مسألة: تنازع فيها العلماء، ورأى مع أحد القولين نصوصا لم يعلم لها معارضا بعد نظر مثله فهو بين أمرين:
إما أن يتبع قول القائل الأخير لمجرد كونه الإمام الذي اشتغل على مذهبه، ومثل هذا ليس بحجة شرعية، بل مجرد عادة يعارضها عادة غيره باشتغاله على مذهب إمام آخر.
وإما أن يتبع القول الذي ترجح في نظره بالنصوص الدالة عليه، وحينئذ فيكون موافقته لإمام يقاوم به ذلك الإمام، وتبقى النصوص سالمة في حقه عن المعارض بالعمل، فهذا هو الذي يصلح.
وإنما تنزلنا هذا التنزل لأنه قد يقال: إن نظر هذا قاصر، وليس اجتهاده تاما في هذه المسألة، لضعف آلة الاجتهاد في حقه؛ أما إذا قدر على الاجتهاد التام -الذي يعتقد معه أن القول الآخر ليس معه ما يدفع به النصوص- فهذا يجب عليه اتباع النصوص، وإن لم يفعل كان متبعا للظن وما تهوى الأنفس، وكان من أكبر العصاة لله ورسوله.
بخلاف من يقول: قد يكون للقول الآخر حجة راجحة على هذا النص وأنا لا أعلمها، فهذا يقال له: قد قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ١، وقال النبي ﷺ "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ٢.
والذي تستطيعه من العلم والفقه في هذه المسألة قد دلَّك على أن هذا القول هو الراجح، فعليك أن تتبع ذلك، ثم إن تبين لك فيما بعد أن للنص معارضا راجحا كان حكمك في ذلك حكم المجتهد المستقل إذا تغير اجتهاده.
وانتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه، بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه، وترك القول الذي ترجحت حجته، وأما الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة واتباع هوى فهذا مذموم.
وإذا كان الإمام المقلد قد سمع الحديث وتركه -لا سيما إن كان قد رواه
_________
١ أبو داود: السنة (٤٦٤٣) .
٢ البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨)، ومسلم: الحج (١٣٣٧)، والنسائي: مناسك الحج (٢٦١٩)، وابن ماجه: المقدمة (١،٢)، وأحمد (٢/٢٥٨،٢/٣٥٥،٢/٤٢٨،٢/٤٥٦،٢/٤٨٢،٢/٤٩٥) .
1 / 12