذ خلال تدريسه من مصادر تخص البحث: من كتب لغة، وحديث ورجال، وغيرها مما لابد منه لتحضير الدرس.
كما وقف معي على مقدار ما يحتاجه الطالب: من شرح وتوضيح ونوعية ذلك حسبما يلائم مستواه، ويتمشى مع لياقته: سماحة سيدنا السيد محمد صادق الصدر، وسماحة شيخنا الشيخ غلام رضا الباقري الاصفهاني حفظهما الله تعالى. فهذان العلمان الجليلان اللذان تتمثل بهما الانسانية بأعلى مراتبها قد بذلا من جهدهما أكثره في هذا المضمار، وضحيا بوقتهما العزيز في خدمة هذا المشووع الديني العظيم. فماذا أقول في حقهما وكل ما أقوله قليل فعلى الله إلعزيز أجرهما؟
Bogga 18
ومن الاخوان الذين استجابوا وشاركوا أيضا معي: فضيلة الشيخ محمد هادي معرفة: كما أو عزت إلى بعض الافاضل من الاخوان أن يكتب في بعض جوانب حياة العلمين الجليلين: (المصنف والشارح). (الشهيد الاول، والشهيد الثاني) قدس الله تعالى روحيهما الطاهرتين وأفاض عليهما من رحمته شآبيبها. ففي حياتهما تتجلى الانسانية الكاملة، والحياة النابضة بالفكر والثقافة والجهاد الاسلامي النبيل. فمهدت له السبيل، ور - سمت له الخطوط، ليتفضل ببحث موجز عن تاريخ الحركة العلمية، متضمنا تعريف (الفقه الجعفري)، وبيان جذوره الاصيلة، وتاريخ تطوره منذ بزوغه حتى عصرنا الحاضر، وكيفية انتقال مركزه من (المدينة المنورة) على مشرفها آلاف التحية والسلام إلى (الري)، ومنها إلى (قم)، ثم إلى (بغداد)، وبعدها إلى (النجف الاشرف)، ثم إلى (الحلة)، ثم إلى (النجف الاشرف) ثانية، ثم إلى (كربلاء) ثم إلى (النجف الاشرف) ثالثة كما هي الآن تضم الحوزة العلمية (للشيعة الامامية).
ولا تزال عامرة إن شاء الله تعالى حتى ظهور (الحجة المنتظر) (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وملا الدنيا ببهجة نوره. فتفضل بهذه الخدمة الانسانية، مجيبا لطلبي بقلب طاهر، وأتى بمقدمة ممتعة حاوية لجميع ما رغبت فيه اليه. فجزاه الله خير جزاء المحسنين.
وهكذا تظافرت جهود هؤلاء الاخوان الاعزاء، فآزروني خير مؤازرة في إنجاز هذا العمل، وشاطروني في سهراتي الطويلة، التي قمت فيها
Bogga 19
في استخراج هذه التعاليق بما فيها من تعيين مواضع الحاجة، ومقدار ما يلزم بيانه فلم يفتني شيء فيما أعلم. فاكرر شكري لهم مقدرا مساعيهم الجليلة، وابتهل إلى العلي القدير أن يتفضل على الجميع بما هو أهله، إنه قريب مجيب.
ولا يفوتني بهذه المناسبة تقديم شكري الجزيل إلى فضيلة الاخ المكرم النبيل الشيخ شريف نجل المرحوم آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء طلب ثراه، حيث وافانا بنسخ مخطوطة من هذا الكتاب تمتاز بقدم تاريخ خطها من مكتبة والده الشيخ المرحوم (قدس سره).
كما أشكر فضيلة حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد علي نجل المرحوم آية الله أستاذنا السيد يحيى المدرسي الطباطبائي طاب ثراه على تزويدنا بنسخة خطية نفيسة من نفس اللمعة أفادتنا كثيرا. وكيف كان فقد بدأنا بالعمل في جمادى الثانية سنة 1385 ملتزمين بتحقيق محتويات الكتاب بمراجعة عدة نسخ مطبوعة وخطية، حذرا من الوقوع في الخطأ الواقع في كثير منها، كما هو المشاهد في كثير من تلك النسخ 5 وقد أشرنا لبعض الاختلافات الواقعية فيها كي يبقى للغير رأيه.
