ومع أن من قواعد الأكاديمية الفرنسية أن تطبع جميع هذه الخطب التي عرفت بها؛ فإنه كان من الواجب عدم طبعها.
وقد هدفت أكاديمية الآداب الجميلة إلى غرض أعظم حكمة وأكثر فائدة، وهو أن تعرض على الجمهور مجموعة من المذكرات الزاخرة بمباحث النقد الطريف، وقد قدرت هذه المذكرات لدى الأجانب، وإنما الذي يرجى هو أن تكون بعض الموضوعات فيها أكثر عمقا، وألا تعالج فيها موضوعات أخرى، ومن ذلك أن يستغنى مثلا عن البحث في مزية اليد اليمنى على اليد اليسرى، وعن مباحث أخرى، ليست أقل لغوا تحت عناوين أقل إثارة للسخرية.
وتشتمل أكاديمية العلوم - في مباحثها الأكثر صعوبة والأظهر نفعا - على معرفة للطبيعة وإكمال للفنون، وهنالك ما يحمل على الاعتقاد بأن الدراسات البالغة العمق والسياق، والحسابات البالغة الضبط، والاكتشافات البالغة الدقة، والمقاصد البالغة العظمة، تسفر - في آخر الأمر - عما فيه خير العالم.
ومما لاحظناه معا أن أنفع الاكتشافات وقع في أكثر القرون بربرية، ويلوح أن نصيب أكثر الأزمنة نورا والجمعيات عرفانا يقوم على البرهنة حول ما كان الجاهلون قد اخترعوه - ومما يعلم اليوم - بعد مجادلات طويلة بين السيدين هويغنز ورينو، تعيين أنفع زاوية في سكان
1
السفينة مع الحيزوم،
2
ولكن كريستوف كولنبس اكتشف أمريكة من غير أن يخطر بباله أمر هذه الزاوية.
وأراني بعيدا من الذهاب بهذا إلى وجوب الوقوف عند حد العمل الأعمى فقط، ولكن من الخير أن يقرن علماء الفزياء والهندسة أمر العمل بالنظر، وهل من الواجب أن يكون أكثر ما يشرف الذهن البشري أقل ما يكون فائدة في الغالب؟ ويصبح الرجل العالم بقواعد الحساب الأربع مع حسن الفهم تاجرا كبيرا؛ أي مثل جاك كور أو دلمه أو برنارد، على حين يقضي العالم الجبري حياته باحثا في الأعداد عن النسب والخاصيات العجيبة، ولكن من غير استعمال، ومن غير أن يتعلم منها ما المبادلة مثلا، وهذه حال جميع الفنون تقريبا، وتوجد نقطة إذا ما جاوزتها وجدت المباحث أمر طرافة فقط، والنقطة هي أن هذه الحقائق الدقيقة غير النافعة تشابه النجوم التي لا تنير لنا السبيل مطلقا لبعدها.
وأية خدمة لا تكون الأكاديمية الفرنسية قد أسدتها إلى الآداب واللغة والأمة إذا ما طبعت أحسن آثار عصر لويس الرابع عشر خالية من جميع الأغاليط اللغوية التي تسربت فيها، وذلك بدلا من أن تطبع مدائح في كل عام؟ وترى كرناي وموليار زاخرين بالأغاليط، وترى الأغاليط كثيرة في لافونتن. وما لا يمكن إصلاحه منها يشار إليه على الأقل، ومن هؤلاء الكتاب الذين تقرءهم أوروبة تتعلم لغتنا تعلما مضمونا، وبهم يثبت صفاؤها إلى الأبد، وتكون الكتب الفرنسية الجيدة التي تطبع بهذه العناية على حساب الملك من أفخر آثار الأمة، وقد سمعت أن مسيو دبريئو كان قد قام بمثل هذا العرض فيما مضى، وأنه جدد من قبل رجل مشهور بالذكاء والحكمة والنقد الصحيح، بيد أنه كان لهذه الفكرة مثل نصيب كثير من المشاريع النافعة، فقد قبلت وأهملت.
Bog aan la aqoon