وإليك قطعة من قصيدته «الزرفين»
1
التي أترجمها وفق حريتي المعتادة؛ وذلك لأنني لا أعرف شيئا أسوأ من أن يترجم الشعر ترجمة حرفية:
أي أنبريال، أيها العفريت الشائب العبوس، اذهب الآن وزين الجناح مقطبا، وابحث مهمهما عن الكهف العميق، حيث اختارت الإلهة ذات الأبخرة مقرها بعيدة من الأشعة الهادئة التي تنشرها عين الدنيا، ويصفر الأكيلون الحزان حولها، ويحمل نفسهم الجاف الوبيل إلى الجوار ما يشتمل عليه من الحمى والصداع، وما فتئت الإلهة الجموح تستريح على أريكة وخلف حاجز بعيدة من المصابيح والضوضاء والمهاذير والريح مورمة الفؤاد هموما، غير عارفة لهذا سببا، غير مفكرة مطلقا، مكدرة النفس دائما، مثقلة العين ، شاحبة اللون، منفخة الخصر، وتكون الغيرة النمامة جاثمة بجانبها، فيمزق هذا الطيف النسوي، تمزق هذه الفتاة الهرمة، قريبها، وتهجو الناس وهي تغني حاملة الإنجيل بيدها، وعلى سرير مغمور بالزهور تميل غانية عن تهاون، وتضطجع غير بعيدة منها، فهذه هي الكلفة التي تلثغ حين تتكلم، والتي تستمتع من غير أن تفهم، والتي تلمح عندما تنظر، والتي تحمر بلا عذار، وتضحك بلا سرور، والتي تزعم أنها فريسة مائة نوع من الألم، والتي تطفح صحة تحت ظاهر من الحمرة والخضاب، فتتوجع مع تخنث، ويغشى عليها مع تصنع.
وإذا ما قرأتم هذه القطعة في الأصل بدلا من قراءتها في هذه الترجمة الضعيفة، قارنتموها بوصف التخنث في «لنقرأ».
ذلك ما أقول بنزاهة عن شعراء الإنكليز، وقد حدثتكم قليلا عن فلاسفتهم، ولا أعرف لهم مؤرخا مجيدا حتى الآن، فكان يجب أن يكتب تاريخهم فرنسي، ومن المحتمل ألا تكون العبقرية الإنكليزية، التي هي باردة أو صائلة قد أدركت، بعد، بلاغة التاريخ الساذجة ولهجته الكريمة البسيطة، ومن المحتمل أيضا أن تكون روح الحزبية، التي تعشي البصر - قد ثلمت صيت جميع مؤرخيهم - ولا عجب - فنصف الأمة عدو النصف الآخر، وقد لاقيت أناسا وكدوا لي أن اللورد مرلبورو كان جبانا، وأن مستر بوب كان غبيا، شأن بعض اليسوعيين الذين يجدون بسكال سخيفا، وشأن بعض الينسينيين الذين يقولون: إن الأب بردالو لم يكن غير ثرثار، وتعد ماري ستيوارت قديسة باسلة في نظر اليعاقبة، ويعدها الآخرون عاهرة زانية قاتلة. وهكذا ترى لوائح دعاوى، لا تاريخ. أجل، يوجد، في الوقت الحاضر، مستر غوردون الذي هو ناقل بارع لتاسيت بالغ الأهلية لكتابة تاريخ بلده، غير أن مسيو رابن تواراس حذر منه، والخلاصة أن مما يبدو لي كون الإنكليز عاطلين من مؤرخين مجيدين كالذين عندنا، وأنه ليس عندهم مآس حقيقة، وأن لديهم كميديات فاتنة، وقطعا شعرية رائعة، وفلاسفة يجب أن يتخذوا معلمين للجنس البشري.
وقد استفاد الإنكليزي كثيرا من مؤلفات لغتنا، فعلينا أن نقتبس منهم بدورنا بعد أن أقرضناهم، ولم نأت - نحن والإنكليز - إلا بعد الإيطاليين الذين كانوا أساتذة لنا في كل شيء، فسبقناهم في بعض الأمور، ولا أعلم أي الأمم الثلاث ما يجب أن تعطى الأفضلية، ولكن طوبى لمن يعرف أن يشعر بمختلف مزاياها.
الرسالة الثالثة والعشرون
حول ما يجب من إجلال رجال الأدب
لا تجد في إنكلترة، ولا في أي بلد من العالم، ما تجد في فرنسة من المؤسسات التي ترعى فيها الفنون الجميلة، وتوجد جامعات في كل مكان تقريبا لا ريب، ولكن في فرنسة وحدها ما تبصر من تشجيع علم الفلك وجميع فروع العلوم الرياضية وعلم الطب والبحث في الآثار القديمة، ومن الحث على التصوير والنحت والمعماري. وقد خلد لويس الرابع عشر اسمه بجميع هذه المعاهد، ولم يكلفه هذا التخليد أكثر من مائتي ألف فرنك كل عام.
Bog aan la aqoon