فقلت له ما الشنفراني؟ قال ما يدريني. هذا من غريب الحمار، فإذا لقيته فاسأله عنه انتهى.
شرقي وغربي
وبعد الظهيرة من ذلك اليوم طفت بتلك المدينة مع أحد أدباء الألمانيين السيَّاحين، وقد عقدت الصدفة بيننا عروة الصحبة، فألفيت أغلب الطرق آخذًا انتظامًا على ضيقها، صغيرة المنازل ليست بعاليتها، وقد حفظت بعض منازلها القديمة لتكون أثرًا للغابرين، وتذكارًا للسالفين، وكان حديثي مع ذلك الرفيق إذ ذلك في الفرق بين المشرق والمغرب، فصار كلما نمرُّ في طريق أو يحيط بنا ميدان ينبه من التفاتي معجبًا بحسن الطرقات، ظانًّا أن هذا النظام لم يكن في المدن المشرقية. فمازلت أحدثه عن بلادنا وحسن مواقعها حتى قذفت بنا الأقدام في شوارع خارجة عن النظام، تسيل بها مياه المنازل كريهة الرائحة، فالتفت إليه قائلًا: أيباع في تلك الشوارع ماء كلونيا؟ فبدلًا عن أن يلتزم بالحجة عاث بيديه ورجليه مضطربًا ضاحكًا مكررًا جمل العفو، حتى هدأ باله، وأخذ يُرقم ما كان من الحديث للتذكار، ولم نزل معًا حتى تصوبت الشمس للمغيب، فمددنا يد الوداع متواعدين بتواصل الرقاع، وعمدت للمبيت بها إلى الصباح قاصدًا مبارحتها إذا ابيضَّ من الدجى
الجناح.
1 / 328