ومولانا السلطان - خلد الله ملكه - وقد ثبت في موقف المنايا آمنا، حتى كأنه في جفن الردى وهو نايم، ورأى الأبطال من أوليائه جرحى في سبيل الله والأعداء مهزومة والوجه منه وضاخ والثغر باسم. [وقابل العدو بصدره، وقاتل حتى أفني حديد بيضه وشمره، وخاطر بنفسه والموت أقرب إليه من حبل الوريد، ونكب عن ذكر العواقب جانبا، ولم يستصحب إلا سيقه المبيد. وأشتد أزرة بأمرائه الذين رأوا الحياة في هذا اليوم مغرما، وعدوا الممات فيه منما. وقالوا: لا حياة إلا بنصر الإسلام، ولا استقرار حتى تطأ بين يدي السلطان سنابك الخيول هذه الهام. وما أعددنا العزائم إلا لهذا الموقف، ولا أحددنا الصوارم وخباناها إلا لنبدلها في الفك فسرف. وهم بين يدي سلطانهم يحثون جيوشهم على المصابرة، ويقولون: هذا يوم تصيبنا فيه إحدى الحسنيين، فإما سعادة الدنيا وإما جنة الآخرة]. وقالت الملائكة للجيوش المنصورة: يا خيل الله اركبي، ويا يد النصر اكتبي.
وقامت الحرب على ساق، والتفت الساق الساق إلى ربك يوميذ المساق. وأتي العدو جملة واحدة، وحمل حملة أمست بالنفوس حايده. ونكب عن الميسرة وقصد الميمنة والقلب، وهاله جمع الإسلام فأراد أن يخلص بانحيازه من شدة ذلك الكرب.
واستمرت المناضلة تمتد بين الفريقين وتنتشر، والمؤمنون قد وفوا بما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ومولانا السلطان - خلد الله ملكه - يري غمرات الموت ثم يزورها، ويمر في مجال المنايا فيحلو له مريرها ومرورها. وتقاسم سيوفه العدى شر قسمة، فعلى عاتقه غواشيها، وفي صدورهم صدورها. وهو - خلد الله سلطانه - يردف مواكبه بحملاته، ويقدم فتخشى الأعداء مواقع مهابته، وترجوا الأولياء منافع هباته. ويحرض عساكره على أداء الجهاد المفترض، ويدعوهم إلى جنة لهم فيها عن المناضلة جميل الخلف و حسنالعوض، ويريهم إقدام من لا يخالف المنية، ولا يهاب مواقعة السمهرية.
ولما كان وقت المغرب لجأوا - خذلهم الله - إلى جبال اعتقدوا أن فيها النجاة، وقالوا: نأوي إلى جبل يعصمنا من الموت ونسوا أنه ولا عاصم اليوم من أمر الله.
Bogga 46