~
كما التز منا بارجاع الاخبار إلى مصادرها بترقيم دقيق في هذه الطبعة الجديدة الثانية. ليتسنى لمن أراد مراجعتها العثور عليها بسرعة وسهولة. كما أننا ذكرنا نص الحديث الوارد في المقام، والمستشهد به من قبل (الشهيدين) (قدس سرهما)، لتعم الفائدة. وكذلك فصلنا الاقوال التي يرمز اليها الشارح (قدس سره)، وأرجعناها
Bogga 20
إلى مصادرها: من كتب الفقه، والاصول، وغيرهما. وهكذا استمر العمل فكانت به الكفاية للاستاذ والطالب. فكانت ارادة الله جل اسمه، وعظم شأنه أن يمن علينا بلطفه العميم وفضله الجسيم، فتتجسم تلك الامنية، ويبرز الجزء الاول من كتاب. (الروضة البهية) في الوجود.
ركلنا أمل بالله القدير أن يوفقنا عاجلا لطبع الباقي من الاجزاء التي تمت مسوداتها إن شاء الله. فحمدا له على ماهيأ لنا كلما نريد، وذلل أمام طريقنا كل الصعاب ووفر علينا كل جوانب العمل، وما يتوقف عليه المقصود، حتى شاء الله تعالى أن ينجز عملنا بأحسن الوجوه، ويكون هذا أثرا فقهيا خالدا.
فنسألك اللهم وندعوك أن تتقبله منا بأحسن قبولك، وتجعله خالصا لوجهك الكريم، عاريا عن كل ما يبعدنا من ساحة لطفك. كما نسألك أن تأخذ بأيدينا لما فيه رضاك، وتوفقنا لخدمة دينك الحنيف، إنك أنت العزيز الوهاب.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
حررت في (النجف الاشرف ) في (جامعة النجف الدينية) في اليوم الثاني من جمادى الثانية سنة 1386.
السيد محمد كلانتر
تاريخ الفقه الشيعي
مما يؤسف له أن (الفقه الشيعي) لم يؤرخ من قبل الباحثين إلى حد اليوم بصورة منهجية كاملة، ومن تحدث عن تاريخ تكامل (الفقه الشيعي) وتطور الكتابة الفقهية لم يتجاوز ترجمة الفقهاء، وتصنيف طبقات المحدثين.
ولم يظهر لحد الآن تصنيف لعصور الفقه الشيعي، ومراكز تطور الدراسات الفقهية لدى (الشيعة)، وظهور المدارس الفقهية الشيعية على امتداد خط (التاريخ الاسلامي)، وبيان ملامح هذه المدارس وما تمتاز به كل مدرسة على سابقتها، مما نجعلها مدارس متعاقبة ومتوالية في التكامل والنمو.
ولم يبحث أحد من الدارسين كيف (تطور الفقه الشيعي) من مستوى المجموعات الحديثية، والاصول الاربعمائة إلى مستوى (الحدائق الناضرة) و(جواهر الكلام). وهذه مسألة مهمة تحتاج إلى كثير من العناية، والدرس قد نتوفر عليها بصورة سريعة في هذه الدراسة، لعلنا نتوفق أن نفتح الطريق لمن يأتي من بعد: من الباحثين، والدارسين، ليدرسوا الموضوع بشيء أكثر من الدقة والعناية والاحاطة.
ولتطور (المدرسة الفقهية) عند الشيعة تاريخ طويل، كما يكون ذلك لاية ظاهرة اجتماعية أخرى، وكما يكون ذلك لاي كائن حي. ولدراسة تاريخ (تطور الدراسة الفقهية لدى الشيعة) يجب أن نضم حلقات هذا التطور بعضها إلى بعض، وتربط الظاهرة الفقهية بالظواهر المحيطية الاخرى التي تتصل بها، والتي تتفاعل معها على امتداد التاريخ.
Bogga 21
فلا يمكن من وجهة منهجية فصل الدراسة الفقهية عن العوامل المحيطية والزمنية على صعيد البحث التاريخي.
فلا تنمو الدراسة الفقهية كظاهرة مفصولة عن الحياة الاجتماعية والمحيط والعوامل المحيطية، ولايمكن عزل الفقه عن المؤثرات التي تتدخل في تكوين (التاريخ البشري). وإنما يجب ربط هذه الظاهرة بغيرها من الظواهر والعوامل المحيطية والزمنية، ليتاح لنا أن نتعرف على عوامل النمو والرشد فيها، وتأثرها بها.
و(العوامل) التي يجب أن تلحظ في (تطوير المدرسة الفقهية) والتي تتدخل في تكوين الدراسة الفقهية، والبحث الفقهي ثلاثة:
1 - (الزمان: ولا نعني بالزمان ما يعنى به عادة من مرور الدقائق والساعات فذاك شيء لا يهمنا، وانما نعني به العمل الناجز إلى حد زمني خاص فلا شك أن مستوى (الدراسة الفقهية) الناجزة عصر (الشهيد) يختلف عنه في عصر (شيخ الطائفة الطوسي)، وذلك يعني أن شيخ الطائفة الطوسي شرع العمل من مستوى أهبط من المستوى الذي شرعه الشهيد وأن الشهيد ابتدأ العمل ابتداء من المستوى الذي انتهى اليه الشيخ الطوسي والمحققون من بعده، وهذا العامل إذا له أهيمته في دراسة (تطور البحث الفقهى).
2 - (المحيط): ولا شك في تأثر البحث الفقهي ب (المراكز الثقافية) التي كان ينتقل اليها، فكل واحد من المراكز الفقهية التي ينقل فيها ويحول اليها (الفقه الشيعي) كان له طابع الثقافة الخاص، وكان له تأثير بالغ في تكوين (الدراسة الفقهية) وتطويرها.
Bogga 23
فحينما انتقلت الدراسة الفقهية الشيعية من المدينة إلى (الكوفة) أصبحت (الكوفة) مركز الاشعاع في (البحث الفقهي الشيعي). تأثر البحث الفقهي كثيرا بهذا المحيط الجديد المزدحم ب (فقهاء الشيعة). كما نأثر (الفقه الشيعي) بدون ريب حينما انتقل من (قم) إلى (بغداد) وكون هذا الاطار الحضاري، والفكري الجديد الذي كانت تزدحم جوانبه بمختلف المدارس الثقافية، والعلماء والفقهاء: من مختلف المذاهب الاسلامية.
3 - (شخصية الفقهاء): وهذا عامل ثالث في تطوير (الفقه) لا نستطيع أن نغضي عنه مهما كان موقف علماء الاجتماع منا، فلمؤهلات الفقية الفكرية، وبعد نظره، وعمق تفكيره، وأصابة آرائة، وطموحه الفكري للتجديد أثر كبير في تطوير الفقه. فما جدده (شيخ الطائفة) مثلا في البحث الفقهي لا يرتبط كليا بتأثير المحيط والعصر، وإنما كان يرتبط أيضا بمؤهلات (الشيخ الطوسي) الشخصية وقابلياته، ونبوغه الذاتي. ولا يستطيع الباحث مهما حاول أن يعزل هذا العامل عن تطور الدراسة الفقهية.
وعلى ضوء هذه (العوامل الثلاثة) سنحاول أن نقوم بدراسة سريعة لتاريخ (الفقه الشيعي) وتطور البحث الفقهي عند الشيعة، وتعاقب المدارس الفقهية، مع الاشارة إلى الملامح الكلية لكل من هذه المدارس. ولكن نسير في هذه الدراسة التاريخية على ضوة ما قدمناه بغض الطرف عن التقسيمات التي يأخذ بها (مؤرخو الفقه، والحديث الشيعي)
Bogga 24
على غير هذا المنهج، ونصنف (عصور الفقه الشيعي) حسب العوامل الثلاثة ضمن المدارس التالية على امتداد العصور المتعاقبة. وحينما نضيف المدرسة الفقهية إلى قطر خاص كالكوفة، أو بغداد أو المدينة لا نعني أن المدارس تمركزت كليا في هذا الاقطار، وأن رواد هذه المدرسة لم يتجاوزوا هذه النواحي قط، ولم يؤثروا في تكوين المدرسة من أقطار اخرى. وإنما نعني أن المدرسة بلغت نضجها الخاص، وكلما لها المرحلي في هذا القطر بالخصوص، وكان لها الاثر الكبير في تكوينها وبلورتها، وإن دخلت أقطار اخرى في البين، وتركت آثارا في تكامل المدرسة.
وأهم (مدارس الفقه الشيعي) حسب توالي عصور (الفقه الشيعي) هي:
1 - (مدرسة المدينة المنورة). واستمرت إلى أواسط القرن الثاني (حياة الامام الصادق (عليه السلام))
2 - (مدرسة الكوفة):. ظهرت من أواسط القرن الثاني (حياة الامام الصادق (عليه السلام)) واستمرت إلى الربع الاول من القرن الرابع (الغيبة الكبرى).
3 - (مدرسة قم والري): ظهرت في الربع الاول من القرن الرابع واستمرت إلى النصف الاول من القرن الخامس (أيام المرتضى والطوسي).
4 - (مدرسة بغداد): ظهرت من النصف الاول للقرن الخامس إلى احتلال بغداد(1).
Bogga 25
5 - (مدرسة النجف الاشرف). اسست هذه المدرسة عند ما حل في الغري (شيخ الطائفة) في أواسط القرن الخامس الهجري بعد وقوع حادثة كبرى بين (السنة والشيعة).
(والنجف الاشرف) أعظم جامعة دينية علمية للطائفة الامامية ولا تزال باقية يقصدها رواد العلم وأبناؤه من أقاصي البلاد الاسلامية. وقد أنجبت إلى يومنا هذا عشرات الآلاف من فطاحل أعلام الطائفة.
6 - (مدرسة الحلة). ظهرت من احتلال بغداد، استمرت إلى حياة (الشهيد الثاني).
7 - (مدرسة كربلا). اسست هذه المدرسة عندما حل فيها استاذ البشر مجدد المذهب في القرن الثالث عشر وحيد عصره، وفريد دهره (الاستاذ وحيد البهبهاني) وقد انجبت هذه المدرسة بدورها نوابغ يضن الدهر أن يأتي بمثلهم كالشيخ الكبير كاشف الغطاء والسيد بحر العلوم والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني وسعيد العلماء والاستاذ شريف العلماء والسيد صاحب الرياض والشيخ البحراني صاحب (الحدائق الناضرة)، وغيرهم: من أساطين العلم، وأعلام الطائفة.
العصر الاول:
(العصر الاول)
هو (عصر الصحابة والتابعين) لهم باحسان ظهرت من حين ظهور المجتمع الاسلامي في (المدينة المنورة)، واستمرت إن حياة (الامام الصادق) (عليه السلام). والمدينة المنورة كانت هي المنطلق الاول للرسالة الاسلامية، فلا غرو اذا كانت (المدرسة الاولى للفقه الاسلامي). وكانت المدينة المنورة الوطن الاول (لفقهاء الشيعة) من الصحابة
Bogga 26
والتابعين لهم باحسان، فكان من فقهاء الصحابة بعد الامام) أمير المؤمنين والزهراء والحسنين) عليهم الصلاة والسلام وهم الذين تولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تربيتهم وتعليمهم.. ابن عباس حبر الامة وفقيهها، وسلمان الفارسي، وابوذر الغفاري وأبورافع ابراهيم مولى رسول الله.
قال النجاشي: " أسلم ابورافع قديما بمكة وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبي مشاهده، ولزم امير المؤمنين من بعده، وكان من خيار الشيعة، ولابي رافع (كتاب السنن والاحكام والقضاء)(1). وكان من التابعين جمع كثير من شيعة امير المؤمنين (عليه السلام) حفظوا (السنة النبوية)، وتداولوها فيما بينهم، ونقلوها إلى الاجيال التي تليهم بأمانة، حتى قال (الذهبي) في ميزان الاعتدال: فهذا - أي التشيع - كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين، والورع والصدق،، فلو رد حديث هؤلاء - أي الشيعة - لذهبت جملة الآثار النبوية "(2).
ولعوامل لا نعرفها منع (عمر بن الخطاب) من تدوين السنة النبوية فبقيت السنة النبوية في صدور الصحابة والتابعين يتناقلونها حتى خلافة (عمر بن عبدالعزيز)، حيث أمر بتدوينه (محمد بن مسلم بن شهاب الزهري) بذلك، فلم يتفق لمحدثي غير الشيعة من الصحابة والتابعين تدوين السنة النبوية قبل هذا الوقت.. ولكن (فقهاء الشيعة) - فيما يحدثنا التاريخ - دو نوا عدة مدونات حديثية مهمة.
Bogga 27
كان (أمير المؤمنين) (عليه السلام) أول من صنف في الفقه، ودون الحديث النبوي، ولم يوافق (عمر بن الخطاب) على رأيه.
قال السيوطي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم، فكرهها كثير منهم، واباحتها طائفة وفعلوها
: منهم: (علي وابنه الحسن)(1).
فكتب (الجامعة) وهي من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام)، كان يبلغ سبعين ذراعا، وقد تواتر نقله في أحاديث الائمة من أهل البيت (عليهم السلام)(2). وكان لسلمان مدونة في الحديث كما يقول ابن شهر آشوب. وعلي بن أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من (فقهاء الشيعة) وخواص أمير المؤمنين.
قال النجاشي: وهو تابعي من خيار الشيعة، كانت له صحبة من أمير المؤمنين، وكان كاتبا له، وحفط كثيرا، وجمع كتابا في فنون الفقه كالوضوء والصلاة، وسائر الابواب وكانوا يعظمون هذا الكتاب "(3).
ومنهم: (سعيد بن المسيب) أحد الفقهاء الستة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر.
قال أبوأيوب.: ما رأيت أفضل منه.
وفي كتاب الكافي عن يحيى بن جرير قال: قال (ابوعبدالله الصادق) (عليه السلام): كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبى بكر، وابوخالد الكابلي
Bogga 28
من ثقات (علي بن الحسين) (عليه السلام)(1).
ومهما يكن من أمر فقد كان (فقهاء الشيعة) وعلى رأسهم أئمة المسلمين من (أهل البيت) (صلوات الله عليهم) يقودون (الحركة الفكرية) في (العالم الاسلامي)، وتنطلق هذه الحركة من المدينة المنورة بشكل خاص. وبلغ هذا الازدهار الفكري غايته في عهد (الامام الصادق) (عليه السلام) ازدهرت (المدينة المنورة) في عصر الامام، وزخرت بطلاب العلوم ووفود الاقطار الاسلامية، وانتظمت فيها حلقات الدرس، وكان بيته جامعة إسلامية يزدحم فيه رجال العلم، وحملة الحديث: من مختلف الطبقات ينتهلون موارد علمه.
وقال ابن حجر عن (الامام الصادق) (عليه السلام): نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الائمة الاكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح، ومالك والسفيانيين، وأبى حنيفة وشعبة وايوب السختيانى(2). إذا كانت (المدينة المنورة) في عهد (الامام الباقر والصادق) (عليهما السلام) (مدرسة للفقه الشيعي)، ومركزا كبيرا من مراكز الاشعاع العقلي في العالم الاسلامي.
ويطول بنا الحديث لو أردنا أن نحصي عدد الفقهاء من الشيعة في هذه الفترة، وما تركوا من آثار، ويكفي الباحث أن يرجع إلى كتب أعيان الشيعة، ورجال النجاشي، والكشي، وتأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ليعرف مدى الاثر الذي تركه (فقهاء الشيعة) في هذه الفترة التي تكاد
Bogga 29
تبلغ قرنا ونصف قرن من تاريخ الاسلام في الدراسة الفقهية، والمحافظة على السنة النبوية.
والشيء الذي نحب أن نشير اليه: أن ملامح (المدرسة الفقهية ) في هذه الفترة في (المدينة المنورة) كانت أولية إلى حد ما، ولم تتبلور المسائل الخلافية في الفقه بين (الشيعة والسنة) كما تبلورت بعد في (الكوفة) على يد تلامذة (الامام الصادق) (عليه السلام) واستمرت إلى أيام (أبى الحسن الرضا) (عليه السلام)، فالاختلاف في القياس والاستحسان والرأي والاجتهاد، ومسائل الصلاة والوضوء، والحج الخلافية لم تظهر واضحة في هذه الفترة، وفي هذه المدرسة بالذات، وإن كانت المدينة منطلق (الفقه الشيعي) والمركز الاول للبحث الفقهي عند الشيعة، وعنها انتقلت المدرسة إلى الكوفة، وتبلورت المفاهيم، واتضحت نقاط الالتقاء والاختلاف بين المذاهب الفقهية الاسلامية.
ومدونات الحديث كانت مقتصرة على عدد معدود من المدونات المعروفة التي تم تدوينها في المدينة المنورة والتي ضاع أكثرها. ولم تكن هذه المدونات فيها عدى (مدونة امير المؤمنين (عليه السلام)) دورات كاملة للحديث النبوي، وإنما كانت تجمع لقطات من السنة النبوية والاحكام الفقهية. ولم تكن هناك كتب فقهية تعني بالفتاوى خارج نطاق المدونات الحديثية. كما تتبلور بعد لدى فقهاء الشيعة صياغة المقاييس الخاصة للاجتهاد والفتيا بصورة كاملة، والمقاييس الخاصة لمعالجة الاخبار المتعارضة، فلم يكثر الحديث بعد عن (أهل ال بيت (عليهم السلام))، ولم يدرس في حديثهم بعد الشيء الكثير من الحديث المدسوس، ولم يشق على الفقهاء الرجوع
Bogga 30